على هامش تعزية «القسّام» بالقنطار!
راسم عبيدات
واضح من خلال المتابعات أنّ هناك انفصاماً في العلاقة بين «كتائب القسّام» وبين القيادة السياسية لـ«حركة حماس»، حيث إنّ كتائب القسّام أرسلت رسائل تعزية أو تهنئة لقيادة حزب الله بشهداء جرمانا وعلى رأسهم الشهيد القنطار، وهي رسائل بروتوكولية لا أكثر. ويبدو أنّ تلك التعزية خلقت تداعيات كبيرة في بيئة حماس وحواضنها وعند كُتّابها ومثقفيها في قطاع غزة وفي الخارج، ما يؤكد أنّ الفكر الوهّابي التكفيري والسلفي، متغلغل جداً في بيئة «حماس» وحواضنها وقواعدها وهذا واضح من خلال التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي أو المقالات التي كُتبت من قبل كُتّاب محسوبين على «حماس»، والتي تعكس المذهبية المقيتة والحقد الأعمى على الشيعة، والذي وصل حدّ التشفي والتهليل والتكبير والفرح بهذه العملية «الإسرائيلية» التي استهدفت قائداً دفع ثلاثين عاماً من عمره لفلسطين في سجون الاحتلال، كان قبلها مناضلاً في الثورة الفلسطينية.
وهنا لا بدّ من القول إنّ مشيخات النفط والكاز، بما تضخه من أموال وما تمارسه من تحريض على حزب الله والمعسكر الروسي ـــ الإيراني ــــ السوري، تلعب دوراً كبيراً في تغذية تلك المواقف وردات الفعل الانفعالية المذهبية، وقد رأينا كيف وقفت «حماس» إلى جانب مشيخة السعودية في حربها على فقراء اليمن، في ما يُسمّى «عاصفة الحزم»، كذلك كانت مواقفها مع تشكيل ما يُسمّى «التحالف الإسلامي» الذي شكلته السعودية، متذرعة بأنها تريد محاربة الإرهاب.
عندما تصدر مواقف وإدانات واسعة وعبارات استنكار ضدّ تقديم كتائب القسّام التهنئة أو التعزية باستشهاد عميد الأسرى المحررين سمير القنطار عن الحواضن والقواعد والكتاب والمثقفين المحسوبين على حركة حماس، محذرة من أن يؤدي ذلك إلى خسارة الحركة شعبيتها وحضورها واحترامها بين الناس، فإنّ ذلك يشير إلى ازدواجية في سلوك ومواقف الحركة، وتأرجح عميق لم تستطع القيادة السياسية لحماس حتى اللحظة حسمه لمصلحة المعسكر السعودي ــــ القطري ـــــ التركي، فكتائب القسّام، كذراع ميداني وتنفيذي للحركة، تعرف حقّ المعرفة طبيعة وحجم الدعم المالي والعسكري الذي قدمته إيران وحزب الله للكتائب، لكنّ القيادة السياسية لا تستطيع أن تقف إلى جانب هذا المحور الذي غادرته مع بداية الأزمة السورية، وأي مواقف مغايرة تصدر عنها قد تدفع بالحركة إلى خانة التصدُّعات والتشققات، وحتى السلطة الفلسطينية التي هي سلطة تحت الاحتلال لم يجرؤ ما يُسمّى مجلس وزرائها على التعزية باستشهاد القنطار.
المواقف العلنية لـ«حماس» بإدانة عملية اغتيال القنطار، لا تنسجم ولا تتطابق مع ما يجري في قواعدها وبيئتها الحاضنة، فعندما تغرد ابنة خالد مشعل، الرجل الأول في حماس، على تويتر «الله لا يردّك يا سمير القنطار، وعقبال حسن اللات»، وكذلك الكاتب المُغرق في المذهبية الأردني ياسر زعاترة، والذي وصل الأمر به حدّ التهجم على كتائب القسّام، وهناك شخص آخر مقيم في فنادق لندن ذات الخمس نجوم يُدعى ابراهيم حمامي، ليس له سوى الردح والشتم والذمّ والتهجُّم، حتى أنك تشعر بأنه يحقد على ذاته.
