لماذا اغتالت «إسرائيل» سمير القنطار؟

يوسف المصري

قالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» «الإسرائيلية» نقلاً عن مصادر عالية المستوى في القيادة «الإسرائيلية» إنّ اغتيال سمير القنطار يمثل بالنسبة إلى «إسرائيل» عملية «إغلاق ملف».

وهذا مصطلح غالباً ما تستخدمه الاستخبارات «الإسرائيلية» للإعلان عن أنها قامت بعملية ثأر انتقاماً لدماء جنود أو مستوطنين سفكتها المقاومة سواء كانت فلسطينية أم لبنانية. وسمير القنطار من وجهة نظر الاستخبارات «الإسرائيلية» يعتبر أحد المطلوبين للانتقام منه وفق نظرية «إغلاق الملف».

لكن في «إسرائيل» يوجد أيضاً مستوى سياسي له حق القرار النهائي بشأن الموافقة على توقيت تنفيذ أيّ عملية «إغلاق الحساب» من عدمه.

ولا شك في أنّ اعتبارات «إسرائيل» السياسية لاختيار التوقيت يندرج ضمن حساباتها ذات الصِّلة بظروفها الداخلية والخارجية.

وكان واضحاً أنّ حكومة بنيامين نتنياهو كانت تحتاج لعملية «إغلاق الحساب» مع القنطار في هذه المرحلة لأكثر من سبب سياسي حيوي:

أول هذه الأسباب هو الردّ على تردّي الصورة المعنوية لقدرة «إسرائيل» على الردع الأمني التي ازدادت سوءاً مع دخول الهبّة الشعبية داخل فلسطين وخاصة في القدس ومنطقتها شهرها الثاني. لقد امتازت هذه الهبّة بإقدام مدنيين فلسطينيين على مهاجمة مستوطنين وجنود «إسرائيليين» بالمِدى والسلاح الأبيض. وانتشرت في «إسرائيل» على وسائل التواصل الاجتماعي الصور التي تظهر الجنود «الإسرائيليين» المدجّجين بالسلاح وهم يهربون أمام فتى أو امرأة فلسطينية تشهر بوجههم سكين مطبخ أو مدية حادّة بدائية. هذه الصورة وانتشارها على نحو كبير عبّر عن الحالة المتعاظمة لتردّي الحالة المعنوية للجيش «الإسرائيلي» وأذرعته الأمنية وأيضاً عن تعاظم ازدراء ولا ثقة «الإسرائيليين» بمنظومة الردع «الإسرائيلية» العسكرية والأمنية.

لذا كان مطلوبا «إسرائيلياً» بإلحاح أن يقوم الجيش والاستخبارات بعمل ما يوقف تدهور الحالة المعنوية في «إسرائيل»، أو أن يقدّم على الأقلّ بارقة أمل بأنّ القدرة الأمنية «الإسرائيلية» لا تزال موجودة.

ثانياً: التوقيت السياسي «الإسرائيلي» لاغتيال عميد الأسرى المحرّرين الشهيد سمير القنطار تمّ تقصّده أيضاً لسبب يتعلق بأنّ نتنياهو يريد إنشاء ربط بين الحرب المالية التي تشنّها الاستخبارات المالية في الخزانة الأميركية على حزب الله وبين الجهد الاستخباري والعسكري «الإسرائيلي» ضدّه في كلّ من لبنان وسورية.

ومعروف أنه داخل حكومة نتنياهو يوجد مبدأ قديم – جديد يصرّ على أن تحاول تل أبيب في كلّ مرة تلحظ فيها وجود هجمة أميركية على حزب الله أن تختلق دوراً لها داخل هذه الهجمة، وذلك رغم أنّ أميركا ترغب بأن تُمارس سياسات تخدم مصالح «إسرائيل» في المنطقة من دون أن يبدو انّ الأخيرة تشاركها في تنفيذ هذه السياسات، وذلك من باب أنّ رغبة واشنطن لإظهار أنّ سياساتها تعبّر عن مصالحها ومصالح المجتمع الدولي وليس عن مصالح ذات صلة بالحفاظ على أمن «إسرائيل» التوسّعي.

بهذا المعنى، فانّ «إسرائيل» تعتزم أخذ التصعيد الأميركي الملحوظ في هذه المرحلة ضدّ حزب الله كغطاء سياسي لتمارس تحته تصعيداً أمنياً واستخبارياً ضدّه. وبرأي مراقبين فإنه يحتمل على نطاق واسع أن تزيد تل أبيب من ارتكاباتها الأمنية ضدّ الحزب في هذه المرحلة التصعيدية.

ثالثاً: العملية «الإسرائيلية» باغتيال القنطار توضح أنّ تل أبيب تريد استغلالها كفرصة تنتج نقاشاً هدفه وضع ملف الجولان المحتل و«أمنه الإسرائيلي» على طاولة المفاوضات الدولية لحلّ الأزمة السورية.

ليس خافياً أنّ في شخصية القنطار يتفاعل نوعان من الرمزية، فهو من جهة يعبّر عن مقاومة المكوّن العربي الدرزي للاحتلال وإصراره على إعطاء تحرير الجولان وإعادته لحضن الوطن السوري رمزية قومية ووطنية عليا. ومن جهة ثانية يعبّر عن إرادة الأسير العربي والفلسطيني وعن استثنائية المقاومة الإسلامية في لبنان التي حرّرته.

في إطار الشق الأول من معنى رمزية القنطار الذي يستتبعه دوره، بحسب ما تقول تل أبيب بإنشاء مقاومة لتحرير الجولان، يهمّ «إسرائيل» من خلال اغتياله إثارة موضوع أنّ الأمن «الإسرائيلي» في الجولان يجب أن يكون ضمن ملفات طاولة المفاوضات الدولية حول التسوية في سورية. وبهذا المعنى فإنها من خلال اغتياله تتوسّل إيصال رسالة للدوليين بأنها مصرّة على أن يتمّ «ضمان الأمن «الإسرائيلي» في الجولان» في إطار أيّ بحث عن عودة الأمن إلى سورية.

وتكشف معلومات توفرت لـ«البناء» عن أنّ «إسرائيل» معنية بتسريع حصولها على ضمانات أمنية حول استقرار احتلالها في الجولان، وذلك انطلاقاً من وجود مشروع استراتيجي لديها يريد إطلاق عملية تنقيب عن الغاز والنفط في الجولان خلال العام 2017، حيث كشفت دراسات أنه يوجد فيه كميات كبيرة من هاتين المادتين. ولكن «إسرائيل» تؤخر البدء بالتنقيب في الجولان لغاية حصولها على ضمانات عن استقرار احتلالها فيه تقدم للشركات العالمية لإقناعها ببدء التنقيب والاستثمار في تلك المنطقة.

وبرأي هذه المصادر فإنه داخل سلة أهداف اغتيال القنطار يوجد هدف تسريع وضع الجولان على طاولة المفاوضات الدولية حول سورية، ولكن ماذا سيكون مصير هذه الرسالة «الإسرائيلية» فيما لو ردّت المقاومة برسالة من الجولان ذاته؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى