تركيا بين أزمات 2015 واحتمالات 2016

د. هدى رزق

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة ألقاها بمناسبة نهاية العام 2015 أنّ تركيا لا تطمع في أراضي الدول المجاورة، لكنه لم يصرحّ بأنّ الغاية من التدخل التركي في بلدان الجوار هي الطاقة. كما أنه أكد أنّ الحرب مع العمال الكردستاني مستمرّة، وأنه تمّ القضاء على أكثر من 3100 «إرهابي» من الحزب في جبال قنديل وفي داخل المدن الكردية.

يتناسى الرجل أنّ مَن يقطن المدن الكردية هم المواطنون الأكراد الأتراك، وإن كانوا في السياسة مؤيدين لحزب العمال الكردستاني، وهم ليسوا إرهابيّين إنما يشكلون حالة سياسية لا بدّ من فهم مطالبها والتحاور معها.

لا شك في أنّ القضية الكردية ستكون على رأس القضايا الشائكة التي سيحملها العام الجديد، مع العلم أنّ استمرار الحرب سوف يفاقم الوضع الاقتصادي الذي ستعاني منه تركيا جراء العقوبات التي ستفرضها وفرضتها عليها روسيا إثر إسقاطها طائرة السوخوي في 24 تشرين الثاني الماضي. لم تتوقع القيادة التركية حجم العقوبات التي ستظهر نتائجها خلال 2016 في مجالات تطاول قطاعات البناء والسياحة والاستثمارات التي تعزز الاقتصاد التركي عدا عن استيراد الطاقة.

انتهى العام 2015 على إشكالات كثيرة بالنسبة إليها على الصعيدين الداخلي وفي السياسة الخارجية، عدا عن تمدّد الإرهاب الداعشي إلى داخلها.

ترى الحكومة التركية أنّ توسيع الحرب في المقاطعات الكردية وضدّ حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بالحكم الذاتي يمكن أن يقود المواطنين الأكراد إلى النفور ويضع الحزب وجهاً لوجه مع المدنيين، لكن العمال الكردستاني وضع قوى الأمن وجهاً لوجه مع المواطنين، مما أثار نقمتهم على الحكومة بعد تهديم بيوتهم وقتل أولادهم تحت مسمّى محاربة الإرهاب. وفي الوقت الذي يتحرك فيه القضاء من أجل محاكمة صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، بسبب تصريحه في مؤتمر الأحزاب الديمقراطية أنه لا بدّ من أن يتحقق الحكم الذاتي. يحاول داوود اوغلو الابتعاد عن التشاور معه، بشأن تعديل الدستور التركي لأنه يعي أن حزب الشعوب الديمقراطي يرفض الدستور الرئاسي الذي يسعى له كلّ من رئيس الحكومة والرئيس اردوغان.

لكن الاثنين يقومان بالتقرب من حزب الشعب الجمهوري للحصول على تعديل الدستور، فهذا الأخير ليس ضدّ التعديل، إنما يعتبر الذهاب إلى نظام رئاسي تعزيزاً للديكتاتورية.

في هذه الأثناء زار أردوغان المملكة العربية السعودية في سعي للخروج من أزمة اقتصادية لا محال آتية من اجل سدّ فجوة خسارة قطاعات البناء والسياحة. قدّم للسعودية عروضاً لاستثمار الرأسمال الخليجي في قطاعات عدة، لكنه يعلم أنّ الأمر لن يكون كافياً. تركيا بحاجة ماسّة للأمن واستقلال القضاء عن السياسة والحاجة إلى دستور ديمقراطي لاستقطاب استثمارات أجنبية، هذا على الصعيد الداخلي. أما في السياسة الخارجية فتظهر التطورات أن مَن يهزم داعش في سورية والعراق هو مَن سيحدّد مستقبل هذين البلدين.

فالولايات المتحدة دعمت الجيش العراقي في حربه في الرمادي عاصمة الأنبار، وهو يتحضّر لاستعادة الموصل. أما في سورية فهي تدعم قوات سورية الديمقراطية التي تضمّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، حيث وصلت هذه القوة إلى جسر تشرين على الفرات واستولت على سبع قرى وتحاول تطهير المنطقة من داعش، هدفها في ما بعد الرقة التي تعتبر عاصمة داعش. تتعاون كلّ من روسيا والولايات المتحدة ضدّ داعش، ولو بشكل غير مباشر. صحيح أنّ هذا التعاون لا يلغي الصراع من اجل النفوذ في المنطقة، وصحيح أيضاً أنّ روسيا تساند الجيش السوري وحلفاءه. لكن تركيا وقطر والسعودية لا تزال تدعم المجموعات المسلحة ضدّ الرئيس الأسد، وبغضّ النظر عن اتهامات روسيا لتركيا حول تعاونها مع داعش، إلا انّ الولايات المتحدة وجهت ولا زالت ملاحظات لتركيا في هذه الشأن تطلب منها إغلاق الحدود، وإن دافعت عنها في وجه روسيا.

كذلك اتسم ردّ فعل الولايات المتحدة ضدّ نشر تركيا جنودها في بعشيقة قرب الموصل بالجدية، مما عكس شكوك واشنطن بانّ لتركيا و»داعش» أجندة مختلفة عن المشروع الغربي. دافعت تركيا عن حقها في امتلاك مشروع وأجندة خاصة كإيران، لكن الجواب البسيط في هذا الصدد أنه كان على العدالة والتنمية امتلاك القدرات السياسية والعسكرية في المنطقة من أجل النجاح وتسويق مشروعه، لكنه بتصرفاته غير المستندة إلى حيثية على الأرض أضعف تركيا وجعلها تخطئ وتتعثر في خطواتها.

يتضح الأمر أكثر عندما تُعرب تركيا عن معارضتها لتعاون وحدات الحماية الكردية تحت مظلة قوات سورية الديمقراطية التي زحفت إلى غرب الفرات. أعربت عن قلقها وطالبت بعدم تجاوز الخط الأحمر الذي رسمته، لكن الأكراد يكسبون ممراً على طول الحدود التركية مع سورية التي تربط شمال العراق الكردية مع منطقة البحر المتوسط. فماذا لو ساندت الولايات المتحدة القوات الكردية لتخطي الخط الأحمر؟ هل تعتقد الحكومة التركية أنّ سماحها بفتح قاعدة انجرليك للأميركيين سيمنعهم من دعم الأكراد ضدّ داعش واعتبارهم الحليف الرئيسي؟

تخسر تركيا في سورية، بعدما منعتها روسيا من التحليق في الأجواء السورية، فهل هي قادرة على فرض أي خط أحمر؟ لا يمكن لهذا الوضع أن يظهرها لاعباً إقليمياً بل هو أضعف موقعها.

أظهر العام 2015 أنّ طموحات تركيا تحلق بعيداً عن الواقع، وإنها ساهمت بالإضرار بمصالحها في المنطقة مما حملها على إعادة طرق أبواب «تل أبيب»، لكن من غير الواضح ما إذا كان سيتمّ اتفاق نهائي بخصوص تخفيف القيود تدريجياً على السلع التي تدخل قطاع غزة، كما طلبت تركيا وتخفيف الحصار الذي تقوم به كلّ من «إسرائيل» ومصر على القطاع. يبدو التقارب التركي «الإسرائيلي» ممكناً اليوم من اجل استيراد الغاز إلى تركيا، مما يحمل معه إمكانيات يجري بحثها اليوم في الأمم المتحدة عبر توحيد قبرص.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى