مجلس «الشعب»
بشير العدل
بعد أن نجحت جماعة الإخوان المسلحين في القفز على السلطة ونظام الحكم في بلادي مصر، وبمساعدة الغير، سواء عن قصد أو عن غير قصد، سعت الجماعة بكلّ ما أوتيت من قوّة، وقوّة إلى جانب قوّتها، إلى محو آثار أنظمة الحكم السابقة، ليس رغبة في نظام سياسي جديد للبلاد ولكن انتقاماً من أنظمة ترى الجماعة أنها كانت ضحيتها، في حين أنها كانت ضحية فكرها العقيم وأهدافها الخارجة عن السياق الوطني، فهرولت الجماعة الى ما يُسمّى بكتابة دستور جديد للبلاد، في عام 2012 قالت عنه في حينه إنه من أعظم دساتير العالم، وإنه جمع من بين مميّزات دساتير 14 دولة.
غير أنّ أشياء في عملية بناء ما أسمته الجماعة المسلحة بأعظم دساتير العالم كانت تبدو من خلالها الأمور أنّ الجماعة مشغولة بالانتقام من نظام مبارك الذي أسقطته انتفاضة الشباب حتى سقط أمام إرادته واستسلم لها لتقفز الجماعة على أكتاف الشباب وتنسب الفضل لنفسها، حتى كاد الرئيس المخلوع المتهم محمد مرسي، أن يتغنّى بها في كلّ خطاباته إلى عشيرته، ومن تلك الأشياء تغيير اسم مجلس الشعب إلى النواب، والشورى إلى الشيوخ، في اعتقاد من جانبهم أنهم يسيرون على نهج الدول الديمقراطية، في حين أنّ سعيهم كان لإلغاء كلّ ما يحمل اسم الأنظمة السابقة على قفز الإخوان على الحكم، كما تمّ إلغاء مشروع مكتبة الأسرة وغيرها من الأمور، ومحاولة إلغاء تاريخ 6 تشرين الأول من ذاكرة المصريّين، باستبدال الاحتفال بأبطال حرب تشرين الأول بالمجرمين والقتلة والإرهابيين.
والحقيقة أنّ الجماعة في كلّ مبرّراتها تدعي الاصلاح وهي دائماً عنوان الفساد والإفساد في الأرض، ليس فقط في الجوهر وإنما حتى في المسمّيات، فمعنى مجلس النواب أنه يختصّ بهم وأنه معبّر عنهم، في حين أنّ مجلس الشعب له دلالته السياسية القوية التي تؤكد أنّ من بداخله هم الشعب عبر ممثليه الذين ينتخبهم الشعب كي يكونوا وكلاء عن المواطنين كلّ في دائرته.
فالأصل أن يكون المسمّى الحقيقي والعملي والمعبّر هو مجلس الشعب، لأنّ الشعب هو الذي يجلس على مقاعده عبر ممثليه، ويناقش التشريعات الخاصة بحياته اليومية في كلّ المجالات سواء كانت السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، أو تلك المتعلقة بعلاقاته الخارجية.
ومن الأسف إنّ الذين أعدّوا دستور ما بعد «الإخوان»، ساروا على نفس الدرب ولم يفكر أيّ منهم في معنى الكلمة أو حتى الإبقاء عليها، فالأصل أن يقول المواطن مجلس الشعب وليس مجلس النواب، وأنّ تغيير المسمّى هو انتقاص من حق الشعب على الأقلّ من الناحية الأدبية، بعيداً عن القرارات أو الفعاليات بداخله، لتقع اللجنة الحالية لإعداد الدستور في خطأ كبير كان ينبغي على أعضائها التنبّه له نظراً إلى أنّ المجلس هو خاص بالشعب، هو من يشكله وهو من يناقش فيه أمور الدولة وحياة المواطنين، أما الإبقاء على مسمّى مجلس النواب فيعني أنه تحوّل الى قهوة يتباحث فيها النواب أمور دينهم ودنياهم وليس للشعب أيّ علاقة به.
المسمّيات قد تبدو غير ذات قيمة، إلا أنّ دلالاتها قوية، وواجب التنبّه لها أمر مهمّ على الأقلّ عندي – خاصة بعد أن تشكل الشعب في صور جديدة، أرست مفاهيم سياسية مهمة لدى السلطة الحاكمة، أياً كانت، بأنّ الشعب هو مصدر السلطات، وأنه هو الذي يحدّد مصير بلاده بإرادته المنفردة من دون أيّ إملاء، سواء كان داخلياً أو خارجياً، وهي مفاهيم أرستها انتفاضة الشعب وثورته ضدّ نظامين كلاهما فاسد، حيث هبط الأول بقيمة الشعب وعاش في برج عاجي بعيداً عن مشاكله، بينما ارتفع الآخر بأهداف الجماعة والتنظيم الدولي على حساب الوطن، فكان كلا النظامين يستوجب المحاسبة، وإن كانت أخطاء الثاني أقوى وأشدّ.
الشعب إذن يجب أن يكون في مقدّمة أولويات السلطة، حتى في المسمّيات، ولا أقصد الحالية، وإنما أعني أيّ سلطة تحكم البلاد، فكلّ سلطة تعمل وفقاً لتوقيت زمني يحدّده الشعب والدستور لها، يتوقف على مدى نجاحها أو فشلها، وينبغي أن يكون قرار الشعب هو الأشدّ قوة ونفاذاً على أرض الواقع.
وبعد انتخاب مجلس شعب «نواب» جديد، ينبغي أن يكون تعديل المسمّى وعودته الى «الشعب» ضمن أولويات عمل السلطة الرقابية والتشريعية الجديدة، وأن يعي الأعضاء مدى خطورة استمرار المسمّى الذي وضعته جماعة الإرهاب والتضليل وسارت عليه لجنة الخمسين في ما بعد دون إدراك حقيقي لمعنى الكلمة ومفهومها.
على المجلس الجديد أن يضع نصب عينيه الشعب، وأن يحترم إرادته وحقه في أن يكون هو صاحب المجلس من حيث المسمّى والعمل، فالشعب هو مصدر السلطات وهو الوحيد الذي له حق المنح والمنع.
على المجلس الجديد ألا يتجاهل الشعب في أيّ من مواقفه، سواء المطالبة بتحسين أوضاعه، أو حتى تلك المتعلقة بإعلاء اسمه واحترام إرادته، حتى لو كان في المسمّيات.