أردوغان يتّجه نحو الخسران
مصطفى العراقي
يبدو أن سياسة الاحتواء وتجنّب الصدام والإبقاء على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية التي اتخذتها إيران في تعاملها مع تركيا على طول الأزمة السورية لم تفلح في جعل أردوغان وحكومته أكثر تقبلاً لواقع خسارة الرهان على إسقاط الدولة السورية وعودة الامبراطورية العثمانية في المنطقة.. فقد استمر أردوغان بإطلاق تصريحات متشنجة واستفزازية تجاه إيران. الرئيس التركي اتهم إيران بتبني سياسات طائفية في سورية من خلال دعمها للرئيس الأسد. وقال في كلمة متلفزة في اسطنبول: لو لم تقف إيران خلف الأسد لأسباب طائفية، لما كنا نناقش اليوم ربما قضية مثل سورية.
وتابع أردوغان بأن إثارة موضوع القوات التركية في شمال العراق لها خلفيات مرتبطة بحلف رباعي بين روسيا وسورية والعراق وإيران، رفضت أنقرة الانضمام إليه في وقت سابق بعد طلب روسي، حسب قوله.
مستشار السيد خامنئي علي أكبر ولايتي يقول إن التعاون الجاد بين إيران وتركيا وسورية والعراق كفيل بحلّ جانب كبير من أزمات المنطقة، لافتاً إلى أن التوتر بين روسيا وتركيا لا يخدم مصالح البلدين. ولايتي أشار، خلال استقباله عدداً من الشخصيات التركية المشاركة في المؤتمر الدولي للتقريب بين المذاهب والوحدة الإسلامية في طهران، إلى ضرورة العمل بكل الأساليب المتاحة لتخفيف حدة التوتر بين البلدين.
العلاقة الإيرانية التركية تباينت من فترة لأخرى، فقد شهدت اتهامات متبادلة بين الجانبين. حيث اتهمت طهران أنقرة في تشرين الأول الماضي بإطالة أمد الصراع في سورية من خلال الإصرار على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ودعم الجماعات الإرهابية في سورية.
تلك الاتهامات جاءت رداً على تصريحات سابقة لأردوغان اتهم فيها إيران باستغلال الانقسامات الطائفية السورية.
أيضاً اتهمت طهران في وقت سابق من الشهر الحالي أنقرة بشراء النفط من تنظيم داعش في الوقت الذي تبذل فيه الجهود الدولية والإقليمية لتجفيف منابع الدعم للتنظيم المتطرف.
وقال محسن رضائي، أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام، إن لدى طهران وثائق تثبت شراء تركيا النفط من عصابات داعش الإرهابية. الخلافات بين البلدين ازدادت حدتها عقب إسقاط تركيا للطائرة الروسية فوق سورية، كذلك بعد التوغل التركي الأخير في الأراضي العراقية.
يبدو أن الرئيس التركي يحاول التغلب على مشاكله الداخلية المستمرة. فمن اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية إلى عودة الصراع التركي الكردي إلى الواجهة، بعد أن تفاخر أردوغان كثيراً بإغلاقه لفترة وجيزة، فحاول الأخير التوجه نحو التصعيد الخارجي على أسس طائفية.
سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو خلقت لتركيا مشاكل مستعصية عدة على الصعيدين الداخلي والخارجي. هذا ما قاله أعضاء البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطي، حيث أكدوا أن هذا الثنائي كذب على الشعب التركي في موضوع سورية منذ البداية وأن العالم بأجمعه بات يعرف أن أنقرة دعمت وتدعم كل الجماعات الإرهابية في سورية وأنها فعلت ذلك من منطلقات طائفية خطيرة.
وأضافوا أن أردوغان وداود أوغلو يكذبان أيضاً في موضوع الطائرة الروسية كما كذبا على الشعب التركي في موضوع غاز السارين المهرّب إلى سورية عبر تركيا.
أردوغان وبعد أن لعب بالنار في علاقته مع روسيا والتي أخرجته من الملف السوري بشكل كامل.. جاء ليختبر حلم إيران بهذه التصريحات العدائية.. وإذا استمر الرئيس التركي بهذا النهج، فإن التوتر سيكون سيد الموقف، لأن إيران التي احتوت تركيا لدواعٍ سياسية واقتصادية ودينية وأمنية لمحاولة إقناع الأتراك بمنع تدفق المسلحين إلى سورية في وقت الحصار العالمي على طهران.. لن تتحمّل حماقات أردوغان أكثر في الوقت الذي تشهد فيه طهران انفتاحاً غربياً وتفوقاً سياسياً وأمنياً لحلفاء إيران في المنطقة، خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية وتوالي سقوط القلاع الحصينة للإرهابين المدعومين من الحكومة التركية في سورية والعراق.