دار الفتوى نحو الفك والتركيب بعد العيد بأيدٍ مصرية
كتب المحرر السياسي
مع الرفض المعلن لقيام الدولة الكردية التي نادى بها رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، من قبل اللاعبين الكبار، وخصوصاً موسكو وواشنطن وسائر العواصم الأوروبية من جهة، والمعلومات المتواترة عن تقدم المسار التفاوضي بين الغرب وإيران لإنتاج التفاهم المنتظر ضمن مهلة العشرين من الشهر الجاري، بحيث تتكرّس المصالحات الكبرى المرتبطة به قبل نهاية هذا الشهر من جهة ثانية، والنجاحات المتتالية للجيشين العراقي والسوري في مواجهة الجماعات المسلحة خصوصاً بعد استرداد الجيش العراقي زمام المبادرة في الحرب مع «داعش» وتقدمه اللافت في مدينة تكريت من جهة ثالثة، يصير حلم «داعش» ودولة الخلافة محكوماً بالوقوع في قبضة حصار طويل إن لم يتهاوَ تحت الضربات المنسقة السورية – العراقية المدعومة من إيران، بعد رفض المقايضات التي عرضها وزير الخارجية الأميركي جون كيري على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لتوظيف اندفاعات «داعش» في حرب نفسية لتحصيل تنازلات عراقية سياسية لحساب الرياض وعسكرية لحساب واشنطن، بما يتيح لكليهما تعويض ما كانا قد أخفقا بتحقيقه في الجبهة السورية، ليعودا إليها من الشباك العراقي، وعلى ضفة مقابلة يصير حلم الدولة الكردية محكوماً بضعف التأييد، وقصر مدى المواجهة التي يتولاها «داعش» بعدما كان البرزاني يظنها أكثر من قنبلة دخانية ويعتبرها حريقاً مديداً، بما يكفي لتهريب قيام دولته التي لم تحظَ بغير الدعم «الإسرائيلي».
هذه المسارات التي بدأت ترتسم على مساحة المنطقة، ترافقت مع وضع أسس التسوية الأوكرانية التي لم يزعزعها ويعكّر صفوها تدهور الوضع الأمني في عدد من المناطق شرق البلاد، بقدر ما ضغط على الرعاة الأوروبيين الإسراع لتدارك المزيد من التدهور.
هذا التسارع في رسم السياقات عززه التفاهم الروسي – الأميركي المدعوم سعودياً والمشفوع بلا ممانعة سورية – إيرانية، باختبار قدرة مصر في ظل الحكم الجديد على لعب دور رمادي يؤهلها لتجسير الهوة في ملفات المنطقة بدءاً من لبنان.
الاختبار المصري الأول سيترجم بعد عيد الفطر، بقيادة مساعٍ لحلحلة الوضع في دار الفتوى، بعد تسليمها الملف كلياً برضى كل الأطراف، والدار الذي يتبع أغلب مشايخه للمرجعية الأزهرية وتربطه بالأزهر علاقة تجعله أقرب ليكون فرعاً أزهرياً في لبنان، لا تزال العلاقة السياسية والمالية التي تربطه بالسعودية أبعد من تشريع شكل يتعدى المجاملة بالمرجعيات الدينية في مكة، وانتسابها للفكر الوهابي.
النجاح المصري في ملف دار الفتوى سيفتح الباب امام الديبلوماسية المصرية مع وجود وزير خارجية مختلف عن سياسات نبيل فهمي التي حملت العداء لسورية وإيران، أن تقتحم ملفات أخرى أكبر، قد يكون الملف الرئاسي اللبناني أهمها، واستطراداً ربما ما يتصل بالأزمتين السورية والعراقية، وفتح نوافذ الحوار بين الحكومتين والمعارضين غير المنتمين لخيارات القاعدة والإخوان المسلمين.
مصر في لبنان بعد العيد، بينما لبنان يعدّ أيامه الرمضانية بعدد الخلايا المكتشفة في كنف «القاعدة» بدواعشها، وعدد التفجيرات الإنتحارية التي يتم تعطيلها وإبطالها.
الأزمات تحاصر اللبنانيين
إذاً، تحاصر الأزمات اللبنانيين من كلّ الاتجاهات من دون بروز أي قدرة أو رغبة جدية لدى الطبقة الحاكمة في إطلاق حراك استثنائي للتخفيف عن معاناة المواطن، فمن أزمة الكهرباء التي تفاقمت أخيراً في شكل كبير إلى العجز عن التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، إلى تعطيل عمل مجلس النواب وتحويل الحكومة إلى ما يشبه تصريف الأعمال، وانتهاء برفض إعطاء المعلمين والموظفين والعسكريين حقوقهم عبر إقرار سلسلة الرتب، إلى المماطلة في إقرار ملف الجامعة اللبنانية، إلى طرح الشبهات حول «استفاقة» الحكومة لإقامة مخيمات للنازحين السوريين.
ولولا سهر الأجهزة الأمنية ونجاحاتها في العمليات الاستباقية لمحاصرة الخلايا الإرهابية، لكانت البلاد أصبحت في مهب العواصف، لكن الملاحظ بحسب مصادر سياسية أن بعض فريق «14 آذار» يصر على الهروب إلى الأمام، وهو ما ظهر في اعتبار البعض في هذا الفريق تهديدات ما يسمّى «لواء أحرار السنّة» التابع لتنظيم «داعش» الإرهابي هي من دون ذي معنى، وأن وراء ذلك جهات أمنية خارجية. وقالت المصادر: فبدل أن يعمد هؤلاء إلى الدعوة لمزيد من الوحدة الداخلية ووضع الرهانات الفئوية جانباً، يواصل هؤلاء «طمر الرأس في الرمال» وحتى تبرير ما تقوم به المجموعات المتطرفة. وأضافت فليتعظ هؤلاء من الموقف الذي أعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق رداً على ما يسمى بيان «أحرار السنّة» باستهداف الكنائس وما لدى المشنوق من معطيات حول إعادة تحريك الخلايا الإرهابية.
مصادر أمنية: لا تستخف بتهديدات الإرهابيين
وفي السياق ذاته، قالت مصادر أمنية إنه إذا كان صحيحاً حتى الآن أنّ الاستقصاءات والمعلومات لم تظهر وجود «لواء باسم أحرار السنّة»، إلا أنّ إعلان هذا «اللواء» قبل أيام ولائه لتنظيم «داعش» يشير إلى أن البيان قد يكون صدر مباشرة عن هذا التنظيم أو عن أحد مجموعاته وفروعه، ما يعني أن الإرهاب لن يتوانى عن استهداف أي مركز عام أو مراكز دينية بهدف إحداث شرخ في الساحة الداخلية، خصوصاً أن محاولات هذه المجموعات لإحداث فتنة طائفية أسقطتها العمليات الاستباقية لمخابرات الجيش وباقي القوى الأمنية، من خلال إفشال عمليات إرهابية كانت تريد إيصال اللبنانيين إلى الفتنة، إنْ من خلال السعي إلى استهداف أماكن شعبية على غرار ما كانت تستهدف السيارة المفخخة التي انفجرت في الطيونة أو التخطيط لعمليات اغتيال سياسية.
وأوضحت المصادر أن آليات جديدة جرى اعتمادها في التنسيق بين الأجهزة الأمنية وفي الأساس منها تبادل المعلومات يومياً حيال ما هو متوافر لدى هذه الأجهزة بما يتعلق بتحرّك الخلايا الإرهابية. وأشارت إلى أن التوقيفات التي قامت بها الجهات المعنية في الأسبوعين الماضيين والاعترافات للموقوفين وفّرت لها الكثير من المعلومات حول نشاط العناصر المتطرفة وما تخطط للقيام به.
الأجهزة تعزّز إجراءاتها وتوسع عمليات الملاحقة
كذلك كشفت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن الجيش والقوى الأمنية المختصة تابعت معلومات إضافية حول الخلايا الإرهابية والانتحاريين وكثّفت عملها في إطار ملاحقة هذه المجموعات لا سيما في مناطق معينة بعيداً من الإعلام، كذلك واصلت هذه القوى التعقّب والتفتيش عن سيارات مفخخة سيارتان أو ثلاثة كان قد أفيد عنها سابقاً.
