موسكو: الأسد ونسقُهُ السياسي طرف رئيسيّ في التسوية

محمد احمد الروسان

روسيّا تدرك أنّ هناك محاولات أميركية وغربية و إسرائيلية وبعض عربية واهمة، كلّها تسعى إلى تفخيخ روسيّا من الداخل، وموسكو تعي أيضاً أنّ أوباما يتآكل سياسيّاً واعتباراً من السادس من شباط 2016 سيكون بمثابة بطّة عرجاء بسبب الانتخابات الرئاسية في أميركا، مع عدم إنكارها وإغفالها للقوّة الميثولوجية للأمبراطورية الأميركية، وهذا مؤشر قويّ على حكمة وواقعية القيادة الروسية ونخبة نواتها الصلبة التي تعمل كفريق واحد، انْ لجهة السياسي والدبلوماسي، وانْ لجهة الاقتصادي والمالي، وانْ لجهة العسكري والمخابراتي، وانْ لجهة الثقافي والفكري، في تعزيز الشعور القومي الروسي المتواصل، والاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي الروسي في18 12 2015 بحث الشياطين في التفاصيل لمسارات الأزمة السورية بعد التوافق الأميركي الروسي على مشروع قرار حول سورية صدر بالرقم 2254 في نفس وقت ويوم اجتماع مجلس الأمن القومي الروسي برئاسة فلادمير بوتين، وفي ذلك رسائل في كافة الاتجاهات وبمفاعيل لكافة الأطراف.

وصحيح أنّ القرار الذي تمّ اعتماده للحلّ في سورية 2254 والقرار الذي قبله بيوم 2253 والذي صاغه وزيرا مالية واشنطن وموسكو المتعلق بتجفيف منابع الإرهاب، ويضع دول الجوار السوري على المحك ويحشرها في خانة اليك، وقبلها من قرارات سابقة، يؤكد فشل المؤامرة والعدوان على سورية ونسقها السياسي ورئيسها وعلى قومية جيشها العربي العقائدي، لكن ثمة كمائن في نصوصه وبنوده الـ15 ومضامينها، يمكن للخاسر في الميدان السوري وحدثه من الطرف الثالث أن يتسلّل منها أي يزرق بالعامية ليعوّض هزيمته العسكرية الميدانية في السياسة، لكن في المحصلة والنتيجة: الذي لم يتمكنوا من الحصول عليه في الميدان العسكري على مدار خمس سنوات من الحرب لن يحصلوا عليه لا في السياسة ولا في قرارات لمجلس الأمن، ودائماً وأبداً فلا أحد يعرف كيف تفكّر دمشق، فسياسة دمشق بالنسبة للغربي لغز مستمرّ.

أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي نعم، وهذا صحيح في واقع وعلم الرياضيات السياسية، وليس من الحكمة بمكان أن يقاتل العدو الغربي والأميركي على العتبة البيتيّة، لأنّه هنا صار داخل البيت فتمّت وتتمّ مقاتلته داخل عقره وحدائقه الخلفية، عبر تعزيز وبناءات جديدة للقواعد العسكرية الروسية في سورية وكوبا، وحتى لا يتمّ الاستفراد بالأولى وإسقاط نسقها السياسي ورئيسها الشرعي بشّار الأسد، ولا يُصار الى اختطاف الثانية أميركيّاً بعد عودة العلاقات الكوبية ـ الأميركية، وفي فنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام أيضاً، والآن في أرمينيا، خاصة بعد الاستعصاء في العلاقات الروسية التركية بعد إسقاط السوخوي 24 الروسية، فمحور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من غرب وبعض عرب متصهين واهم ومخادع عرض المعادلة التالية بكلّ بساطة: سورية مقابل أوكرانيا فتمّ الرفض الروسي بلا روسيّة بحجم العالم، مع دخول روسي عسكري شرعي في سورية لتطهير جلّ الجغرافيا السورية من زبالة الإرهاب المدخل إليها، حيث الموقف الروسي قائم على رؤية بعيدة المدى واستراتيجية دقيقة متماسكة وحسابات علم الرياضيات السياسية، حيث أوكرانيا لا تشكل سوى جزء مهم ولكنه محدد، حيث المشتركات بين الحدث السوري والحدث الأوكراني في الجغرافيا والأستراتيجيا.

