المقاومة تفتتح الردّ: تفجير عبوة بدوريّة على بوابة الجليل والجولان حزب الله: لا لتسوية تسلِّم البلد إلى وكيل مُفْلس لـ«المملكة» مع رئيس بلا دور

كتب المحرر السياسي

المنطقة في حال غليان، وعود كبريت يكفي لإشعال برميل البارود المشحون بالتوترات، بعدما قرّر الثلاثي التركي ــــ «الإسرائيلي» ــــ السعودي تفادي بلوغ منصة التسويات خالي اليدين من أوراق القوة، فذهب إلى التصعيد، لربط مسارات التفاوض بخطوط حمراء رسمها بالدم، يشكل قبولها تسليماً بمنح المهزومين اليد العليا في المعادلات المقبلة، وهم يخسرون حروبهم، ويشكل الردّ عليها مخاطرة بالتفجير وإشعال الحريق الكبير، الذي قد يتخذ شكل حرب، أو فتنة تتصاعد وتتزايد فتائلها ويصبّ الزيت على نارها.

اغتال التركي مع توقيع وبيان رسمي الطيار الروسي في الأجواء السورية، مثله فعل «الإسرائيلي» في اغتيال الشهيد سمير القنطار، ومثلهما فعل السعودي في اغتيال الشيخ نمر النمر، والرسالة واحدة، تسليم بالإخفاق في تغيير المعادلات في ساحات الاشتباك، من سورية إلى اليمن، وفي المقابل إعلان الاستعداد لتفجير المنطقة ما لم يُمنَح هذا الثلاثي في التسويات المقبلة ما ليس له، وما لم يستطع انتزاعه في ساحات القتال. فتركيا تقول بمواصلة مشاغباتها داخل الحدود السورية والعراقية، واستثمارها على جماعة مسعود البرزاني، لمدّ اليد أكثر في الجغرافيتين السورية والعراقية، إنها تراهن على التصعيد وليس على التبريد. وجاء الردّ الروسي بالعقوبات القاسية، ونشر شبكات الصواريخ لفرض حظر جوي على الطيران التركي فوق سورية، فانتقل الرئيس التركي إلى التحالف المعلن مع «إسرائيل» معلناً «أننا نحتاجها»، وطار إلى الرياض، وصار الرهان التركي على السعودي و«الإسرائيلي» أما «الإسرائيلي» الذي راهن على رسم خطوط حمراء باغتيال الشهيد سمير القنطار، فقد تلقى دفعة على الحساب الذي لم يُقفَل ولن يُقفَل، ورسم الردّ معادلة استباقية للردّ على الردّ، مضمونها، وصلنا إلى حيث نحتاج لنكون حيث يجب أن نكون، فإنْ أكملتم أكملنا، فكان الردّ «الإسرائيلي» موضعياً ومحدوداً، ربما لاستيعاب رسائل العملية وتحليلها وتقدير حجم الاختراق الذي قامت به المقاومة وتداعياته على أنظمة الرقابة والترصّد والتعقّب والإنذار المبكّر، التي لم تفلح في ذروة التشغيل والاستنفار في منع المقاومين من بلوغ النقطة الأشدّ خطورة على الحدود اللبنانية السورية الفلسطينية، التي تشكّل بوابة الجليل والجولان، وما تعنيه في حسابات رسائل المواجهة المفتوحة بين المقاومة و«إسرائيل» وفرضياتها واحتمالاتها.

بقيت عيون أردوغان ونتنياهو شاخصة نحو السعودية وما يمكن أن يترتب على خطواتها التصعيدية، من اغتيال الشيخ نمر النمر وتداعيات قطع العلاقات مع إيران، وكانت الحصيلة الأولية للجهد السعودية محبَطة للرياض، حيث لم تفلح كلّ الضغوط والمناشدات التي قام بها حكام الرياض بجذب غير السودان إلى الشراكة في قطع العلاقات، بقوة خضوعه لتغطية موازنته من المال السعودي مع إفلاس الخزينة السودانية بينما البحرين الذي صار منذ زمن طويل محمية سعودية تحت الاحتلال المباشر فلا يُحسَب ضمن الحكومات التي يُقام لها حساب، خصوصاً بعدما وضعت دولة الإمارات سقفاً للتجاوب مع الضغط السعودي بتخفيض العلاقات الديبلوماسية إلى مستوى قائم بالأعمال، وهو إجراء شكلي يتمّ التراجع عنه بسهولة، بينما بقيت الكويت وقطر وعُمان خارج سرب التصعيد، وبقيت مصر خارج المنظومة الخليجية على الصمت فاضطرت الخارجية السعودية لدعوة وزراء الخارجية العرب إلى اجتماع طارئ توقعت مصادر ديبلوماسية ألا يكون حصاده السعودي أكثر من بيان تضامني.

العلاقات السعودية الإيرانية شكلت محور متابعة دولية حثيثة، حيث كان لافتاً دخول وزيري الخارجية الروسي والأميركي على خط الدعوة لضبط النفس ووقف التصعيد، والإعلان عن مساعي وساطة بين الحكومتين، بينما توزعت المواقف الدولية على التمسك بحماية المؤسسات الديبلوماسية إرضاء للسعودية، وهو ما لا ترفضه إيران. وفي المقابل تنديداً بإعدام الشيخ نمر النمر وهو ما تراه السعودية لبّ الموضوع ويشكل محور الاشتباك الراهن. وكان لافتاً على هذا الصعيد أن يتجه الموقف الأميركي إلى دور الوساطة من جهة، والتحدّث بلغة اللوم على إعدام الشيخ النمر من جهة أخرى، ما أثار في الأوساط الديبلوماسية تساؤلات حول تحوّلات تطال السياسة الأميركية من المعادلات الإقليمية تثير القلق والشكوك لدى الرياض. وفي استجابة إيرانية لافتة مع المساعي الأميركية والروسية، أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية عن توجيه وزارة الخارجية الإيرانية رسالة إلى مجلس الأمن الدولي تستنكر فيها ما تعرّضت له السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، مؤكدة تمسّكها بتأمين الحماية للبعثات الديبلوماسية، والرسالة تأتي عشية الاجتماع العربي، ورداً على رسائل سعودية تطالب بالتنديد بإيران وزعت على ممثلي الدول المعتمدين في الأمم المتحدة.

في لبنان الذي ترقب عملية ردّ المقاومة وتابع تفاصيلها، كما تابع حدود الردّ «الإسرائيلي»، بقيت مواقف حزب الله محور الاهتمام، حيث يشكل محور المواجهة على خطَّيْ الاشتباك مع «الإسرائيلي» والسعودي وجديد مواقف حزب الله كان ما قاله للمرة الأولى بهذا الوضوح، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، عن مشاريع التسوية الرئاسية، بصفتها محاولة لتسليم البلد إلى وكيل مفلس للمملكة، بتصوير المسألة في شخص الرئيس الذي لا يملك الصلاحيات، بينما الصلاحيات بيد الوكيل، والمقصود كان بوضوح الرئيس سعد الحريري والسياق هو الردّ على ردّ الحريري على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، يوم أول أمس.

عملية نوعيّة للمقاومة في مزارع شبعا

في أعقاب إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قراره الردّ على جريمة اغتيال عميد الأسرى المحررين الشهيد سمير القنطار، تمكّن رجال المقاومة من اختراق الإجراءات العسكرية والإلكترونية كلّها والوصول إلى عمق الحدود واستهداف دورية «إسرائيلية» بعبوة ناسفة في منطقة مزارع شبعا المحتلة رغم الاستنفار الشديد الذي نفّذته قوات الاحتلال والذي استخدمت فيه أحدث الأجهزة والتقنيات من كاميرات تجسّس إلى طائرات التجسس والرادارات وغيرها من الوسائط.

وأعلنت المقاومة الإسلامية أن مجموعة الشهيد القائد سمير القنطار قامت بتفجير عبوة ناسفة كبيرة بدورية «إسرائيلية» في منطقة مزارع شبعا المحتلة.

وأشارت المقاومة الإسلامية في بيان صادر عنها إلى أن مجموعة الشهيد القنطار فجّرت عبوة ناسفة على طريق زبدين – قفوة في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بمجموعة إسرائيلية مؤلّلة، مما أدى إلى تدمير آلية من نوع هامر وإصابة مَن بداخلها . وقالت مصادر أمنية إن الدورية التي استُهدفت في مزارع شبعا ضمّت آليتين من نوع هامر في إحداهما ضابط صهيوني رفيع .

و«إسرائيل» تردّ بقصف القرى الحدودية

وبعد ثلاثين دقيقة من العملية، ردّت قوات العدو «الإسرائيلي» بقصف مكثّف، طال بلدات الوزاني ومحيط منطقة العباسية والمجيدية بعشرات القذائف الصاروخية والمدفعية والدخانية، إضافة إلى القنابل الانشطارية التي سقطت في محيط مزرعة بسطرا وشمال المجيدية، وتزامنًا حلّق الطيران الحربي «الإسرائيلي» المعادي وطائرة استطلاع في أجواء المنطقة. وفيما لم تُسجّل أي إصابة في صفوف المدنيّين، ولا حتى في أي منزل في الوزاني، لأن معظم القذائف التي سقطت في البلدة دخانية.