وفي هذا الإطار، تحرّك فرع المعلومات في الطريق الجديدة بعد الاشتباه بسيارة مفخّخة لكن تبين أنها لا تحتوي على تفجيرات، ولوحظ أن الجيش قد عزّز وجوده على مدخل شاتيلا أمس، فيما بقيت الجهود والاتصالات جارية مع القيادات في مخيم عين الحلوة من أجل ضبط الوضع في المخيم وعدم إفساح المجال أمام قيام مجموعات إرهابية بعمليات خارجه أو داخله.
استهداف مخابئ المسلّحين في جرود عرسال
كذلك لاحق الطيران السوري المجموعات المسلّحة المتطرّفة في جرود عرسال، فشن سلسلة غارات على مخابئ هذه المجموعات، وأشارت قيادة الجيش «أن الطيران الحربي السوري استهدف بعدد من الصواريخ المناطق الحدودية في جرود عرسال».
بري ألغى استشاراته لغياب إمكانات التوافق
أما في الشأن السياسي، فلم يسجّل في الساعات الماضية أي اتصالات أو مساعٍ لحلحلة الملفات الساخنة، وقالت مصادر نيابية مواكبة لحركة الاتصالات أن إقدام رئيس مجلس النواب نبيه بري على إلغاء المشاورات التي كان يعتزم القيام بها على أمل الوصول إلى مقاربات في شأن ملفّي الرئاسة والانتخابات النيابية، يشير بوضوح إلى أن رئيس المجلس لا يرى أن هناك إمكانية لتوافق الكتل النيابية على حد أدنى من الأفكار التي يمكن البناء عليها في سبيل الحصول على المخارج المطلوبة لهذين الملفّين. وأضافت إن تفاقم الصراع في المنطقة بدءاً من العراق إلى سورية وباقي الساحات الأخرى أدّى إلى إدخال المزيد من التعقيدات على الملف الرئاسي، وهو ما يعني أن لا أفق لحصول توافق في المدى القريب لإخراج هذا الاستحقاق من المأزق الذي وصل إليه، مشيرة أيضاً إلى أن تيار المستقبل ليس بوارد التخلّي عن ترشيح سمير جعجع لرئاسة الجمهورية ولا الأخير على استعداد لسحب ترشيحه، وكذلك الأمر بالنسبة للنائب وليد جنبلاط الذي لن يسحب ترشيح عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب هنري حلو إلا في حال الاتفاق على مرشح ثالث غير العماد عون وسمير جعجع.
أرجحيّة التمديد لمجلس النواب
إلى ذلك، تعتقد المصادر أن موضوع الانتخابات النيابية سيصبح هو الاستحقاق الأكثر سخونة في الأسابيع القليلة المقبلة، لكنها استبعدت الاتفاق على قانون جديد أو حتى إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين. وأوضحت أن فريق «14 آذار» يدفع للتمديد مجدداً للمجلس الحالي لمعرفته أنه لن يتمكّن من الإبقاء على عدد النواب في الكتل النيابية المحسوبة عليه. وتجزم المصادر بأنه إذا استمرت الأمور كما هي عليه اليوم، فالتمديد حاصل لمجلس النواب الحالي والتبريرات لذلك جاهزة.
إلا أن المصادر أشارت في مجال آخر إلى أن اتصالات الرئيس بري بخصوص التفتيش عن آليات لدعم الأجهزة الأمنية ستستمر لاقتناعه بأن هذا الأمر هو المدخل الوحيد اليوم لمواجهة ما يتربّص بلبنان من مخاطر على الصعيد الأمني. وتحدثت المصادر عن استمرار الاتصالات لدعم الأجهزة عدّةً وعتاداً، بدءاً من تطويع عناصر جديدة في هذه الأجهزة.
باسيل يحذر من فتنة في لبنان
من ناحية أخرى، حذر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من فتنة في لبنان نتيجة تزايد اعدادهم، آخذاً على المجتمع الدولي عدم تحمل مسؤولياته تجاه هذه الازمة التي تسبب بها. واعتبر انه يمكن إقامة المخيمات في المناطق العازلة وتحديداً بعد نقطة المصنع وهذا القرار لبناني بحت رافضاً اقامتها وشرعنتها داخل الاراضي اللبنانية.
مؤتمر صحافي لجنبلاط الأسبوع المقبل
في موازاة ذلك، يعقد رئيس جبهة النضال النضال الوطني النائب وليد جنبلاط مؤتمراً صحافياً الاسبوع المقبل يتناول فيه مجمل الاوضاع لا سيما الامنية منها.
وتناول نائب في جبهة النضال الوطني خلال لقاء خاص مع وفد دبلوماسي كويتي الوضع اللبناني من مختلف اتجاهاته، وخصوصاً الوضع السنّي في لبنان، وكلام العماد ميشال عون الأخير.
واعتبر النائب الجنبلاطي بحسب ما علمت «البناء» انّ رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون عاد من منفاه في فرنسا عام 2005، بعد توقيعه اتفاقاً مع السوريين يقضي بتحالفه مع قوى 8 آذار وحزب الله، وفي نهاية المطاف عون مرتبط كلياً بحزب الله الذي يعتبره مرجعيته.
وأكد النائب عن جبهة النضال ان الحريري هو الزعيم السنّي الأوحد على الساحة السنّية وهو الاقوى، وليس بحاجة للتحالف مع ميشال عون ليكون رئيس الحكومة المقبل، لافتاً الانتباه الى أن لدى عون 27 نائباً وهو غير باقي رؤساء الجمهوريات في لبنان الذين ليست لديهم كتل نيابية في مجلس النواب، لذا فإن أي قرار ستتخذه الحكومة برئاسة الحريري بإمكان عون ان يعطله من خلال نوابه في البرلمان، معتبراً أن تحالف وتفاهم الحريري مع النائب وليد جنبلاط أضمن لتيار المستقبل.
من جهة أخرى، أكد النائب الاشتراكي عن قضاء عاليه أن تشهد الساحة الاقليمية تقدماً في المحادثات حيال الملف النووي الايراني ما بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والولايات المتحدة الاميركية واحتمال حصول اتفاق اميركي إيراني سعودي في المدى القريب، يقضي بأن توقف المملكة العربية السعودية التي فجرت الساحة العراقية، تدخلاتها في سورية ولبنان، في مقابل توقف ايران عن التدخل في اليمن والبحرين .
إلى ذلك، تتم المشاورات والاتصالات لايجاد حل لملفي التفرغ وعمداء الجامعة وسلسلة الرتب والرواتب. وطلب وزير التربية الياس بو صعب مساعدة رئيس مجلس النواب نبيه بري لحلحلة الأمور قبل جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس المقبل»، ولفت من عين التينة إلى أن «بري متفهم لمطالب الأساتذة ولملف الجامعة في شكل كبير جداً. وأشار بو صعب إلى أنه «سيجري في الأسبوع المقبل تواصلاً مع الأفرقاء الآخرين كي لا تحصل مفاجآت في جلسة الخميس»، مضيفاً: «حتّى لو فرّغنا الأساتذة في الجامعة اللبنانية فإننا لا نستطيع أن ندفع معاشاتهم، لإنه لا يوجد تشريع، ولأن هناك سلسلة رتب ورواتب عالقة للأساتذة، ولا تصحيح للامتحانات الرسمية».
وأعلن النائب سامي الجميّل «رفض حزب الكتائب التوقيع على ملفّ التفرغ في الجامعة اللبنانية إنْ لم يطّلع على الأسماء الواردة في الملف»، وطلب من وزير التربية الياس بو صعب «استقبال وفد تربوي من حزب الكتائب للتدقيق بالأسماء والتأكد من استيفائها الشروط الأكاديمية».
وأعلنت النائبة بهية الحريري انها ستضغط قدر ما تستطيع لتأمين تصحيح مسابقات الامتحانات الرسمية وانهاء هذا الهمّ الذي يزعج الطلاب .