اغتيال القنطار: الخيانة «وجهة نظر» أو «عادة»؟
عامر نعيم الياس
فتح اغتيال الأسير المحرّر والمقاوم سمير القنطار الباب أمام السؤال مجدّداً عن الخروقات الصهيونية المحترفة أمنَ القادة الميدانيين والسياسيين والعسكريين في المقاومات العربية على مختلف انتماءاتها. فالكيان الصهيوني لا ينسى الثأر ولا يترك من يعتقد أن يديه ملطخة بدماء أحد المستوطنين المحتلين حرّاً طليقاً وعلى قيد الحياة.
الشهيد سمير القنطار كان عرضةً لعدّة محاولات اغتيال خلال السنة الحالية، فالرجل برمزيته لا يمكن أن يُترك هكذا، فضلاً عن إضافته بعداً وطنياً جامعاً إلى كوادر المقاومة القيادية التي بات القنطار الذي ينتمي إلى الطائفة الدرزية أحد قاداتها الرئيسيين.
الرجل كان مؤمناً بأن الصهاينة لن يتركوه، لكن الروايات المتضاربة حول اغتياله أجمعت على أن الصاروخ الصهيوني كان موجّهاً بدقة وأصاب القنطار في مكان إقامته من دون تأثر الأبنية الأخرى المحيطة بالبناء، كما أظهرت الصورة، في حيّ الحمصي في مدينة جرمانا في ريف دمشق، كما أفادت الشهادات المنقولة عن سكان الحيّ أن الشهيد القنطار كان قد استأجر البيت الذي اغتيل فيه منذ حوالى أكثر من سنة، وهو يتردّد عليه بشكل دوري، فضلاً عن شهادات خاصة من أهالي المنطقة أشارت إلى أن القنطار كان يتجوّل أحياناً في أسواق مدينة جرمانا.
وفقاً لما سبق من روايات وإفادات شهود من داخل مدينة جرمانا يمكن القول إن الأسباب التي أدت إلى اغتيال القنطار لا تفرض على السائل والمتسائل من أهل السياسة والكتاب، وبذريعة نقل كلام الشارع وتساؤلاته، أن يطرحوا علامة استفهام حول عدم استهداف الصهاينة من جانب الدفاعات الجوية الروسية المتطورة على الأراضي السورية، هنا لن ندخل في تحليل الأسباب السياسية التي تضبط القرار الروسي في حالة استهداف الكيان الصهيوني فوق الأراضي السورية، كما أننا لن نتحدث الهدف الرئيس من وجود المنظومات الصاروخية الروسية المضادة للطائرات والصواريخ على الأراضي السورية، لكن في ضوء حادثتي اغتيال مؤثرتين في غضون أقل من سنة، الأولى استهدفت الشهيد جهاد مغنية ورفاقه، والثانية الشهيد سمير القنطار، تجدر الإشارة إلى التالي:
ـ إن الشهيد القنطار شخصية غير محرّمة دولياً حتى يتوقع البعض أن استهدافه يمكن أن يؤدّي إلى ردّ على مستوى الجيوش والدخول في حرب بين الدول. حتى الكيان الصهيوني في ضوء تحديده الشخصية التي يريد اغتيالها يسأل أولاً عن الردّ وشكله وحجمه وقوّته ومن القوى التي ستؤمّن الغطاء دولياً وإقليمياً له أو حتى تشارك به.
ـ الصواريخ التي يريد البعض النفخ في عدم استخدامها بشكل يحقق فيه عن قصد أو من دون قصد الهدف الصهيوني الأساسي من وراء الغارة والاغتيال وهو إرباك موسكو والشارع المؤيد للدولة السورية، هذه الصواريخ لا يمكن أن تقضي على الخيانة التي هي دون غيرها السبب الأبرز في اغتيال كافة القيادات المقاومة في المنطقة، فما تفسير أن يتم استهداف غالبية القادة في أماكن إقامتهم ووسط أبناء جلدتهم وبيئتهم الحاضنة، ما هذا الكم المتراكم من الصدف في تاريخنا الذي يحيط باغتيال كافة الشخصيات البارزة؟ الخيانة لدينا حالة يراد الاستمرار في إنكارها كظاهرة الإرهاب في الغرب عموماً وأوروبا خصوصاً والتي أُطلق عليها اسم «الذئاب المستوحدة».
ـ القادة أنفسهم والكوادر يتحمّلون جزءاً من رمي أنفسهم للعدو بشكل مجاني ومنحه فرصة تحقيق إنجاز معنوي، فشدة الإفراط في الثقة وعدم مراعاة الاحتياطات الأمنية الواجب اتخاذها على الدوام، يؤدّيان إلى تسهيل حدوث خرق.
استشهد القنطار وواهم من يعتقد أن الحياة تتوقف عند استشهاده في ظل وجود شرفاء مقاومين على هذه الأرض، لكن الخيانة في هذا التاريخ المثقل بالخيانة تجعلنا نفكر بقول غسان كنفاني «أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر» ونطوّره لنقول «أخشى أن تصبح الخيانة عادةً لنا».
كاتب ومترجم سوري