عقوبات الكونغرس على المصارف عدوان على لبنان
زياد حافظ
قرار الكونغرس الأميركي الأخير بفرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع حزب الله والموقّع من قبل الرئيس الأميركي أوباما، مما يدّل على موافقته هو في الظاهر على قرار يستهدف المقاومة ومن يناصر المقاومة بسبب إدراجها على لائحة الإرهاب الأميركي. لكنه في الحقيقة هو عدوان سافر من حصن احتلّه العدو الصهيوني في الولايات المتحدة ألا وهو الكونغرس الأميركي، كما يردّد المرشّح الجمهوري السابق للرئاسة الأميركية بات بيوكانان.
هذا العدوان هو على لبنان أجمع، وليس فقط باختراق سيادته واعتبار القانون الأميركي، فوق أيّ اعتبار وخاصة القانون اللبناني، بل هو قرار فتنوي بامتياز، إذ يستهدف جمهوراً واسعاً لأحد المكوّنات الرئيسية للمجتمع والمشهد السياسي اللبناني.
يأتي هذا القرار في سياق استراتيجية متكاملة صهيونية تدعمها الإدارة الأميركية تستهدف خيار المقاومة ليس في لبنان فقط، ولكن في الأقطار العربية كافة. نذكّر هنا بقرار عربسات بإيقاف كل من محطّة «الميادين» و«المنار» من البث عبر أقمارها الصناعية ووضع حتى محطّة «المنار» على قائمة الإرهاب.
إنّ القطاع المصرفي في مأزق لا يُحسد عليه، كما هو مأزق للحكومة اللبنانية ولأجهزتها المالية وفي مقدّمتها مصرف لبنان المركزي ووزارة المالية ووزارة العدل اللبنانية. كما أنّ وزارة الخارجية محرجة في تحرّكاتها الخارجية التي تحاول أن تحشد أكبر دعم ممكن لاستقرار لبنان وإذ يأتي القرار الأميركي الأخير لينسف إحدى ركائز الاستقرار اللبناني وهو القطاع المصرفي اللبناني.
فبغضّ النظر عن رأينا في سياسات القطاع المصرفي اللبناني وسلوكه، إلاّ أنه يشكّل ربما الحصن الأخير لاقتصاد هشّ ومتراجع. فالقطاع المصرفي اللبناني الذي يحظى حتى هذه اللحظة بثقة المودعين اللبنانيين وغير اللبنانيين وخاصة العرب منهم، مهدّد بشكل مباشر. فإذا التزم بالقرار الأميركي لاسترضاء الإدارة الأميركية وللحفاظ على مصالحه، فإنه يشكّل الرضوخ لسابقة خطيرة جداً، حيث لم يعد أيّ طرف بمنأى عن مزاجية الكونغرس الأميركي. فإذا اليوم المقاومة مستهدفة فماذا يمنع قطاعات واسعة من الاقتصاد اللبناني من الاستهداف الأميركي إذا ما تعارضت مصالحه مع المزاج الأميركي. ونعني هنا الابتزاز الذي قد يُمارس على لبنان في استغلال ثرواته النفطية والغازية، أو حتى في استثمار ثرواته المائية، كما حصل منذ بضع سنوات حول نهر الوزّاني؟ أيّ ما يمنع الكونغرس الأميركي من اعتبار أيّ قرار لا يعجب الكيان الصهيوني قراراً إرهابياً؟ ناهيك عن المودعين اللبنانيين والعرب في المصارف اللبنانية الذين قد يتحوّلون بين ليلة وضحاها إلى «إرهابيين» جدد إذا ما اقتضى الأمر!
وإذا رضخت بعض المصارف للقرار الأميركي، فماذا يمكن أن تكون ردّة فعل المقاومة وجمهور المقاومة؟ هل تبدأ مقاطعة للمصرف أو المصارف التي ترضخ للقرار الأميركي؟ هل تتمّ مذْهَبَة النظام المصرفي في لبنان؟ هل ستكون هناك ردّة فعل مضادة؟ قرار الكونغرس الأميركي يشبه القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن والذي كاد يطيح بالاستقرار اللبناني. لذلك لا بدّ من اعتبار القرار الأميركي قراراً فتنوياً بامتياز. لذلك ندعو العقلاء في المقاومة وأنصار المقاومة وجمهور المقاومة وحلفاء المقاومة إلى الانتباه من الانجرار إلى الفتنة. كما ندعو السلطات اللبنانية والقطاع المصرفي إلى اتخاذ موقف وطني متجاوزاً المصالح الضيّقة الرأسمالية.
في هذا السياق بالذات يكشف القرار الأميركي ضرورة مراجعة النظام المالي الدولي الذي ما زال يرتكز إلى الدولار. نعتقد أنّ مجموعة دول «بريكس» على ضوء هذا القرار ستسرّع في إقامة المؤسسات والشبكات المالية البديلة التي لا تخضع لهيمنة الدولار وبالتالي للابتزاز. إنّ القرار الأميركي يفتح آفاقاً جديدة من العدوانية تجاه الشعوب التي لا تريد الخضوع للمشيئة الأميركية وبالتالي يمكن اعتبار قرار الكونغرس الأميركي قراراً يهدّد السلم ليس فقط في لبنان، بل في العالم، إذا تعمّم إلى أطراف أخرى.
أمين عام المؤتمر القومي العربي