هل يسامحني رب اللغة ويغفر لي وجه دمشق.. الحسناء والبعير؟
نارام سرجون
هل يسامحني رب اللغة وأنا أضع في أواني اللغة الذهبية لحماً فاسداً؟ وهل تسامحني آلهة الحرف وأنا أسكب في كؤوسها ماء ليس طاهراً؟ وهل تغفر لي ربة القواميس أنني أخلط خمرتها بدم الزواحف؟
بل كيف يمكن لأواني الذهب أن يسكب فيها قبل أيام اسم من سبائك الذهب المصهورة هو سمير القنطار، واليوم أصبّ في الأواني لعاب البعير؟ وكيف تكون آلهة الحروف قبل أيام تلبس اللون الأسود وتمسح دموعها وهي تحمل جثماناً من المرمر والرخام الأحمر لاسم مثل سمير القنطار، ولكنها اليوم تمسك بين يديها وثناً من الطين والعفن المجبول ببول البعير اسمه زهران علوش؟ وكيف تحتفي ربة القواميس بميلاد قاموس اسمه سمير القنطار وترتدي له حسناء اللغة أبهى حللها،. واليوم تمسك المكانس مثل سندريللا لتنظف ماحول ذاكرتها وبيتها من اسم بعير السعودية زهران علوش؟
نعم، يكاد أحدنا يحسّ بالحرج الشديد وهو يكتب عن شخصية تافهة حقيرة مثل زهران علوش، هذا المجرم الوضيع الوهّابي الذي لوّث الغوطة ولوّث فيها اللوز والمشمش والخوخ والعنب بالدم والجريمة، وملأ مجرى فروع نهر بردى فيها من بول البعير السعودي وروث البهائم الخليجية، وحوّل الغوطة الى فوطة من فوط مملكة الوهابية تمسح بها قذاراتها وفمها الملوّث بالدم والجنس والكراهية بعد أن كانت الغوطة يوماً رداء مخملياً أخضر جاء به آدم من الجنة وأهداه الى دمشق، رداء منسوجاً من وبر الدراق ونكهة المشمش وزهر اللوز الأبيض، وخيطانه من عروق دوالي العنب، ونسج الله من بساطة الفلاحين وكرمهم عباءة فوق رداء الجنة،
ليس بيني وبين علوش ثأر ولا خلاف شخصي ولا أسمح لنفسي بالوقوع في هوى الشماتة بالموت الذي يجعلني صامتاً بخشوع دوماً، بل أحسّ أن علوش كان ضحية عقل وهّابي استدرج كثيرين سذجاً الى موت مجاني، إلا أنّ ما بيني وبينه وجع دمشق، كما أنّ بينه وبين كلّ حجر في دمشق ثأر، وبينه وبين كلّ دمشقي ثارات، وبينه وبين كلّ جرس كنيسة ومئذنة كلّ جامع غضب الهي لا حدود له، وبينه وبين كلّ تراب قاسيون أبو دمشق عداء لا يضاهيه عداء الفم للظمأ، لأنه تجرأ على قدس الأقداس، وجميلة الجميلات، الحسناء دمشق، التي أراد زهران اجتياح وجهها كما لو كان رغاء جمل يريد اجتياح هدير موج البحر الجميل.
اليوم تهدأ أرواح من قتلوا في مثل هذه الأيام في عدرا العمالية ذبحاً في الفجر وعلقت رؤوسهم على الأشجار والجدران، واليوم تبرد الأرواح التي ماتت أجسادها حرقاً في أفران عدرا، واليوم لن يكون وجه دمشق عابساً وهي تسمع أنّ هذا العميل قد لقي جزاءه ونفذ فيه القصاص الذي يستحق، واليوم تنام مطمئنة أجساد أولئك الأطفال الذين قتلهم هذا المجرم بالسلاح الكيماوي الذي أرسله له الأتراك في ذلك الصيف ليتهم الجيش السوري وليبرّر للناتو غزو بلادنا، هذه الأجساد التي بقيت تتقلّب مقهورة سترتاح وهي ترى نهاية قاتلها الذي كان يتنزّه على حدود المقابر التي صنعها بفتوى وهابية بأنهم سيموتون شهداء من أجل غاية دولة الخلافة الاسلامية.