كسر الحاجز التركي ـ الأطلسي

نعم الوجود العسكري الروسي الفاعل على الشاطئ السوري وفي داخل الجغرافيا السورية، يمثل حالة التوازن مع الوجود الأطلسي في تركيا، بل لكسر هذا الحاجز التركي الأطلسي الذي أريدَ له أن يشكل مانعاً من تدفقات الوجود الروسي في جنوب تركيا الناتو الآن يتهدّده خطران، واحد في الشرق حيث الوجود العسكري الروسي على الشاطئ السوري وفي كلّ الجغرافيا السورية، والآخر في جنوب تركيا حيث الإرهاب، وكلاهما يجتمعان في الداخل التركي، لذا أنقرة أكثر دولة من دول الناتو انكشافاً أمنيّاً ، وبالتالي واهمون وسذّج من يعتقدون أنّ الوجود العسكري الروسي الفاعل في سورية وعلى الساحل في طرطوس، هو وجود ثانوي نسبة الى حضورها في شبه جزيرة القرم، فروسيّا الخارجة من سورية هي روسيّا الغارقة عندّ عتبتها الأوكرانية، وهي روسيّا المقفل في وجهها بحرها الأسود رئتها ، باختصار روسيّا الخارجة من سورية كما يريد المحور الصهيوني الأميركي الغربي البعض العربي الواهم والمخادع، يعني روسيّا الخاسرة لمصالحها الاستراتيجية والفوق الاستراتيجية، كون جوهر معركة موسكو ليس في أوكرانيا بل في سورية، والأخيرة هي جوهر الفكرة وبالتالي هي المعركة الكبرى والأولى أيّ المعركة في أوكرانيا هي ثغرة صغيرة ولكنها مهمة.

روسيّا نجحت بتمنهج في جعل عنوان النسق السياسي السوري العقدة والحلّ معاً، لا بل وعقدة الحلّ نفسه حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، ونكايةً بالطرف الخارجي بالحدث السوري من أميركيين وبريطانيين وفرنسيين وبعض العرب، والروس أرسوا توازناً دقيقاً حال وما زال يحول دون تدخل عسكري خارجي في سورية، كما يحول دون إسقاط الدولة السورية ورئيسها وإخراجه كرهاً أو حبّاً، من أتونات المعادلة السورية الوطنية، إنْ لجهة المحلي وتعقيداته، وانْ لجهة الإقليمي وتداعياته ومخاطره، وانْ لجهة الدولي واحتقاناته وتعطيله وآثاره على الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي آثاره على نسب النمو الاقتصادي واستعادة المنظومة الاقتصادية الأممية لعافيتها، بعد أزمة الرهن العقاري وارتباطاتها في الولايات المتحدة الأميركية شرارة وجوهر الأزمة الاقتصادية الأممية.

كما نجحت موسكو وبقوّة بأن جعلت الأسد ونسقه السياسي طرفاً رئيسياً في التسوية، وانّ بقاء الأسد ونسقه ليس فقط ثمناً من أثمان مسألة التسوية الكيميائية السورية في حينه، كما يظنّ السذّج من الساسة والذين تمطى رقابهم كالعوام، بل أنّ الرئيس الأسد وموضوعة بقائه صارت بفعل الدبلوماسية الروسية الفاعلة والجادّة، خارج دائرة التفاوض والمساومة ومسألة خارج النقاش بالنسبة لموسكو وإيران ودول بريكس ، والشعب السوري وحده يقرّر مصيره وعبر صناديق الاقتراع، أمّا بقاء الجيش السوري العقائدي فلا يقرّر يا بعض المعارضات السورية عبر صناديق الاقتراع أو عبر قرار من مجلس الأمن، فهو لا يقاتل عن قصر المهاجرين بل عن كلّ الوطن السوري الطبيعي، وقومية هذا الجيش العقائدي السوري هي ما يؤذي وجود ثكنة المرتزقة اسرائيل كيف ذلك؟

قومية الجيش السوري

تقضّ مضاجع إسرائيل

الدور القومي والوطني للجيش العربي السوري العقائدي، هو ما يقلق بل يزلزل مضاجع ثكنة المرتزقة اسرائيل ملكة جمال الكون، ووصيفاتها من بعض الساحات الخليجية والعربية، فقومية الجيش العربي السوري المترسّخة في عقيدته، هي هدف استراتيجي لثكنة المرتزقه هذه، ومن يسعى لعلاقات رأسية وعرضية معها أي مع ثكنة المرتزقة من بعض عربنا الذي لا يملك معاهدات معها، انْ كان سرّاً وانْ كان علناً، بوجود عارض الأزياء يوسي كوهين مهندس استعادة حرارة العلاقات مع بعض الساحات والدول، انْ كانت عربية، أو غير عربية ولكنها اسلامية في ظاهرها وعلمانية في عمقها.

كذلك قومية الجيش العربي الأردني وقومية الجيش المصري، وقومية الجيش الجزائري وقومية الجيش اللبناني وبعض الجيوش العربية الأخرى، هي أهداف لثكنة المرتزقة إسرائيل تسعى لتحطيمها ولو بعد حين، عبر تحويلها الى جيوش وطنية قِطرية ضيّقة محصورة بالجغرافيا السياسية، وحسب ترسيمات سايكس اللعين وبيكو الخبيث، وان كانت عمّان والقاهرة أبرمتا معاهدات في مرحلة ما مع ثكنة المرتزقة و بلاك ووتر هذه، لكن عقيدة الجيشين لم تتغيّر، وقوميتهما كذلك رغم مرور سنين، ورغم التنسيق الأمني بمستويات مختلفة.

بعض شخصيات المعارضة السورية في الخارج السوري وفي الداخل السوري وعلى حدّ سواء لا أريد تسميتها لأنّها معروفة للجميع ، تسعى وبإيعاز من أميركا وبعض العواصم الغربية والعربية، وثكنة المرتزقة و»بلاك ووتر اسرائيل»، الى استبدال عقيدة الجيش العربي السوري العقائدي، عبر تحويله الى جيش وطني قِطري ضيّق، جيش طائفي لا يرقى الى مستوى مجموعات شرطية لا علاقة لها بالوطن السوري، فما يغيظ ثكنة المرتزقة ثكنة بلاك ووتر هو قومية الجيش العربي السوري العقائدي كما أسلفت آنفاً ومعه بعض الجيوش العربية المعروفة بقوميتها.

في ظلّ هذا التيه والتوهان العربي، لم تعد الخيانة وجهة نظر، بل صارت عشقاً دَنِساً، فبعض شخصيات المعارضات السورية هذه وبإيعاز من مشغليّهم، يريدون تصوير الجيش العربي السوري وكأنّه مجرد أداة أو ماكينة يتمّ تحويلها من شرف النضال إلى دناءة الخيانة. فالموقف من ثكنة المرتزقة الصهيونية ومن برلمانها، ليست مسألة خيار سياسي أو فكري أو فلسفي أو نفسي أو مصلحي، بل مسألة وطنية قومية بعمق وبلا مواربة، وحيث نجح التطبيع في تمويه هذا، فعلينا كشفه ومواجهته.

بقاء ودور الرئيس الأسد يحدّده الشعب العربي في سورية بالانتخابات وعبر صناديق الاقتراع، وهذا ما أكدت عليه صراحة نصوص ومضامين قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 مؤخراً، لكن بقاء الجيش العربي السوري العقائدي لا يقرّره صندوق الانتخابات، ولا يقررّه معارض هنا ومعارض هناك في دفء العواصم الأوروبية أو بعض العربية فنادقها، بينما الجندي العربي السوري الذي رضع القومية العربية مع حليب أمه فهي اكسير حياته وحياة قطره، ينطلق من الوطني الخاص الى القومي والوطني العام، كجندي جيشنا العربي الأردني حيث عقيدته ما زالت سليمة ولم تتغيّر، ورضعها مع حليب أمه كشقيقه السوري والجزائري والمصري واللبناني وغيرهم، الجندي السوري القومي يقاتل الفواحش والدواعش والدوامس والبواعص والنصرة، وما تسمّى بأحرار الشام وجيش الإسلام وصعاليك جيش الفتح في كلّ الجغرافيا السورية، وهو لا يقاتل السابق ذكرهم من سلّة الإرهابيين الذين تمّ إدخالهم وعلى مدار سنوات من دول الجوار السوري مجتمعة ومنفردة لا ضير في ذلك، فهو لا يقاتلهم حول قصر المهاجرين، بل في كلّ الجغرافيا السورية ونيابةً عن العالم والإنسانية جمعاء.

وبالتالي مسألة الحوار مع النسق السياسي السوري، لم تعد مشروطة برحيل الأسد أو تنحّيه، لقد غرس الروس غرساً، من الأفكار في عقل جنين الحكومة الأممية ملتقى المتنوّرين من اليهود الصهاينة، والمسيحيين الصهاينة، والمسلمين الصهاينة، والعرب الصهاينة، بأنّ ما يجري في دمشق يجري في موسكو ودفاعهم عن دمشق هو دفاع عن موسكو. نعم لا عيب ولا تثريب على موسكو بعد اليوم، حيث كانت المسألة السورية وحدثها بالنسبة لها، مدخلاً واسعاً لرسم معادلات وخطوط بالألوان والعودة إلى المسرح الأممي، من موقع القوّة والشراكة والتعاون والتفاعل بعمق، وتحمّل المسؤوليات ضمن الأسرة الدولية الواحدة في عالم متعدّد الأقطاب، لإحداث التوازن الأممي الدقيق في شتى الأدوار والقضايا بما فيها الصراع العربي الإسرائيلي كصراع استراتيجي وجودي في المنطقة والعالم، بالنسبة للعرب الحقيقيين، والمسلمين الحقيقيين، لا عرب صهاينة ولا مسلمين صهاينة، ولا عرب البترول والغاز. نعم من حق روسيّا ونواتها وعنوان الأخيرة الرئيس بوتين أن يقول: ثبات وتماسك الجيش العربي السوري العقائدي ضمن وحدة وثبات النسق السياسي السوري، وعنوان هذا النسق الرئيس الأسد قد جلبوا للفدرالية الروسية العالم أجمع.

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

Mohd ahamd2003 yahoo.com

www.roussanlegal.0pi.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى