الموارنة الأربعة يفضّلون مرشحاً وسطياً على واحد منهم رئيساً؟ !
روزانا رمّال
لم يكن في وارد اللبنانيين يوماً أن يرشح الرئيس الأسبق سعد الحريري رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لملء الشغور الرئاسي في البلاد، لكنه في عام 2015 حصل ذلك، أيّ بعد عشر سنوات من اتهام سورية وحلفائها في لبنان، وأبرزهم حزب الله، باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ويومها كان فرنجية وزيراً للداخلية، والحريري الابن بالتأكيد لم ينسَ ذلك.
مهما كانت حسابات الحريري الشخصية والانتخابية أساسية فإنّ ما فعله بلغ حدّ التخلي عن «مبادئ 14 آذار»، كما يتّهمه صقورها، حيث يوجد مَن يعتبرون أنفسهم أصحاب مبادئ مطلقة كالدكتور سمير جعجع مثلاً الذي يبدو أنه أول الرافضين لتسوية تأتي بالوزير فرنجية رئيساً للجمهورية، لكن حسابات هذا الأخير قد لا تبدو سياسية بل شخصية تعود جذورها إلى مجازر عاشها المسيحيون في الحرب الأهلية اتُّهم فيها جعجع وسامح فرنجية ربما، ولكن من دون أن تنفع مسامحة حتى.
تقول مصادر سمير جعجع إنّ الذي كُسِر من الصعب أن يلتئم مع الحريري، لكنه يعاود التذكير أنه حتى ولو اقترفت 14 آذار أخطاء، فإنّ هذا لا يعني أن نتخلى عنها، فيعارض قواتيون كثر هذا الكلام.
قبل ترشيح الحريري لفرنجية عاشت الساحة المسيحية أجواء ترشيح جدّي لجعجع حتى انحصرت المسألة بين مرشح علني لـ14 آذار ومرشح ثابت لـ8 آذار يتمثل بالعماد عون المدعوم بقوة من حزب الله. دُعي جعجع كزعيم أكثر من مرة إلى السعودية واستُقبل استقبال القادة المسيحيين البارزين، أي أنه حصل على حفاوة ودعم ماديين من المملكة حتى خيّل له أنه اقترب من الرئاسة أكثر وكان الانتظار والتعويل على سقوط الرئيس الأسد يكبر، لأنّ الوعود السعودية والغربية بذلك كانت تتوالى على حلفائها من اجل الصمود حتى أنّ زوجة المرشح جعجع خاضت تجربة تسويق الترشيح جدياً، وجالت على القيادات وعرضت وجهة نظر القوات من الترشيح حتى بهتت الفرصة، وحينها كان جعجع وبعكس كلّ اللبنانيين يستمدّ أملاً من أنّ الفرصة قد تنجح مع علمه أنّ فريق 14 آذار لم يدعمه كما يجب ومع علمه أنّ فريق 8 آذار لن يصوّت، ومع صعوبة أن يحصل على جواب حقيقي حول سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي قلب الطاولة في لبنان لمصلحة 14 آذار .
كل هذا كان يعرفه جعجع، لكنه خاض التجربة.
فرنجية يخوض الترشيح اليوم، والفارق أنه يستند إلى أجواء إقليمية لا تشير إلا إلى قوة لا يزال يتمتع فيها الأسد في سورية، بالإضافة إلى حلفاء إقليميين ودوليين، مثل روسيا، قدموا من اجل مساعدته على حسم النصر السريع، وبالتالي إذا كان فرنجية قد تمسك بأمل، فهو أمل نابع من مؤشر إقليمي قادر على دعمه وفرض اسمه داخلياً كقطب من اصل هذا الصراع المنتصر وكأحد خياراته، أي خيار «ب»، كما أشار بعد العماد ميشال عون، إذا تعثرت فرصته .
الجنرال عون بدوره، كان يدرك المصاعب ذاتها حين قرّر أن يخوض تجربة اللقاء مع الفريق الآخر من أجل التوصل إلى توافق عليه، لكنه خاضها وعقد هو وممثلوه وممثلون عن الحريري سلسلة لقاءات لتقريب وجهات النظر، حتى خيّل للبنانيين أنّ الحريري على مقربة من إعلان عون مرشحاً توافقياً، وقد استند عون حينها على أجواء إيجابية في البلاد وعلى جلسات للحوار مفتوحة بين حزب الله وتيار المستقبل، فلا يُلام إذا انفتح على مثيلاتها مع المستقبل من اجل حلّ معضلة بهذا الحجم. لقد ذهب عون بعيداً بأمل النجاح من دون أن يتحامل على الفريق الآخر، متمسكاً بضرورة الانفتاح وبقدر اللبنانيين والشراكة بينهم، مهما صعبت الظروف، حتى توقف كلّ شيء فجأة وذهب الأمل ومعه كلّ المساعي. وعاد اللبنانيون إلى الصفر، وحينها كان كلّ الحديث عن فيتو سعودي على اسم الجنرال عون، بسبب تحالفه مع حزب الله مع حديث آخر عن مناورة لجسّ نبض حزب الله وفريقه. من المنطلق نفسه تقدّم عون نحو القوات اللبنانية بحوار بين ممثلين عن الطرفين وتمّ توقيع وثيقة تفاهم بنتيجته .
الرئيس أمين الجميّل لم يكن بعيداً عن هذه التجارب، رغم قلة الحظوظ والفرص والآمال من جهة، وضعف المؤشرات التي توحي رغم مساعي التسويق الداخلية والخارجية، حتى قال نوابه ووزراؤه أنه المرشح الدائم للرئاسة .
وفي المحصلة ظهر للبنانيين اليوم أنّ الفيتوات الموضوعة على كلّ من المرشحين الأربعة قد جاءت من المرشحين الأربعة أنفسهم، فلا أحد يقبل بالآخر، فالعماد عون لا يقبل بفرنجية، وفرنجية يقول علاقتي بعون سيئة منذ سنتين، على الرغم من أنه قال إنه يرشحه، إذا حالفته الظروف، لكن أنا أرشح نفسي أيضاً، والجميّل لم ولن يلقى دعم جعجع، وعون لن يدعم جعجع، والأخير الذي يبدو أنه يريد ترشيح عون اليوم يرفض فرنجية أساساً، وبالتالي يصحّ ولشدة الحساسيات اعتبار أنّ الزعماء المسيحيين الأربعة يكادون ضمنياً يفضلون مرشحاً توافقياً على أن يأتي واحد منهم.