ليس قتل هذا العميل الصغير سبباً في الابتهاج والنشوة لأنّ نهايته متوقعة وقد قلت في مقالة سابقة إنه صار في قفص الكتروني ضيّق وأنّ نهايته اقتربت، ونوّهت في غير مرة أنه لن يتأخر عن ملاقاة مصير حجي مارع، كما انّ قتل هذا العميل الصغير ليس شيئاً نباهي به لأننا لا نعير قتل صغار العملاء اهتماماً، فهناك مئات مثله ممن سيهزون أذيالهم وهم يسيرون بين أرجل رجال المخابرات للحلول محله، ولكن التخلص من زهران علوش صار ضرورياً بعد ان رفعته الوصايا الوهابية الى مرتبة المنقذ والمخلص والمجاهد الذي يمثل المملكة العربية الوهابية في مستقبل الحلّ في سورية، وصار التخلص منه رسالة صارمة الى السعودية والى كلّ من يعوّل عليها بأننا سنقلع كلّ الوجود السعودي السياسي والعسكري من شروشه من كلّ سورية مهما طال الزمن، وأنّ اجتثاث الوهابية عملية لا عودة عنها ولا هدنة معها ولو استغرق الأمر عشر سنين أو مئة سنة من الضرب المتواصل على مفاصلها حتى يختبئ الوهابي خلف شجر الغوطة فيدلّ عليه الطير والحجر والشجر ويشير أن اقتلوه…
التخلص من علوش الذي يمثل وجوداً عسكرياً للمملكة الوهابية يعني أنّ الذراع العسكري لها سيتمّ قطعه، وسيلقى الذراع السياسي لها نفس المصير، الرسالة السورية في منتهى الوضوح وهو أنّ السعودية ستخرج عنوة من المعادلة السورية ولا مجاملة في هذا الامر، وسيكون واهماً من يعتقد أننا يمكن أن نسمح بوجود أو حصة سعودية في سورية على غرار الحريرية السياسية بحجة مراعاة الاستجابة للوجود العسكري في الغوطة وغيرها.
هناك سؤالان يطرحهما قطع اليد السعودية من الغوطة؟ هل قتل علوش مؤشر على تصادم أم اتفاق قادم؟ وهل هذا مؤشر على بدء مصالحة الغوطة التي كان علوش يعطلها بتعليمات سعودية صريحة؟
علوش يقيناً قتل بتنسيق استخباري سوري دقيق مع الجهد التجسّسي وقدرات التنصّت الروسية التي تسمع دبيب النمل في الغوطة، وقد قلت في مقالة سابقة إنّ الغوطة في قفص الكتروني يتكامل مع قفص استخباري متين سوري داخل الغوطة، ولم أكن يومها أذيع سراً لأنّ رأس علوش كان مطلوباً كعقوبة له لأنه تجرأ على ما لم يتجرأ عليه أحد منذ غورو المندوب السامي الفرنسي في القرن الماضي وهو قصف دمشق، وسيكون كلّ من يتصدّى لخلافة هذا العميل الرخيص في ذات القفص وسيلقى نفس المصير لسبب مهم جداً وهو أنّ هؤلاء يمثلون الذراع السعودية، وهناك قرار وطني حاسم أنّ السعودية لن تبقى في أيّ مكان في سورية ولو في اسم على جدار أو في خيط قماش، وسيدفع من يواليها حياته ثمناً لهذا، وسيكون من الممكن تواجد السعودية المعنوي والديني على سطح المريخ ولكن ليس في محيط دمشق.
أما من يقول بأنّ علوش سقط باتفاق روسي ـ أميركي لتسهيل الحلّ السياسي فهو كلام سنستمع اليه من باب الإشفاق على المعجبين بعلوش، لأنهم يريدون جعله بطلاً تتفق عليه دولتان عظميان وكأنّ هذا الصعلوك كان يوقف العالم على حدود دوما، ويهذي من لا يصدق أنّ علوش انتهى بجهد سوري مميّز ويظنّ بأنّ هذا العميل قتل بعد مقابلته مع الصحيفة الأميركية مؤخراً، والتي دلت الروس والسوريين على مقرّه، طبعاً سنحاول أن نبدو مصدّقين لهذا الهراء ونتكلّف تصنّع التفهّم الرصين لهذه النظرية الخارقة ونهزّ رؤوسنا موافقين عدة مرات، وما ان يدير محدّثنا بهذه النظرية ظهره حتى نغرق في الضحك لأنّ هذا يذكرنا بالبطل عبد الرزاق طلاس ممثل السعودية في حمص الذي سقط بصاروخ على السكايب، وظهر عارياً بشكل فضائحي مع إمكانات ميديا الداغستاني البارزة، فبرّر ذلك أنه فبركة تكنولوجية وعملية تزوير صينية لأنّ الحزب الشيوعي الصيني ومؤتمر شانغهاي هم حلفاء النظام اجتمعوا وتآمروا عليه لفبركة فيديو جنسي ظهر فيه عارياً على السكايب، هؤلاء العملاء الصغار لا يدخلون حديث الدول، بل يتلاشون كالفقاعات بلا اهتمام،
وحتى بفرض أنّ هذا العلوش سقط بتواطؤ أميركي كما أرسل لي أحد الغاضبين المعارضين بكائية من البكائيات التي تتهم أميركا بتدمير هذا الصنديد لأنه أخاف أميركا وروسيا بصلابته، فأرجو أن تتوقفوا عن الضحك كي أتابع شرح العبارة التي سيغضب بعضكم من مجرّد سردها هنا، ولكن اهدأوا من فضلكم ودعوني أقول: اذا كان هذا صحيحاً فإنّ هذا يعني أنّ الغرب يرمي بالأكباش التي رعاها الى المذبحة ويرمي بالقرابين الى الهاوية، وهذا يدلّ على غباء الرهان على الغرب الذي لا ينظر اليهم الا على أنهم عملاء يتمّ استبدالهم أو دفع الأثمان بهم في الاتفاقات، أليس علوش وجماعته هم من رفعوا لافتات يوماً تدعو الى الحماية الدولية وترحّب بالناتو؟ أم نسيتم هذا؟
علوش سقط، ومن المؤكد أنّ هناك «خيانات» في محيط المجموعات المسلحة وأنّ تململاً في أوساط بعضها والأوساط التي كانت حاضنة لـ«جيش الإسلام» جعل اختراقها واستمالتها استخباراتياً وتغيير ميولها من تواجد الاستخبارات السورية في الغوطة الشرقية أكثر مما كان قبل الاحتلال الوهابي للغوطة، ومن جديد فإنني لا أخفي سراً إنْ قلت إنّ عدداً كبيراً من الفاعليات الدومانية وفي الغوطة تتصل بكثافة مع المخابرات السورية، ويكاد مكتب الاستخبارات المكلف بملف الغوطة لا يتوقف عن تقديم فناجين القهوة لزواره السريين من الوجهاء والقيادات الذين يحملون معهم الرغبة بالخلاص مما آلت اليه الغوطة، وكان رأس علوش على الدوام على الطاولة كطريق لنيل العفو والصلح.
هذا الصعلوك سقط ليس لأنّ الروس أو الاميركيين فكروا في التخلص منه، بل لأن أهل دوما أنفسهم هم الذين قرّروا التخلص منه لأنه طغى وبغى وتجبّر ووضع دوما في خندق تعادي فيه أمها دمشق وتضربها بالصواريخ وبسببه انفصل الريف الدمشقي عن أمه دمشق وهذه خطيئة من الخطايا، فكيف يغفر له أنه وضع الأم وابنتها في حرب لم تحدث على مدى التاريخ؟
هذا التغييب لعلوش يعني أنّ المزاج الشعبي في الغوطة صار ميّالاً للتمرّد على العلالشة والوهابيين، وأنّ الغوطة تقترب من أمها لترتمي في أحضانها من بعد غياب رغم انّ السعودية سيجنّ جنونها وستحاول صناعة علوش أكثر إجراماً بسرعة قصوى فهي في سباق مع الزمن.
وفي هذه المناسبة نتذكر ميشيل كيلو كي يفسّر لنا في نظريته التي طرحها من أنّ النظام أطلق زهران علوش ليؤسلم الحراك المدني الليبرالي وجرّه الى معركة طائفية لأنّ الثورة نقية وطاهرة وغير دينية ولا وهابية فيها، كيف سيفسّر كيلو هذا الإجهاز على هذا العميل للدولة السورية؟ ربما سيقف كيلو الى جانب الاعلامي السعودي جمال الخاشقجي كالعادة وهو يتفلسف في الحرية ويقول انّ السعودية قرّرت التخلص من زهران علوش لأنها قرّرت تخليص الثورة من عملاء النظام الذين أسلموا الحراك الديمقراطي وجعلوه دموياً،
كما قلت، لن أسمح لنفسي بالضحك في حضرة الموت حتى فرحاً بموت عدوّي، فالرجل رحل وهو بين يدي ربه، ولكن من حقي أن أنظر الى من انتظر علوش محرّراً، فأقول لأيتامه:
تعازينا للائتلاف السوري المعارض بسقوط هكطور دوما، وترنح طروادة جوبر والنشابية بعد قطع رأس «جيش الإسلام»،
وتعازينا القلبية لقذائف الهاون التي فقدت أباها وصارت يتيمة، وللقذائف الصاروخية التي فقدت من يتزوّجها،
وتعازينا لـ«الاسرائيليين» الذين فقدوا نصيراً عزيزاً طالما ثأر لهم من دمشق وأذاقها ما ذاقت حيفا وما بعد بعد حيفا.
وتعازينا لقادة حزب العدالة والتنمية الذين فقدوا الرجل الذي كان يضرب بالسلاح الكيماوي المدنيين والأطفال دون أن يرفّ له جفن من أجل أن تعود السلطنة الى حكم الشام،
تعازينا لرياض حجاب المنسق الأعلى للمفاوضات على هذه البداية المشؤومة، لأنه سيفاوض من دون علوش،
وتعازينا الى المتحدث باسم نادي بول البعير الوزير السيبويه رياض نعسان آغا، على هذه البداية المشؤومة لتصريحاته وعنترياته.
وتعازينا لعصام بويضاني خليفة علوش، مع كلمة اضافية مقتضبة هي: انتظر دورك.
علوش انتهى ومرحلته انتهت والغوطة تخلّصت من أحد أكبر آثامها وخطاياها ورزاياها، وتخلصت من عار الزنا الذي أجبرها عليه هذا الوهابي الصغير وأرغمها عنوة على جهاد النكاح مع محمد بن عبد الوهاب، والغوطة رمت بأحد أثواب الردّة والبذاءة والجريمة والجنون، وهناك من سيلحق علوش انْ عاجلا أم آجلا، وكلّ من كبر ونحر وبالأعداء استكبر من بغدادي وجولاني، وهذا سيشمل كلّ من تظللهم السعودية وقطر وتركيا بظلها، حملوا سلاحاً أم قتلوا بالكلمة والتحريض، لأنّ الشعب السوري لن ينساهم، وسيلاحقهم واحداً واحداً، وسيأتي بالعدالة اليهم أو يأتي بهم الى العدالة.
وأخيرا، فليسامحني رب اللغة لأنني وضعت في أواني اللغة الذهبية لحماً فاسداً بعد سكب الذهب المصهور، ولتسامحني آلهة الحرف لاني سكبت في كؤوسها ماء ليس طاهراً وحمّلتها بدل الرخام والمرمر أوثان الطين العفن، ولتغفر لي ربة القواميس أنني خلطت خمرتها بدم الزواحف، ولتدركوا جميعا أنني ما أردت إهانة اللغة، ولا تدنيس الحروف، ولا تلويث القواميس، بل مسح وجه الحسناء من رغاء البعير السعودي.