الحوار مع عون ومبادرته طريق أحادي للبننة الرئاسة

ناصر قنديل

– بغضّ النظر عن الاعتبارات السجالية التي تفرضها لعبة التنافس والمواجهة على خصومه في تعاملهم مع مبادرة العماد ميشال عون لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، والتي تظهّرت بحالة عصبية في الردود التي تدفقت كسيول مليئة بالعدائية في وجه المبادرة، لا بدّ من لحظة هدوء وطرح السؤال الرئيسي الذي يواجه الاستحقاق الرئاسي وهو: هل لدى خصوم العماد عون وصفة يطرحونها للخروج من الفراغ والمأزق لا تحتاج إلى قبول عون ولا تلبّي موقعه كما يراه، وهل تقدم مبادرته إذا جرى التعامل معها كآخر الدواء للفشل الانتخابي عبر البرلمان وليس كبديل عنه كما قدمت، فرصة لتجاوز المأزق والفراغ؟

– معظم الردود يتمحور على كون الصيغة بديلاً دائماً مقترحاً للصيغة التي نص عليها الدستور وقبله الطائف. والخصوم محقون بقولهم في أمرين، الأول أنه لا يمكن الحفاظ على الطائف والذهاب إلى رئيس منتخب من الشعب مباشرة، لكون التناسب بين جعل السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء، وتسمية رئيس الحكومة في استشارات نيابية ملزمة وحكومة تنال الثقة من المجلس النيابي، يمنع منح صلاحيات للرئيس تفرضها عملية انتخابه من الشعب مباشرة، والثاني أنّ أيّ طرح دستوري مهما كان صحيحاً ومدروساً وإيجابياً يفترض طرحه لتحسين أداء النظام السياسي والدستوري في ظروف مختلفة من الزاوية السياسية، ويستدعي طرحه الأخذ في الاعتبار أنّ البلد في حال فراغ رئاسي والأولوية هي للخروج من هذا الفراغ.

– المشكلة هي أنّ الخصوم في ردودهم المتسرّعة لم ينتبهوا إلى كون المبادرة تحتمل تعديلها عبر الحوار، لجعلها حالاً استثنائية يتمّ اللجوء إليها في حال فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس قبل حدوث الفراغ في الرئاسة، فيبقى الرئيس منتخباً من البرلمان حتى اليوم الأخير من ولاية الرئيس المنتهية، ويمنح البرلمان بعدها مدة إضافية محددة بشهر أو اثنين أو ثلاثة هي التي يتولى فيها مجلس الوزراء صلاحيات الرئيس، ليتولى البرلمان السعي إلى ملء الفراغ، لكن مع نهاية المهلة بالفشل كما هو الحال اليوم يصير السؤال المشروع: ما هو البديل عن نقل هذه الصلاحية الانتخابية إلى صاحبها الأصلي وهو الشعب، عبر دعوته من دون دورة تأهيلية على أساس طائفي، بل للاختيار بين مرشحين اثنين يحوزان أعلى أصوات النواب المجتمعين لهذه الغاية مع نهاية المهلة الإضافية الممنوحة لهم لانتخاب الرئيس، وهذه ضمانة أن يكون المرشحان مسيحيين، من دون الحاجة إلى دورة تأهيلية يخصّص المسيحيون بالمشاركة فيها بصورة تحدث خللاً طائفياً ودستورياً ليس مكان نقاشه هنا، فيكفي أنّ هذه الصيغة توفر الدخول في جدال حول نقطة فرعية خلافية ليست جوهر الموضوع؟

– الطبيعي هنا اعتبار المجلس النيابي الذي فشل في انتخاب الرئيس منحلاً واعتبار انتخاب مجلس جديد مهمة راهنة بالتزامن مع انتخاب الرئيس من الشعب، الذي يدعى في هذه الحالة للمهمتين معاً ووفقاً للقانون الانتخابي المعمول به، وهذا الطريق للخروج من المأزق يبدو الطريق الوحيد للبننة الاستحقاق الرئاسي وعدم التساكن الطويل مع الفراغ، وإلا فالبديل الوحيد هو انتظار التوافقات الخارجية لإنتاج رئاسة يضعف سهم اللبنانيين فيها.

– لو كان هذا النص موجوداً لترتب عليه فوراً تحفيز النواب على التفاهمات بشروط أيسر والتنازل المتبادل للوصول إلى إنتاج رئاسة لهم يد فيها، بدلاً من أن تأتي ربما ذات الشخصية للرئاسة بقوة التمثيل الشعبي، ولصار وجود النص عاملاً مانعاً للوقوع في الفراغ والذهاب إلى انتخاب الرئيس من الشعب، والقول إنّ البديل هو حلّ المجلس بسبب الفشل وقيام الحكومة بتولي صلاحيات الرئيس لمدة قصيرة لتحضير انتخاب برلمان جديد مهمته الأولى انتخاب رئيس جديد، لا ينتبه إلى فرضية أن يقع المجلس الجديد في ذات الاستعصاء الذي وقع فيه المجلس السابق.

– منح الطائف ودستوره فرصاً للتشكيلات السياسية الفاعلة في البرلمان، فرص التشكل في أكثرية تقريرية وأقلية تعطيلية في المسائل التي تحتاج إلى الثلثين للعبور، وبمثل ما ينادي خصوم عون لنزوله إلى البرلمان فيتحقق لهم نصاب الثلثين لينتخبوا رئيساً تتشكل له غالبية النصف زائداً واحداً، يستخدم هو قدرته مع حلفائه على تشكيل ثلث التعطيل ليمنع تمرير رئيس لا يرضاه، وأمام هذه الحقيقة التي أملاها في الطائف توازن الطوائف وضروراتها الميثاقية، كانت العقبة دون فرضية اللجوء إلى انتخاب الرئيس من الشعب كمخرج من خطر الفراغ هي رفض الفريق المسيحي لها، كون الاحتكام إلى الشعب في زمن الانقسام المسيحي الإسلامي يعني فوز المرشح الذي يختاره المسلمون، وما يعنيه من خلل ميثاقي خطير، بينما مع انقسام البلد سياسياً بين حلفين إسلاميّين مسيحيّين، وأنّ مصدر الاقتراح هو الكتلة المسيحية الأكبر فيصير الأمر جديراً بالبحث، ضمن شرط المرة الوحيدة كحال استثنائية لحال فشل المجلس النيابي في إنجاز انتخاب الرئيس.

– قدر خصوم عون إذا أرادوا لبننة الرئاسة أن يحاوروه حول مبادرته، وقدره إذا أراد ما هو أبعد من تسجيل موقف للتاريخ، أن يرتضي معاملتها كآخر الدواء للفشل النيابي في إنتاج الرئاسة وليس كمراجعة منهجية للدستور.

– إذا سقط الحوار سينتظر اللبنانيون حواراً آخر في مكان آخر، لمعرفة اسم رئيسهم الذي قد يكون كما يقول الراوي اسمه ميشال عون أيضاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى