شفيغلر: أدين لكرة القدم بالفوز بمعركتي ضدّ سرطان الدم
أي شخص يصاب بالسرطان تنقلب حياته رأساً على عقب، وهذا ما عاشه بلا شك بيرمين شفيغلر أيضاً. لكن الأسرة هي التي فُجعت وعانت أكثر من هذا المصاب الجلل، خصوصاً وأنّ بيرمن لم يكن يتجاوز 16 شهراً عندما شُخّصت إصابته بسرطان الدم. وأوضح في حوار حصري مع موقع «فيفا»: «عندما أُصبت بالمرض كنت صغيراً للغاية، ولم أكن عندها أُدرك شيئاً ممّا يجري حولي». في تلك الفترة عاش الطفل وأسرته فترة طويلة مليئة بالكفاح والمعاناة. غير أنّ كل ذلك آتى أُكُله في نهاية المطاف، ذلك أنّ هذا اللاعب المحترف ابن الثامنة والعشرين هو اليوم كابتن نادي هوفنهايم الذي ينشط في الدوري الألماني وتمكّن كذلك من المشاركة في النهائيات العالمية.
لكن في البداية لم تكن حظوظه قوية في النجاة كما أكّد ذلك صاحب 14 مباراة دولية مع المنتخب السويسري: «كانت الفترة الأولى حرجة وعسيرة للغاية لأنّها كانت تتعلّق بالحياة والموت». حسب توقّعات الأطباء لم تكن حظوظه في البقاء على قيد الحياة تتجاوز عشرة بالمائة تقريباً. وفي المستشفى الجامعي لطب الأطفال بمدينة بيرن، كافح الأطباء، في مقدّمتهم الدكتورة أنيت ريدولفي لوثي، من أجل إنقاذ الرضيع من الموت. صحيح أن حصص العلاج الكيميائي حقّقت النجاح المطلوب، إلّا أنّ الخطر لم يكن قد زال نهائياً.
تعيّن عليه في السنوات التالية أن يذهب مراراً إلى المستشفى لإجراء فحوصات طبية. وبالتالي لم يحظَ شفيغلر بطفولة عادية كغيره من زملائه في المدرسة. لكنه وجد في كرة القدم متنفّساً حقيقياً، وفضاءً يُنسيه معاناته مع المرض حيث استحضر لاعب وسط ميدان هوفنهايم قائلاً، «كنت في ذلك الوقت أحب لعب كرة القدم. كان ذلك مهمّاً للغاية. كان بإمكاني الذهاب إلى الملعب وأن أكون جزءاً من الجميع».
كما أفصح بالقول: «الرياضة تمكّن المرء من ربط العلاقات، ولقد كان هذا مهمّاً بالنسبة لي في ذلك الوقت. لم أبالِ بشيء وهو ما كان جيداً لثقتي بنفسي حيث تمكّنت من الاندماج مجدداً». عند اللعب بالكرة لم يكن مهماً إذا كان مريضاً أو لا فقد كان بيرمين كغيره من الأطفال الآخرين. وأردف قائلاً: «كان ذلك عنصراً مهمّاً من أجل العودة إلى الحياة العادية».
مع مرور الوقت كان هذا الفتى يتحسّن أكثر فأكثر. ففي العام 2003 شُفي ابن مدينة إيتيسفيل كليّاً من المرض الخبيث، وفي تموز 2004 وقّع وهو في سن السابعة عشر على بدايته مع الفريق الأول لنادي لوزرن في دوري الدرجة الثانية السويسري. وبما أنّ شيفغلر لم تظهر عليه أعراض عودة المرض لم يشكّل سرطان الدم عائقاً بالنسبة له للتقدّم إلى الأمام. فبعد ظهوره الأول مع ناديه الأصلي تطوّرت الأمور بسرعة فائقة، حيث انتقل إثر ذلك إلى نادي باير ليفركوزن في البوندسليغا، والذي حمل قميصه للمرة الأولى في العام 2006.
تحوّل هذا السويسري الهادئ بعدها إلى نادي إنتراخت فرانكفورت، حيث تألّق ولفتَ الأنظار. ولم تظلّ هذه النجاحات خفيّة لمدة طويلة عن المسؤولين على منتخب بلاده، ففي آب 2009 احتفل شفيغلر ببدايته الأولى مع المنتخب السويسري حتى أنّه تمّ ضمّه للفريق المشارك في نهائيات كأس العالم جنوب أفريقيا 2010 FIFA. وعلّق في هذا السياق بكل فخر قائلاً: «كانت تلك لحظة عظيمة».
إنّه ليس من النوع الذي يتباهى بإنجازاته، وربما تُعتبر هذه الخاصية نتاج التجارب التي عاشها في حياته إلى غاية الآن. وهو ما أشار إليه بالقول: «جعلني المرض بسيطاً ومتواضعاً جداً. أقدّر الأشياء الصغيرة وأستمتع بها أيضاً». صوته الهادئ والرزين يُضفي على كلماته قوة أكبر.
أما اليوم فيريد شفيغلر أن يردّ الدين ويتقاسم تجاربه مع الآخرين، وذلك من خلال مؤسّسته الخيرية. ويصف أهداف انخراطه في العمل الخيري بقوله: «إنّ مؤسسة بيرن للأطفال والشباب المصابين بالسرطان تقدّم المساعدة هناك، حيث كنت مستلقياً ذات يوم، في مستشفى الأطفال بمدينة بيرن. تمّ القيام بعملٍ كبير في البحث العلمي المخصص لمعالجة داء السرطان، وتحقّق بعض التقدّم على هذا المستوى. ومع ذلك يتعيّن على حياة الأسرة أن تستمر، الشيء الذي يكون صعباً للغاية في الكثير من الأحيان. ولقد عاشت أسرتي هذه التجربة خلال فترة مرضي. وهنا نحاول أيضاً أن نعمل على ألّا تتأذى الأسرة كثيراً، وتتواصل الحياة بالنسبة للإخوة. أحاول حثّ الناس على التحلّي بالشجاعة وأن أبرز لهم أنّه بإمكان المرء أن يخرج أكثر قوة من هذه التجربة حتى وإن كانت المرحلة الأولى هي الأكثر صعوبة على الإطلاق. نريد أن يتعيّن على المرء الكفاح والدعم، كما نودّ أن نكون حاضرين أيضاً من أجل الأطفال أيضاً».
لهذا أيضاً قرّر شفيغلر بكل وعي ومسؤولية أن يطّلع الجميع بقصته. وهو يشعر أنه فعل عين الصواب: «إنّني أتعامل مع هذا الأمر بشكلٍ مختلف ممّا كان عليه الحال في الماضي خلال طفولتي. أحياناً كنت أشعر بالحرج وأنعزل. مازلت أتلقّى تعليقات تزرع الشجاعة في نفوس الناس».
لا شكّ أنّ هذا العاشق للأسطورة زين الدين زيدان هو محارب عظيم، سواء على أرض الملعب أو خارجه. يُقال دائماً إنّ كرة القدم هي لعبة فقط، وتتأكّد صحة هذه المقولة أكثر عند النظر لقصة بيرمين شفيغلر. وهذا ما يراه كذلك صاحب الرقم 16 في فريق هوفنهايم: «أنا ممتن جداً لأنّني كنت محظوظاً لتجاوزي لتلك التجربة».