أعلنت قيادة الجيش في بيان «أن العدو «الإسرائيلي» أقدم على إطلاق قذائف مدفعية مستهدفاً البلدات الجنوبية التالية: الوزاني، المجيدية، العباسية، بسطرة، حلتا والماري. وعلى أثر ذلك اتخذت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة الإجراءات الدفاعية المناسبة، فيما تجري متابعة الموضوع بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان».

واليونيفيل تدعو إلى ضبط النفس

وأجرى رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء لوتشيانو بورتولانو اتصالات مباشرة مع الأطراف، وحثّ الجانبين على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس من أجل منع أي تصعيد للوضع.

وقال بورتولانو «إن ما نحتاجه الآن هو الحفاظ على الأمن وممارسة أقصى درجات ضبط النفس ضد أي استفزاز. وقد تمّت استعادة الهدوء العام في المنطقة»، ولفت إلى «أن الطرفين أكدا التزامها المستمر بالحفاظ على وقف الأعمال العدائية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701».

وقال ضابط رفيع في اليونفيل لـ«البناء»، «إن وحدات اليونيفيل في محيط الوزاني والعباسية طُلب منها قبل 48 ساعة من العملية مغادرة المنطقة بطلب من ضباط إسرائيليين»، وهنا سأل المتابعون: «لماذا طُلب من وحدات اليونيفيل المغادرة؟ هل بسبب الخشية «الإسرائيلية» من معرفة الضابط الأمني ـ الاستخباري ـ «الإسرائيلي» القاصد للمنطقة وتسريب معلومات عن موكبه للمقاومة؟».

مَن هو الضابط المستهدَف؟

وأكد مصادر واسعة الاطلاع لـ«البناء»، أن الدورية «الإسرائيلية» التي استهدفتها المقاومة كانت تفقدت موقع زبدين ثم توجّهت منه إلى موقع القفوة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، حيث عمليات التدريب العسكرية والأمنية «الإسرائيلية» شارفت على نهايتها». ولفتت المصادر إلى «أن سيارة الهامر الأولى دمّرت بالكامل وتضرّرت الثانية بشكل كبير بعد دفعها من قوة العصف العبوة على بعد نحو 50 متراً عن الأولى واستقرارها بجانب الطريق، ما أدّى إلى مقتل مَن كان بسيارة الهامر، وهم أربعة بينهم ضابط كبير برتبة عميد قيل إنه مسؤول الوحدة الأمنية والاستخبارية في المنطقة الشمالية ومساعداه برتبتين عاليتين، في حين أصيب مَن كان بداخل العربة الثانية بجروح خطرة وعددهم أربعة أيضاً». ولفتت إلى «أن وحدات الإسناد والمساعدة والإنقاذ في الجيش «الإسرائيلي» الذين وصلوا متأخرين إلى مكان الاستهداف تخوّفوا من إنقاذ زملائهم وظلوا بعيدين، رغم النيران المندلعة في العربتين والجثث».

العملية نوعية وجزء من الردّ

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن «العملية تصنف ضمن العمليات النوعية بامتياز، فهي نفّذت في أرض لبنانية محتلة، ورداً على اغتيال الشهيد سمير القنطار أو جزء من الرد، وبالتالي يمكن أن يتبعها ردّ مكمّل من خلال عملية ثانية، كما أن تنفيذها في ظل ظروف صعبة ومعقدة، يثبت مستوى احتراف حزب الله وقدرته على المواجهة المحترفة مع العدو «الإسرائيلي» ويسجل له أنه نفّذ عملية في ظل جهوزية واستنفار «إسرائيليين» عاليي المستوى وفي ظروف جغرافية ومناخية بالغة الصعوبة».

وأضافت المصادر: «هذه العملية أثبتت أيضاً مستوى حضور وجهوزية حزب الله العالية لمواجهة «إسرائيل»، رغم مشاركته في الحرب الدفاعية في سورية ولن يعيقه ذلك عن المواجهة مع «إسرائيل»».

ردّ رفع العتب…

وأكد مصدر عسكري لـ«البناء» أن «إسرائيل» تكبّدت خسائر جراء هذه العملية، فسيارة الهامر التي دمّرت من المفترض أن تحمل بداخلها 6 إلى 7 أشخاص من بينهم ضابط برتبة متوسطة، لأنه لا يمكن أن ترسل قيادة المنطقة العسكرية الشمالية ضابطاً مبتدئاً إلى المنطقة الحدودية وفي ظروف صعبة، وهي تتوقع رد حزب الله في هذه المنطقة وفي أي لحظة، بل من المفترض أن ترسل ضابطاً مجرّباً وذا خبرة».

وأوضح المصدر أن «إنكار «إسرائيل» وقوع ضحايا خلال العملية هو محاولة لسلب حزب الله وهج انتصاره»، لافتاً إلى أن «القذائف التي أطلقتها «إسرائيل» روتينية ومن باب رفع العتب، وليس أكثر، ما يعني أن الأمر لن يبلغ هذا الحدّ»، مستبعداً أن توسّع «إسرائيل» دائرة الحرب أو تذهب إلى مواجهة مفتوحة، ولو كانت تملك الجهوزية لذهبت إليها منذ وقت طويل».

المقاومة غير معنية بطمأنة «إسرائيل»

وأفادت مصادر أخرى «البناء» «أن قوة العبوة التي انفجرت بالدورية «الإسرائيلية» تؤكد سقوط قتلى وجرحى في صفوفها».

ولفتت إلى أن «المقاومة غير معنية بطمأنة «إسرائيل» والإعلان أن هذه العملية هي الردّ على اغتيال القنطار، بل ستدفع جيش الاحتلال إلى تمديد حالة الاستنفار على أن تنفذ عملية أخرى، إذا سنحت لها الظروف».

وأشارت المصادر إلى أن «المنطقة التي حصلت فيها العملية محصّنة إلى حدٍ كبير ومراقبة إلكترونياً، لكن شجاعة رجال المقاومة وامتلاكهم الإرادة والحرفية والعقيدة القتالية ومعرفتهم الوثيقة بالأرض والقدرة الاستخبارية الكبيرة وجمع المعلومات أدى إلى نجاح العملية، لأن المقاومين كانوا يعلمون بتوقيت هذه الدورية وطريق مرورها وكانوا بانتظارها لتنفيذ العملية».

وأوضحت المصادر أن «المقاومة لم تردّ من الحدود الجنوبية، لأن حزب الله يحترم القرار 1701 ولا يريد خرقه، كي لا يورط الجيش اللبناني وكي لا تتخذ من ذلك «إسرائيل» ذريعة لشن عدوان واسع على لبنان، رغم عدم استعدادها للحرب الواسعة والمفتوحة».

رعد: يريدون مصادرة الدولة لمصلحة وكيل عائلة خليجية

ورداً على تصريح الرئيس سعد الحريري الرئاسية الأخير، قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، خلال احتفال تأبيني في بلدة قلاويه الجنوبية: «يريدون في لبنان أن يصادروا الدولة بمؤسساتها الدستورية وغير الدستورية، لمصلحة وكيل عائلة خليجية أو لمصلحة سياسة أميركية أو غربية، وإزاء ذلك نقول: كفانا عهراً وإفساداً وفساداً وسرقة، فمن يعيش الإفلاس في ملاذه الذي يأوي إليه الآن، لا يجب أن يجد مكاناً له في لبنان من أجل نهب البلاد مرة جديدة، وبالتالي فإن كل ما يجري من محاولات لإجراء صفقات وتسويات تحت عنوان إعادة الاستقرار لهذا البلد، إنما هدفها رسم مسار إخضاع هذا البلد لسياسات هذه المملكة أو تلك الدولة الكبرى، وعليه فإنه يجب أن نكون عارفين بما يجري من حولنا، فالمسألة ليست مسألة شخص نسلّمه موقعاً في رئاسة الجمهورية، ثم لا يجد صلاحيات يستطيع أن يحكم بها البلاد، لأن كل الصلاحيات مصادَرة من قبل الشخص الموكَّل بحفظ سياسات هذه المملكة أو تلك الدولة».

لرئيس قادر على استيعاب الانقسام

وأكد حزب الكتائب «حتمية تحرير استحقاق رئاسة الجمهورية من مكان احتجازه في المعادلة الإقليمية وفصله عن تشنجات اللحظة المحتدمة داخلياً وخارجياً»، معتبراً أن «لبنان في حاجة ماسة إلى رئيس توافقي قادر من موقفه الحرّ على استيعاب الانقسام الداخلي الذي يهدّد بمخاطر كبرى».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى