نصرالله: أستاذ الحرب النفسية
ناصر قنديل
– انتظر «الإسرائيليون» على أعصابهم ساعات طويلة بعد تنفيذ اغتيالهم للقائد المقاوم سمير القنطار لمعرفة ماذا سيكون ردّ المقاومة، فاستنفروا طائراتهم في الأجواء اللبنانية، وأعلنوا من باب الرسالة السياسية أنهم أصدروا التعليمات لسلاح الجو باستهداف أيّ منصة صواريخ تظهر أمامهم، تعبيراً عن العزم على المواجهة، وبعد ساعات من الانتظار والتحليق علموا بأنّ سيد المقاومة سيتحدّث لاحقاً، فازداد قلقهم وحبسُ أنفاسهم، وبعضهم قال ننتظر، وبعضهم الآخر قال ربما كان التأخير ليتمّ الردّ قبل الحديث فزادوا الاستنفار.
– تكلم السيد فكان الحديث إلى أربعة أجزاء رئيسية نال منها اغتيال الشهيد سمير القنطار جزءاً، بينما الأجزاء الثلاثة الأخرى لمواضيع أربكهم التحليل والتفكير في مبرّر ظهورها مع الحديث عن الحدث الذي ظنّ «الإسرائيليون» أنّ الحديث سيكون مخصّصاً له، والواضح أنّ الأمر ليس تقليلاً من شأن ولا مكانة الشهيد القنطار في نظرة المقاومة وسيدها، ففيما قاله عنه قال ما يكفي ليقول إنه قائد من قادة هذه المقاومة وكفى. لكنه رسالة تظهر تقليلاً من حجم الحساب الذي تقيمه المقاومة لـ»إسرائيل» كما فهم محلّلوها.
– حسم سيد المقاومة قرار الردّ على الاغتيال، لكنه لم يروِ غليل العطش «الإسرائيلي» لمعرفة المزيد، فقد كان هادئاً جداً، لم يمنحهم فرصة تحليل نبرة صوته، وإشارات يديه، وسبابته، ولما أراد تثبيت قرار الردّ، أورده مكتوباً من قبل سنة تقريباً وأعاد قراءته، بما يقول مرة إنه موقف مبدئي لا يزال قائماً، ويسمح بالقول إن لا حاجة إلى التذكير بأننا قرّرنا وسنردّ وكفى، وفي كل حال تعمّد السيد ألا يقول كلاماً مخصصاً للحدث، فزاد الوضوح وضوحاً، لكنه زاد الغموض غموضاً، موغلاً في تقنيات الحرب النفسية، يلاعب بها أستاذ محترف تلامذة هواة، مذكراً أنّ ثمة حفلاً تأبينياً خاصاً بالشهيد القنطار سيقول فيه السيد عن خصال وتجربة القنطار ما يجب، وهم الآن على موعد انتظار جديد عساه يفك رموز وشيفرة الكلام المباح، والخشية أن يسبقه فعل أبلغ من الكلام، إذن انتظار جديد واستنفار جديد.
– للزمن الذي تريده المقاومة سيكون حال «الإسرائيلي» كحال الأحدب في وصف إبن الرومي:
قصرت أخادعه وغار قذاله
فكأنه متربّص أن يُصفَعَا
وكأنّما صُفِعَتْ قفاه مرّة
فأحسّ ثانية لها فتَجَمَّعَا