كيلي أوليفر باحثة أميركية نسويّة ما بعد حداثيّة خرجت من عباءة فرانز فانون

تعتبر الباحثة والدارسة الأميركية كيلي أولفر التي تشغل راهناً منصب أستاذة كرسي الفلسفة في جامعة فاندربيلت الأميركية من أبرز الناقدات والدارسات في الفضاء الأكاديمي الأميركي. تتركز اهتمامات الدارسة والمفكرة أولفر على تحليل ونقد الخطب الثقافية والفكرية والسياسية ذات الصلة بالمرأة، والاضطهاد، والذاتية، عبر استخدام التحليل النفسي والفلسفة التفكيكية. من مؤلفاتها «تكنولوجيات الحياة والموت» و»النساء كأسلحة حرب: العراق والجنس ووسائل الإعلام» و»الذاتية بدون ذوات» و»نسونة نيتشه: علاقة الفلسفة بالأنوثة».

تظهر ملامح عناصر النظرية التي تعمل كيلي أولفر على بنائها في كتابها البارز «استعمار الفضاء النفسي: نظرية اجتماعية تحليلية نفسية للاضطهاد» الذي نبعت تفاصيله الأساسية من نظريات المفكر المشهور فرانز فانون وتستعملها كمنطلقات لبناء نظريتها الفريدة والمختلفة عن النظريات الأخرى التي درست ظاهرة الاغتراب والاضطهاد في مشهد الفكر المعاصر.

نظرية الاضطهاد

النظرية التي تحاول أولفر بلورة معمارها في كتابها المذكور آنفاً تدعى»النظرية الاجتماعية التحليلية النفسية للاضطهاد». ولكي تبرر مرافعتها المتعلقة بجدَة نظريتها توضح منذ البداية أنها تلجأ إلى التحليل النفسي لتشيَد بنيانها المعماري. ويُشار هنا إلى أن أولفر لا توظف أفكار فانون بطريقتها المتميزة، إنما تدرس بالنقد والتحليل أفكار عدد كبير من الفلاسفة والمحللين النفسانيين.

لا تكتفي الباحثة أولفر بالتحليل النفسي لإنجاز مشروع نظريتها بل توظف الجهاز الفلسفي ما بعد الحداثي في طبعته النقدية، والمنظار النسوي النقدي، ومكاسب نظريات ما بعد البنيوية، وتفكيكية جاك دريدا، إلخ.

تريد أولفر أن تنأى بنفسها عن مزاعم مدرسة جماعة التحليل النفسي التي تعتقد بضرورة تقوية الأنا.

تقدم سريعاً حجَتها التي تبرَر بها مسعاها النظري قائلة: «إن الكثير من المنظرين الذين يقاربون النظرية الاجتماعية ويستخدمون الإطار التحليلي النفسي، فهم يفعلون هذا عن طريق تطبيق المفاهيم التحليلية النفسية على الظواهر الاجتماعية. إنهم ينقلون مفاهيم مثل السوداوية، أو الرغبة، أو الدنيء، من الوضع الفردي لتشخيص أوضاع اجتماعية معينة، والإنتاج الثقافي، أو التشكلات النفسية لجماعة معينة من الناس».

تضيف: «رغم أن مثل هذه المفاهيم طورت نقدياً، إنما نادراً ما حٌوّلت إلى مفاهيم اجتماعية، وبدلاً من ذلك، أمّا يطبّق المنظرون المفاهيم التحليلية النفسية على الاجتماعي، أو يجمعون النظرية التحليلية النفسية مع بعض النظرية الاجتماعية المحددة، مثل نظرية ماركس أو نظرية فوكو، وبهذه الطريقة يكون التحليل النفسي مهملاً من جرّاء عدم قدرته على التحرك من المستوى الفردي إلى الاجتماعي، أو تبقى مفاهيمه مثلما هي ولذلك هي محدودة حتى بعد تطبيقاتها الاجتماعية».

الاغتراب والسوداوية

بعد تعيين كيلي أولفر النقائص، بل بعض الإخفاقات التي سادت ولا تزال تسود المشهد النظري المتعلق بدراسة الاضطهاد كظاهرة فردية، تندفع بقوة لتقدم إلينا البدائل التي يمكن بموجبها بحسب رأيها، بناء نظرية اجتماعية متطورة لتحليل ظاهرة الاضطهاد من ناحية وإيجاد السبل لقهر وتجفيف المصادر التي تأتي منها من ناحية أخرى. في هذا الصدد تقول أولفر: «إن مشروعي ليس تطبيق التحليل النفسي على الاضطهاد، بل بالأحرى تحويل المفاهيم التحليلية النفسية -الاغتراب، السوداوية، العار، التصعيد، المثلية، العفو والعاطفة كتمثيلات للدافع الجنسي- إلى مفاهيم اجتماعية، بواسطة تطوير النظرية التحليلية النفسية المرتكزة على فكرة الفرد أو النفس، وهما اجتماعيان بالكامل. إذا كانت النفس غير موجودة بمعزل عن العلاقات الاجتماعية والتأثيرات الثقافية، فإن النظرية التحليلية النفسية الاجتماعية هي ضرورية ليس لتشخيص الظواهر الاجتمــــاعية فحسب، إنما لشرح تكون الذات الفردية. لا نستطيع أن نشرح تطور الفردية أو الذاتية بمعزل عن سياقهما الاجتماعي. على ضوء ما تقدم تبرز أمامنا الحاجة إلى » نظرية تعمل بداخل الفضاء الذي يجسَر النفس والاجتماعي. على ضوء ما تقدم تبرز أمامنا الحاجة إلى نظرية تعمل داخل الفضاء الذي يجسَر النفس والاجتماعي».

التغلب على الإكراهات

تريد كيلي أولفر أن تنأى بنفسها عن مزاعم مدرسة جماعة التحليل النفسي التي تعتقد بضرورة تقوية الأنا للتغلب على الإكراهات التي تواجهها، أو تلك التي تؤمن بالوظيفة المستقلة لـ»الأنا»، أو بوجود منطقة خالية من الصراع في الأنا. خلافاً لذلك ترى أولفر أن النفس هي منتج اجتماعي، وأن الصراعات الاجتماعية تؤثر فيها وتلعب دوراً محورياً في تشكيلها. لذا تستنتج أن المعنى الذي تعطيه الذات لنفسها لا ينبع من داخلها بل هو مشروط بالموقع الاجتماعي الذي يشغله الفرد أو يزجّ فيه الكائن الإنساني.

في هذا السياق تذكرنا كيلي أولفر بالاختلاف الذي ينبغي أن نعترف به والموجود: «بين الذات وموقع الذات والذي يماثل الاختلاف بين الإحساس بالذات كذات لها فاعلية وبين إحساس الذات بنفسها ضمن موقــــع تاريخي واجتماعي في داخل ثقافتها».

في هذا السياق نجد أولفر ترفض رفضاً قاطعاً وجود موقع ثابت على الدوام، بل تعتبر الموقع التاريخي والاجتماعي متحركاً باستمرار. وبناء على ذلك فإن الذات باعتبارها أثراً أو منتجاً للاجتماعي وللتاريخي ليس ذا هوية ثابتة. هويتها متحركة ومتغيرة، مثل التغير الذي يلحق المواقع الاجتماعية والتاريخية التي تتحرك فيها وتحركها أيضاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى