نصر الله… انتهت مرحلة القفازات
هتاف دهام
لم تكن المملكة العربية السعودية في وارد أن تذهب باتجاه تبريد العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو تهدئتها، إذ بقيت مسألة إعادة العمل إلى السفارة السعودية في إيران وتبادل السفراء في الإطار الديبلوماسي أكثر مما هو في الإطار السياسي الذي يعبّر عن طبيعة حقيقة العلاقات السعودية، بخاصة أنّ الرياض تعاني من خيبات شديدة، ومشاريعها في اليمن وسورية والعراق والبحرين ولبنان في تراجع. فقدت مملكة آل سعود روح المبادرة وتحاول أن تعيد التقاط اللحظة، فهي اختارت الوسيلة الأكثر قسوة وهي تسعير الواقع الشيعي السني إلى الأقصى من خلال إعدام عالم دين إصلاحي كبير الشهيد الشيخ نمر باقر النمر.
قطعت السعودية آخر جسور التواصل مع الآخر واختارت المواجهة، فهي لا تريد حواراً ولا اعتدالاً ولا مفاوضات. تلقّف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كحال الجمهورية الإيرانية الرسالة التي أرادت السعودية إرسالها عبر دماء الشيخ النمر وبتوقيت تنفيذ عملية الإعدام، بتأكيده أنّ حناجرنا جميعاً هي حنجرة الشيخ النمر، وتشديده على النطق بكلمة الحق التي كان يصدح بها، واعتباره الشيخ النمر شهيداً للإنسانية جمعاء وليس شيخاً شيعياً في المنطقة الشرقية السعودية، ودعوته إلى الابتعاد عن مذهبة الخطاب في هذه القضية وتفويت الفرصة على السعوديين الذين يلعبون آخر أوراقهم.
أكد السيد نصرالله أنّ الردّ على إعدام الشيخ النمر هو الردّ الزينبي بأن يقف الناس جميعاً ليقولوا الحق، وهذا معناه قول كلمة الحق ضدّ الظالم والطاغية الذي مثَّله يزيد في ذاك العصر وتمثله السعودية في عصرنا هذا، فلا أمل يذكر من هذا النظام الذي يريد أن يذهب إلى ذروة الشحن المذهبي لتستطيع المملكة عبر هذا الشحن أن تأخذ السياق إلى بُعْدِه السني الشيعي، ولتقدّم نفسها في ضوء ذلك كقائدة للمشروع السني، وهنا بالذات يجب تفويت الفرصة عليها.
أما الأخطر في خطاب الأمين العام لحزب الله أمس، فهو المقاربة التاريخية الايديولوجية السياسية التي اعتبرت المملكة أنها زُرعت في أرض الحجاز، كما زُرعت «إسرائيل» في أرض المشرق، وفي الحالتين كان الإنكليز هم الخلفية لذلك، وبالتالي كان هناك تكامل بين المشروع الصهيوني ومشروع آل سعود.
لم يكن حزب الله أصلاً واهماً بأنّ الرياض تريد تحسين العلاقات، كان يعرف أنّ السياق مع هذا الحكم السعودي سيصل إلى حيث وصل، لكن الذي حصل مع الشهيد النمر رسالة إلى كلّ الذين راهنوا على لغة الحوار والتجسير وتدوير الزوايا.
وفي استنتاجات خطيرة لخطاب السيد نصر الله أمس، انتهت مرحلة القفازات والمهادنة والكلام الجميل والمنمّق. جهر الأمين العام لحزب الله علناً بأنّ المشروع الحقيقي الذي ولدت من رحمه تنظيمات كـ»القاعدة» و«داعش» و«النصرة» وأخواتها هو مشروع «وهابية آل سعود»، وكلّ ما ترتب من مآسٍ ودمار من جراء هذا المشروع التكفيري تتحمّل مسؤوليته السعودية، لا بل أكثر من ذلك، وصلت الأمور إلى حدّ نعي مشروعية الكيان السعودي المرتبطة إقامته بعائلة آل سعود، والعودة إلى شبه الجزيرة العربية التي أُلغي تاريخها الحضاري والاجتماعي والقبلي ربطاً بولادة المملكة السعودية، ما يعني الدخول في مرحلة المواجهة العنيفة التي لا تُبقي محرّماً ولا مستوراً من خلال أدبيات وأسلحة جديدة.
ويبدو أننا سنكون إزاء مرحلة جديدة تدفع التسويات بعيداً بعيداً، فموازين القوى في الميادين السورية واليمنية والعراقية والبحرينية ستكون الفيصل. وعليه لا يمكن أن يكون لبنان إلا من ضمن منظومة التصدّع الناتجة عن تسعير الاشتباك، لكن حجم هذا التصدّع والسقوف التي يمكن أن يصل اليها هي مسألة تحتاج إلى إعادة تقييم.