أليس من العار أن ينعت حملة الفكر الوهابي التكفيري هذا الشهيد، بـ«المتشيِّع الرافضي قاتل أطفال سورية الشبيح»؟ حتى أنّ البعض ذهب إلى ما هو مقزِّز ومُقرف، وما يعبر عن حقد غير مسبوق بالقول إنّ الشهيد القنطار «فطيسة وماتت»؟
ليس ذلك غريباً ولا مستغرباً على مثل هؤلاء، فهم مَن كانوا أول الشامتين والراقصين والمهللين والمطبلين لأي غارة تشنها «إسرائيل» على سورية أو مواقع حزب الله، ولا ننسى عباراتهم «اللهم اضرب الظالمين بالظالمين»، في فرح وامتداح للقصف «الإسرائيلي».
تخيّلوا أنّ البعض ممن هم محسوبون على الحركة والإسلام السياسي في معرض تبريرهم لتعزية حماس وكتائب القسام بالقنطار، قالوا إنّ الضرورات تبيح المحظورات وإنّ تعزية القسام هي نوع من التكتيك والمراوغة، وإنّ ما تظهره الحركة والقسّام عكس ما تخفيانه ولا تجاهران به. أي تكتيك وأي مرونة هذه؟ هذا هراء وسفسطة وازدواجية في السلوك ومواقف لا يمكن أن توصلنا إلى وحدة وطنية أو إنهاء انقسام أو محاربة للمذهبية والطائفية.
بالنسبة إليّ، في سياق قراءة لمواقف هؤلاء، فأنا لست مستغرباً أو مراهناً على أن يتخلى هؤلاء في يوم من الأيام عن نهجهم الإقصائي، واعتبار كلّ من يخالفهم ولا يتفق معهم بالرأي أو وجهة النظر كافر، على اعتبار أنهم يملكون صكوك الغفران وإدخال الناس إلى الجنة أو النار، أو الاتهام بالخيانة والعمالة على اعتبار أنهم يوزعون شهادات الوطنية.
مَن يهلل ويكبّر ويتمنى أن تقتل «إسرائيل» المزيد من كوادر وقادة حزب الله ، فلن يكون في يوم من الأيام مؤتمناً على وطن أو قضية.
حزب الله احتضن مبعَدي مرج الزهور من حماس والجهاد، وموّلهم ودرّبهم عسكرياً وأمّن لهم كلّ مقومات الحياة، وفي كلّ الحروب العدوانية التي شنتها «إسرائيل» على غزة كان مصدر الدعم المالي والعسكري والسياسي هو إيران وسورية وحزب الله، وفي المحصلة يستكثرون على مقاوم كبير كالقنطار ناضل في سبيل فلسطين ودفع ثمن ذلك ثلاثين عاماً من عمره في سجون الاحتلال، واختار بعد خروجه أن يستمرّ في النضال والمقاومة من أجل فلسطين ولبنان وسورية والمشروع القومي، برقية تعزية بروتوكولية ويعتبرونها جريمة، ويكيلون له أسوأ الأوصاف والعبارات المسيئة.
عندما يفقد البعض البوصلة ويُمعن في المذهبية ويغرق في الإقصائية ويصل حدّ العنجهية والغرور والغطرسة، كما هو حال الخليفة السلجوقي، الذي كان البعض يراهن عليه بأن يحرِّر فلسطين، ليظهر فيما بعد على حقيقته بعدد من المشاهد «البروباغاندية» والتمثيلية الخادعة، فها هو يعاقب مَن كان هو قبلتهم ومحجّتهم ومثالهم، بتقييد أنشطتهم وطرد القائد القسّامي صالح العاروري وبعد إسقاط طائرة «سوخوي» الروسية استنجد بـ«ناتو» لحمايته، ولم يتخلّ عن أطماعه في الجغرافيا السورية والعراقية، ليعود إلى حضنه الطبيعي أميركا و«إسرائيل».
إنّ من غيّروا اسم مدرسة المناضل الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني في رفح، ليس غريباً عليهم أن يشتموا ويطعنوا في وطنية مناضل قضى في السجون عمراً أكثر من عمر انضمامهم إلى النضال الفلسطيني.
Quds.45 gmail.com