«إسرائيل» أمام المعضلة: «قوة الردّ بقوة الخرق»
روزانا رمّال
يدرك حزب الله استراتيجياً أنه يحتاج إلى محطات مفصلية كي يتمكن من رسم معادلات مقابل جيش الاحتلال الذي لا يخضع لتقويمها إذا لم يشكل عدمه خطراً مباشراً عليه، ولو اضطر إلى الاعتراف بطريقة غير مباشرة بهذا الخضوع الذي يسمّيه حزب الله «نصراً».
خاضت المقاومة أكثر من حرب ومعركة وواجهت أكثر من مؤامرة حيكت من أجل التخلص منها، وبطبيعة الحال ومنذ نشأة حزب الله كأي حركة مقاومة كان يعرف أنّ الصراع مع العدو في كلّ معركة هو صراع وجودي، وأن لا مجال لمعارك آنية، فالاحتلال يضع عند كلّ جولة مباشرة أو غير مباشرة هدفاً أساسياً، وهو التخلص من حزب الله. وهذا الهدف الذي لا يخضع للمساومة نهائياً «إسرائيلياً»، كلما أتيحت الفرصة، حتى ما بعد تحرير الجنوب وحرب تموز.
حزب الله، وفي خضمّ هذه المعركة المفتوحة، لم يعتبر نفسه يوماً أنه انتصر نصراً كاملاً يحيله إلى الاهتمام بشؤون جانبية، لأنّ المعركة بالنسبة إليه هو الآخر وجودية أيضاً ، طالما أنّ الكيان المعادي القائم على حدود لبنان الجنوبية هو كيان مستحدَث باتفاقات مريبة زُرع قسراً. من هنا فلا إنجاز تحرير عام 2000 أزاح المعركة جانباً ولا انتصار عام 2006 طمأن حزب الله إلى أنّ «إسرائيل» اكتفت وباتت مستعدّة لجولات أخرى معه، مع العلم أنّ هزائمها كانت مدوية باعتراف لجنة «فينوغراد» ومراكز واشنطن للأبحاث وتقارير البنتاغون ومعهما جهازا «الموساد» و«سي أي آي».
أهمّ نتائج العامين 2000 و2006 هي رسم معادلات تلك المرحلة بدقة عرفت بتوازن الردع الذي لم تستطع أي دولة عربية فرضه يوماً على «إسرائيل». فعلى سبيل المثال رسم تحرير العام 2000 معادلة ردع برية، بعدما نقل جيش الاحتلال ما عاناه في جنوب لبنان حتى بات الدخول إليه مجدداً برياً كابوساً حقيقياً توقف عنده «الإسرائيليون» العام 2000 بعدما تكثفت العمليات البرية وصرخ إيهود باراك بتنفيذ قرار الانسحاب غير المشروط في شهر أيار، بعد أن كان قد مهّد لدى الجبهة الداخلية والحكومة لأهمية هذا القرار الذي لا مناصَ من اتخاذه على وقع ضربات المقاومة.
معادلة ردع أخرى فرضتها المقاومة لأول مرة أيضاً في حرب تموز بسلاح مضادّ للدروع وصواريخ بعيدة المدى وصلت إلى تل أبيب ووضعت الضاحية مقابلها، إضافة إلى سلاح نوعي استهدف بوارج وزوارق الاحتلال فرسمت خطاً أحمر أكبر وهو أنّ المواجهة مع حزب الله بالنسبة لـ«الإسرائيليين» بعد 33 يوماً من الصمود المفاجئ لم تعد تسمّى معركة بل حرب حقيقية برية وجوية وبحرية تُحسَب لها حسابات أمنية وعسكرية واقتصادية لدى الكيان.
وبالعودة إلى المعركة المفتوحة والهدف الدائم «التخلص من حزب الله» والى تغيير «إسرائيل» لمسار اللعبة في كلّ لحظة إقليمية متاحة تأتي أزمات الربيع العربي والثورة السورية المفترضة فتصبّ «إسرائيل» جام تركيزها على تأسيس جماعات إرهابية متطرفة من فروع إسلامية منشقة وتضخها بالمعركة مع حلفاء حزب الله في سورية واضعة بمخططاتها هدفاً، وهو استنزاف حزب الله إلى معركة تعرف سلفاً أنه سيخوضها في سورية مدافعاً عن حليف أساسي له، وبالتالي يستنزف حزب الله أمام جماعات عقائدية مستعدّة لكلّ شيء بمواجهة «الشيعة» أو «الروافض»، فيقاتل حزب الله حتى ينهار وينهار معه النظام السوري وتتخلّص «إسرائيل» منه نهائياً بطريقة غير مباشرة. وهذا كله تفسير لأشكال الردع التي فرضها حزب الله في 2006، حيث أوجب على «إسرائيل» خوض حرب غير مباشرة من دون جرأة فتح حرب جديدة معه.
«إسرائيل» التي حاولت الهروب من فكرة كسر توازن الردع في حرب مباشرة مع حزب الله، عبر الجماعات الإرهابية، حضرت في أكثر من مناسبة في أجواء السماء السورية لتقول «أنا هنا» بشروطي وأدعم المعارضة مباشرة فقصفت أكثر من موقع سوري احتفظت الحكومة السورية بحقها في الردّ، وكان لحزب الله من بينها حصته أيضاً باغتيال جهاد مغنية في القنيطرة، حيث كانت أقصاها استفزازاً، فقرّر الحزب رسم معادلة جديدة تردع «إسرائيل» عن التمادي في التعدّي على أيّ عنصر من عناصر حزب الله، فكانت عملية مزارع شبعا والبيان رقم واحد الشهير فارتدعت «إسرائيل»، وظهر ذلك بمحدودية الرد آنذاك، حتى أعيدت الكرة بعد أشهر واغتيل الأسير المحرّر الشهيد سمير القنطار في جرمانا السورية بلحظة إقليمية يبدو أن «إسرائيل» أخذت إليها بحذر ليأتي ردّ حزب الله أيضاً في مزارع شبعا مجدّداً، لكن «بعبوة ناسفة» أصابت القيادة الأمنية «الإسرائيلية» بمقتل، بعكس توقعات جمهور حزب الله نفسه، لأنّ قوة العملية هذه المرة لم تكن بحصيلة القتلى أو بضخامة الهدف بل إنّ «قوة الردّ بقوة الخرق»، فزرع العبوة في ذلك المكان الحساس «معضلة» ورسالة مباشرة لـ«إسرائيل» وأجهزتها أنّ المنطقة الحدودية في «قبضة» حزب الله تماماً، وأن التساؤل عن كيفية زرعها قد يأخذ «إسرائيل» إلى احتمالات ليس أولها خرق أمني لعناصرها ولا آخرها وجود أنفاق عابرة للجليل تمتدّ من جنوب لبنان، لأنّ لا شيء يفسّر قدرة مقاتلي حزب الله على خرق المنظومة الأمنية «الإسرائيلية» الأحدث في العالم المستعملة في حماية مستوطناتها، وقدرة تحكّم حزب الله بهدف بهذه السرعة رغم الاحتراز «الإسرائيلي» إلا تفسيرات تثير الرعب عند «الإسرائيليين» أراد السيّد نصرالله إيصالها مباشرة.