إشكاليات «الحلف الممسوخ»: وظائفه وأدواره؟!

علي عوباني

ينام العرب والمسلمون على حلف ويستفيقون على أحلاف ممسوخة، روادها صبية قاصرون سياسياً، هي آخر مآلات «الربيع العربي»، وتفكك الدول العربية والاسلامية الوازنة، والممانعة، بالأمس انطلق العدوان السعودي على اليمن، مستظلاً عباءة «الشرعية» في الداخل، و»تحالف عربي» «نصف عورة» من الخارج، واليوم يُعاد المشهد ذاته، «تخريجة تهريبة» للمأزق السعودي في اليمن بعد تسعة أشهر من العدوان، «تحالف عسكري اسلامي»، جديد تزامن مع اعلان وقف اطلاق النار في اليمن، تحالف لا يعدو كونه «قنبلة دخانية» تغطي على الهزيمة المدوية لآل سعود، وتسمح له بالانسحاب تدريجياً من المشهد، وكأنه نصف منتصر، وليس مهزوماً مندحراً.

التحالف المسخ الجديد، جاء على شاكلة «التحالف العربي»، حتى في توقيته وطريقة إخراجه، فكرة يتمّ الاعلان عن انشائها استناداً الى «دبلوماسية الهاتف»، فلا لقاءات ولا تحضيرات جدية توحي بأنّ ثمة حلفاً معتداً به يجري تأسيسه، الى حدّ انّ أكثر من عشرين دولة من أصل 34 ممن ضمّتهم لائحة «التحالف»، ومنهم لبنان، تفاجأت بالإعلان، وصدمت من طريقة زجّ اسمها في القائمة السعودية للحلف المنشود. وهو ما بدأ يتمظهر يومًا بعد يوم، فمصر سارعت للإعلان عن حدود مشاركتها بأنها لن تتضمّن قوات برية، رغم إغداق «المكرمات» السعودية عليها، وماليزيا أعلنت رفضها المشاركة فيه، وباكستان استنكرت إقحامها في قائمة الدول المشاركة من دون علمها، ورفضت الانخراط في تحالف عسكري لا يخدم مصالحها، وتونس قالت إنها لن تحارب «الإرهاب» نيابة عن «آل سعود» وإنْ كانت لا تمانع بالتنسيق في مجال المعلومات فقط.

طريقة الإعلان السعودي عن الطرح الجديد، طرحت بحدّ ذاتها اشكاليات جوهرية، تتعلق بكيفية تعامل أقزام آل سعود مع انظمة الدول العربية، بعدما همّشت الجامعة العربية، ومنظمة مؤتمر التعاون الاسلامي، غياب الندية، عجرفة وفوقية، وكأننا امام إمارات تابعة، قرارها في جيب آل سعود، فهم من يقرّرون عن «يمن هادي» خائن شعبه والهارب الى أحضانهم، و»فلسطين عباس» التائه ومساعيه للسلام مع مغتصب بلاده في غياهب النسيان، و»لبنان الحريري» بمونة «مكرمة صواريخ الميلان»، و»مصر السيسي» وبحرين آل خليفة…

بالطبع، لطالما سعت السعودية وتسعى إلى قيادة العالم الاسلامي، وانْ بعناوين وهمية مختلفة، لكن ذلك ليس بالسهولة المأمولة، او بخطوة الإعلان عن تحالف وهمي، مع ما يطرحه هذا التحالف بطابعه الإسلامي من إقصاء للاقليات والمسيحيين تحديداً وجعلهم خارج سياق القرار العربي، بلا اعتبار، ولا دور، فضلاً عمّا يطرحه طابعه المذهبي من توجّس وإرهاصات توحي بأنه موجه ضدّ مذهب آخر، الشيعة تحديداً، بعدما استبعدهم بالكامل عن قائمته وانْ كان لا يشرّفهم الانضواء تحت لواء مثل هذا الحلف، فهم وانْ كانوا الأكثر ابتلاء بالارهاب الا انهم الأكثر جدية في محاربته، فما هي المصلحة اذاً في هكذا تحالف مذهبي، سوى ترسيخ الانقسام والتشرذم، خصوصاً في هذه المرحلة، ألا يشبه هذا التحالف «داعش»، ألا يخدم اهداف الساعين لإثارة الفتنة بين المسلمين.

وليس من المستغرب ان يحمل «التحالف» بحدّ ذاته وفي طياته عناصر تفجيره من الداخل لما يحويه من تناقضات، خصوصاً أنه يجمع أضداداً لا تلتقي على طاولة واحدة، فالعلاقات المصرية ـ التركية، والمصرية ـ القطرية، مشوبة بالتوتر والتأزّم، وهي مقطوعة بالكامل بسبب «الإخونجية»، كما انّ «العنجهية الأردوغانية» لا تأتلف مع «الوهابية الخليجية»، فكبرياء السلطان التركي لا يسمح له بأن يرى نفسه تحت عباءة بن بن بن… سلمان وهو كان يوماً قائداً لامبراطورية طويلة عريضة لا تزال تدغدغ أحلامه حتى اليوم.

أبعد من ذلك، فإنّ تساؤلات جمّة تطرح حول الدور المنوط بهذا «التحالف»، ما هي آليات عمله، وهل يستند الى مواثيق وتعهّدات مكتوبة أم هو ارتجالي يخضع لمزاجية من أنشأه، ولماذا استبعاد دول أساسية بمحاربة الإرهاب، ألا يطرح ذلك عدم جدية في تنفيذ الشعار المرفوع، فما القيمة المضافة لمشاركة جزر القمر وجزر المالديف، في وقت استبعدت فيه أكبر دولتين إسلاميتين من حيث المساحة الجغرافية الجزائر، كازاخستان ، وثلاثة من أكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان المسلمين اندونيسيا، ايران، العراق .

لكن بيت القصيد يتمحور حول مسألتين الأولى تتعلق بمفهوم «التحالف» الجديد بشأن الإرهاب، فلكلّ من المنضوين في القائمة المعلنة مفهومه الخاص، وأغربها المفهوم السعودي، الذي بات يضمّ حزب الله وحركة أمل اللبنانيّيْن وحركة أنصار الله اليمنية الى قائمته السوداء، وفي ظلّ العداء السعودي المستحكم لإيران، يعني ذلك في ما يعنيه انّ ايران كدولة والشيعة كطائفة هم المقصودون بلائحة الارهاب السعودية، وانْ بقي ذلك مضمراً وغير معلن بشكل صريح. بينما لا ندري ما هو مفهوم توغو وبنين وتشاد وغينيا والصومال وآخرين للإرهاب…

وفي سياق التصنيف الجاري للإرهاب وتحديد القوائم بشأنه، تبرز المحاولات السعودية لتمييع مفهوم الإرهاب عبر زجّ المقاومين مع الإرهابيّين في لائحة واحدة، مع ما يخلقه ذلك من خلط ولغط، يترافق مع الحديث عن إرهابيّين معتدلين، وآخرين غير معتدلين، او متشدّدين، وهو ما يذكرنا بشعارات رفعت سابقاً متأثرة بسياسات التصنيف الأميركية للدول بين محاور خير وشرّ، والتي تزامنت مع تصنيف الدول العربية بين «الاعتدال العربي» و»تطرف عربي»، حينما كان الهدف تصوير إيران كعدو و»إسرائيل» كصديق، فما نسمعه اليوم، مغزاه واحد، ألا وهو تلميع صورة الإرهابيين، منظمات، ودول، وتشويه صورة المقاومة والتصويب على إيران وحلفائها، ومن هنا يمكن فهم وضع حزب الله على لائحة الإرهاب السعودية، والتي ترافقت بالطبع مع وضع قائمة المنظمات الارهابية في سورية، بما يعنيه ذلك من محاولات سعودية لزجّ اسم الحزب على اللائحة المعدّة من بوابة تواجده في سورية وقتاله ضدّ التكفيريين فيها.

اما المسألة الثانية الرئيسية فتتمحور حول المستهدف من «التحالف الاسلامي السعودي» الجديد، لا سيما أنّ كلّ حلف أو تحالف جرى إنشاؤه حتى الآن كان موجهاً بشكل مباشر او غير مباشر ضدّ إحدى الدول، وشكل غطاء للعدوان على دولة ما، فمن المستهدف بهذا التحالف، لا سيما في ظلّ الحديث عن دراسة إرسال قوات عربية واسلامية خاصة الى سورية، فهل سيكون الحلف الجديد الأداة البرية لـ»التحالف الدولي» في العراق وسورية، في ظلّ معلومات تتحدّث عن مساعي لحلف شمال الاطلسي «الناتو» مع الأكراد من أجل إنشاء قواعد عسكرية له في الحسكة السورية، خصوصاً أنّ التحالف الجديد سبقه توبيخ من أوباما لدول الخليج لعدم مشاركتها بشكل جدّي وفاعل في مكافحة الإرهاب، وأعقبته إشادات أميركية بـ»التحالف»، فما سرّ هذا التماهي الأميركي السعودي، وهل الحديث عن غرفة تنسيق معلوماتي في الرياض يأتي في مواجهة غرفة بغداد التي أنشأتها روسيا والعراق وإيران منذ شهرين ونصف الشهر تقريباً، ثم ألا يوضع «التحالف العسكري الاسلامي» في خانة تلميع صورة السعودية عقب ما تعرّضت له من انتقادات لاذعة في الصحف الغربية ومن قبل أجهزة الاستخبارات على خلفية دعمها للإرهاب واعتبارها منبعا ايديولوجياً له ومصدر تمويله؟

امام كلّ ذلك يبقى السؤال الأبرز: أين كانت هذه الأحلاف طوال الـ67 عاما الماضية ضدّ «اسرائيل» وحروبها على الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين…؟ أين هذه الغيرة على المقدّسات المنتكهة والمستباحة بشكل يومي؟ ألا يستدعي كلّ ذلك حتى موقفاً ممّن يدّعون العروبة و»ريادة» الإسلام والمسلمين، يشفي غليل أهل فلسطين؟ أم انها ليست في حساباتهم ولا يستذكرونها الا لزجّ اسمها في اجنداتهم المشبوهة، ولوائحهم لمحاربة الارهاب، التي ادرجت زوراً المقاومين في طياتها وتناست إرهاب «اسرائيل» ومسخه «داعش» الذي لا يحتاج الى أحلاف «ساقطة» لإسقاطه انما الى إرادة فعلية لمحاربته، وتجفيف مصادر تمويله وتسليحه من قبل الرياض وتركيا وقطر ومن يلفّ لفّهم… فعلاً انها «مهزلة العصر»…

كاتب وباحث لبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى