صراع أجنحة القاعدة و«داعش» واختراقات الاستخبارات
يوسف المصري ـ خاص
يؤشر السجال الإعلامي بين لواء أحرار السنة – بعلبك وكتائب عبد الله عزام، إلى أنّ الساحة اللبنانية هي محل تسابق بين أطراف في القاعدة للإمساك بناصية المبادرة فوقها. يذكر هذا السجال، وإن بصورة مصغرة، بالنقاش الذي دار بين أبو محمد الجولاني أمير جبهة النصرة وبين أبو بكر البغدادي أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام، حول الموقف «الجهادي» من سورية. صحيح أن مضمون النقاش بين الطرفين الأخيرين يختلف عن ذلك الجاري بين كتائب عزام ولواء السنة – بعلبك. ولكن الصحيح أيضاً أن النقاش الأخير يؤكد أن لبنان أصبح واحداً من الساحات التي يدور حولها وفيها سجال تسابقي بين أطراف القاعدة بنسخها العديدة.
والفكرة الأساس التي يلفت إليها متابعون لهذا الملف تفيد أن سمة العلاقة بين أطراف القاعدة في هذه المرحلة، هي التسابق على إثبات الحضور، ذلك أنه منذ مقتل أسامة بن لادن تحولت القاعدة إلى دوائر منعزلة غابت عنها مظلة القيادة المركزية وبذلك أصبحت كل دائرة تسعى لإثبات أهميتها وتقوم بنفس الوقت بمد يدها على صلاحيات الدوائر الأخرى ورميها بالاتهامات.
والواقع أن السجال الدائر بين كتائب عبد الله عزام ولواء السنة – بعلبك هو تعبير عن واقع الحال السائد الآن في القاعدة وربما كان يخفي في الظل تنافساً صامتاً قائماً بين جبهة النصرة وداعش حول لبنان. ولكن في حين أن أجهزة الأمن اللبنانية لديها سجل معلوماتي موسع عن كتائب عبد الله عزام ونشاطها في لبنان، فإنه بالمقابل لا يوجد في سجلاتها أية إشارة عن لواء سنة – بعلبك. والمرجح أن تكون هذه الجماعة هي واجهة تستخدمها أجواء داخل جبهة النصرة أو داعش من أجل تنفيذ عمليات إرهابية لحساب جهات داخل القاعدة المتشظية اليوم أو لمصلحة الأجهزة الاستخباراتية. وعليه فإن السجال بين زريقات ولواء السنة – بعلبك قد يكون سجالاً بين جهازي استخبارات أو بين بيئتين من أمراء القاعدة المتنافسين في هذه المرحلة.
كيف يمكن تطبيق هذه المقولة الآنفة على كتائب عبد الله عزام وجهدها الإرهابي في لبنان خلال كل مراحله؟
«كتائب عزام» و«جبهة النصرة»
بحسب اعتقاد يسود داخل أوساط مطلة على أجواء القاعدة، فان كتائب عبد الله عزام مرت بعدة مراحل في علاقتها مع جهة النصرة، أهمها أن أميرها ماجد الماجد السعودي الجنسية توفي منذ أشهر قام بدايات عام 2012 بالهجرة من مخيم عين الحلوة إلى سورية ومعه مجموعات من «فتح الإسلام و «جند الشام». وكان هدف الماجد من ذلك السيطرة على جبهة النصرة التي كانت، حينها، لا تزال طرية العود، وطرد أبو محمد الجولاني والحلول مكانه. لكن عناصر «جند الشام» وآخرين من رفاقه الذين ذهبوا مع الماجد من لبنان سورية، خذلوه هناك وانفكوا عنه وناصروا أبو محمد الجولاني.
منذ تلك الفترة حصل نوع من التباعد بين خط الماجد داخل كتائب عبد الله عزام وبين جند الشام وفتح الإسلام، فالأخيرون انخرطوا بشكل حاسم بالقتال مع جبهة النصرة في سورية، وسيطروا على مواقع خاصة بهم في ريف حمص.
وبعد وفاة ماجد الماجد، جرى تكهن واسع بأن يحل مكانه توفيق طه كأمير لكتائب عبد الله عزام، ولكن لم يتأكد هذا الأمر ولم يتم أيضاً نفيه عملياً، بدليل أنه حتى هذه اللحظة لم يجر حتى الآن الإعلان عن هوية الأمير الذي خلف الماجد.
وثمة معلومات تفيد أن طه هو الذي حل عملياً مكان الماجد، ولكن هناك توجهاً لعدم إعلان الأمر، أقله لأن طه يقيم في مخيم عين الحلوة، ما يهدد بجعل اي عملية لكتائب عبد الله عزام في لبنان، لها ردود فعل من الدولة تجاه مخيم عين الحلوة حيث يقيم أميرها طه. ومن أجل إبعاد طه عن الصورة وإبقاء حرب كتائب عبد الله عزام على لبنان لها طابع موقف القاعدة بشكل عام وتحييد عين الحلوة منها، فإنها – أي كتائب عزام – باتت تعبر عن كل مواقفها وعملياتها ذات الصلة بلبنان من خلال سراج الدين زريقات التي يوجد لديه صفة أنه الناطق الإعلامي باسمها، علماً أن زريقات له داخل هذا التنظيم منزلة تتخطى موقعه الإعلامي.
طه والجولاني
والسؤال المطروح الآن هو عما إذا كان طه الذي رافق أميره ماجد الماجد عام 2012 إلى سورية للانقلاب على أبو محمد الجولاني، لا يزال على إخلاصه لأميره لجهة عدائه لامير جبهة النصرة، أم أنه تم تجاوز تلك المرحلة.
وثمة إجابة على السؤال الآنف تفيد أنه بعد انكفاء ماجد الماجد من سورية نتيجة فشله في الإطاحة بالجولاني، فانه عاد إلى عين الحلوة وأخذ يركز على الساحة اللبنانية بالتنسيق مع مقربين من أيمن الظواهري. ولكن في مرحلة لاحقة، ومع دخول داعش إلى سورية وصراعها مع جبهة النصرة، فإن الماجد رأى في ذلك فرصة من أجل الاصطفاف إلى جانب البغدادي ضد الجولاني. وهنا تتحدث المعلومات عن أن القيادة التنفيذية في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أرسلت الى لبنان العام الماضي 16 ناشطاً منها والتقت بماجد الماجد من أجل تنسيق وضع الساحة اللبنانية. ولكن بعد وقت قصير من حصول هذا التطور ألقي القبض على الماجد. وثمة معلومات أفادت بأن الاستخبارات الأميركية هي من أشعرت السلطات اللبنانية بحركة تنقلات الماجد، ما أدى للقبض عليه. وفعلت واشنطن ذلك لأنها لا تريد لداعش أن توسع عملياتها باتجاه لبنان. وتؤكد هذه المصادر أن الرسالة الأميركية من وراء اعتقال الماجد، وصلت لكتائب عبد الله عزام، وهي أنه مسموح لها القتال في سورية أم عندما تنخرط بالقتال في لبنان فإن الاستخبارات الأميركية ستعمل من أجل تفكيكها.
لم تتوقف قصة حرب «سي آي أي على تحالف الماجد مع داعش في لبنان عند المساعدة على إلقاء القبض عليه، بل تلا ذلك إيقاف نعيم عباس، وهذا الأخير تتشكل خطورته من وجهة نظر أميركية من كونه «مقاول إرهاب تلجأ إليه كل من داعش وجبهة النصرة للإفادة من خدماته الميدانية. وعليه فإن شطبه من المعادلة يعني منع داعش أو جبهة النصرة من استخدامه كمسهل لتنفيذ عملياتها في لبنان.
والواقع أن كتائب عبد عزام بعد رسالة الاستخبارات الأميركية لها عبر المساعدة في إيقاف الماجد، أصبحت جناحين غير متناقضين بحسب معلومات خاصة: جناح توفيق طه وجناح سراج الدين زريقات. الأخير يعتبر جناح اختراقي لغير طرف ومن بينها «سي آي أي . وتجدر في هذا المجال ملاحظة المعطيات التالية: إن الجهة التي كان لها الفضل باكتشاف شخصية زريقات، يعود للاستخبارات الأميركية التي أرسلت عام 2011 للأجهزة الأمنية اللبنانية تبلغها بأن تحقيقاتها مع موقفين إرهابيين في أفغانستان بينت أن هناك شخصاً لبنانياً يقوم بتجنيد فلسطينيين ولبنانيين وإرسالهم إلى أفغانستان والعراق ليقاتلوا مع القاعدة وهذا الشخص هو سراج الدين زريقات. وآنذاك أوقف الأمن اللبناني زريقات لكنه تم بعد ساعات إطلاق سراحه. هناك أجواء داخل القاعدة ترى أن زريقات أطلق سراحه بنتيجة صفقة بينه وبين «سي آي أي ، وأنه منذ تلك الفترة يعمل ضمن أجندة تسمح له بـ«الجهاد في سورية بمقابل تقديم معلومات عن نشاط القاعدة في لبنان. طبعاً أنصار زريقات يرفضون هذا السيناريو، ويؤكدون أنه يعبر عن موقف كتائب عبد الله عزام، فيما أجواء مقربة من توفيق طه المطلوب منه الصمت حتى لا يتمّ تحميل عبء ممارسات تنظيمه للمخيم الفلسطيني، تقول إن زريقات يجتهد ولا يعبّر دائماً عن خط طه داخل كتائب عبد الله عزام.
ويبدو أن زريقات بحسب السيناريو الآنف يخوض النقاش مع لواء احرار السنة – بعلبك، ليس باسم كتائب عبد الله عزام، بل باسم ما يمثله من اختراق أميركي داخل حالة القاعدة في لبنان بكل أطيافها. وتتوقع مصادر متابعة لكواليس هذه الأجواء، أن هذه الفترة ستشهد تعاظم السجال الاتهامي بين أطراف في القاعدة تعمل في لبنان وأيضاً بينها وبين قوى تقع على ضفافها. ولا شك أن ما يشجع هذا النوع من السجال هو وجود اختراقات للأجهزة الاستخباراتية داخل بيئات القاعدة العاملة في لبنان. كما أنه يعبر من ناحية ثانية عن تنافس يستعر بين حالات دوائر القاعدة المركزية. وهنا يجب لحظ أنه فيما تنجح داعش لحد بعيد في إرغام بيئات واسعة من جبهة النصرة على مبايعتها في سورية، فإن القاعدة في اليمن تحاول إعادة شد أنظار الجهادية العالمية إليها على حساب موقع داعش على هذا الصعيد. والقاعدة في اليمن تحاول النجاح في ذلك من خلال عدة خطوات، 1 تنفيذ عمليات مركزية في دول هامة كالسعودية ودول اوروبية واميركا 2 توحيد فرعي القاعدة في السعودية واليمن، وهذه محاولة مستمرة منذ العام 2009، وهي تعود اليوم بمناسبة هجوم منفذ الوديعة الحدودي بين اليمن والسعودية منذ يومين. 3 التنافس مع داعش على استقطاب دوائر القاعدة الصغيرة في المشرق، علماً أن داعش تقوم بإبداء رغبتها بإيقاع أقصى أنواع القمع ضد الحلقات الجهادية الصغيرة الخارجة عن مبايعة البغدادي في مناطقها ولاحقاً في كلّ المشرق.