تحرُّك سعودي أكيد في لبنان ضدّ حزب الله

روزانا رمّال

لم تصطدم العلاقة «الحذرة» أصلاً بين حزب الله والسعودية بحتمية الانهيار يوماً، بمثل ما وصلت إليه اليوم بخلفية افتتحتها أزمات «الربيع العربي» منذ خمس سنوات بين الطرفين، فتشكلت أولى بوادر تصدُّعها حول الأزمة السورية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد على الرغم من أنّ الاختلاف والاشتباك الحادّ قد وقعا قبل ذلك في غير مرة بينهما، مثلاً على خلفية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وما تبعه من اتهام سورية والأجهزة الأمنية في لبنان بذلك، إلى تحوُّل الاتهام نحو حزب الله، وصولاً إلى حرب تموز عام 2006، حيث وصفت الرياض الحزب بأنه مجموعة مغامرين ساقوا لبنان نحو الموت والدمار.

العلاقة إذاً، كانت متوترة منذ ما قبل الأزمة السورية لكنها ازدادت سوءاً خلالها، فتحديد مصير الرئيس السوري بشار الأسد الذي يرى فيه حزب الله حاجة ماسة للمقاومة، هو أيضاً حاجة ماسة للسعودية في تحديد شروطها عبر إسقاطه للحفاظ على نفوذ تكاد تفقده جراء الصعود الإيراني المُتسارع. ومن هنا فإنّ النزاع بينها وبين حزب الله اليوم لم يعُد تكتيكياً يمكن حله حسب متطلبات المرحلة، إنما دخل الاستراتيجيا ولعبة المحاور بدخول حزب الله إليها كلاعب أساسي في الميدان السوري، حيث للسعودية رجالها ومجموعاتها المتعدِّدة.

بمجرِّد دخول الأزمة مشهد المحاور المتصارعة وسَّع حزب الله دائرة دعمه لكلّ ما يشكل ضمانة نجاح لخريطته، فدعم في خطاباته الرسمية المعارضة البحرينية، فتيقَّنت الرياض عندئذ بأنّ الخطر بات أكبر بكثير من مسألة نفوذ على أرض سورية قد لا يطاولها كخطورة أو يطاول نفوذها الحيوي، والمنامة واحدة منه، وبالتالي طلبت من الحكومة البحرانية التشدّد وطرد من له علاقة به واقعاً أو افتراء، وأسندت إليه تهم تشكيل خلايا إرهابية، لكنّ كلّ ذلك لم يمنع حزب الله من اتخاذ مواقف تصعيدية حادة رافضاً حرب آل سعود على اليمن.

حزب الله اليوم مصنّف إرهابياً بالنسبة للسعودية، وقد باشرت منذ أشهر العمل على حجب قنواته الإعلامية، واليوم مواقعه الإلكترونية، في حرب إعلامية مباشرة يعيشها الطرفان، وقد كان لخطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله الأخير حول إعدام الشيخ السعودي المُعارض نمر باقر النمر الوقع الأكبر.

تدرك السعودية أنّ هذا الخطاب هو واحد من مفاصل التطورات السياسية في المنطقة، وأنه تعدّى كونه موقفاً لحزب الله، ليصبح توجيهاً لقاعدته الشعبية ولكلّ مناصريه حول العالم بتوضيحه حقيقة الخلاف مع آل سعود، وبإصرار أكبر ناسباً الحكم في المملكة إلى عائلة سرقته وسرقت معه حقوق شعبها، من هنا فإنّ هذا الكلام الخطير لن يمرّ مروراً عادياً عند المملكة المعروفة بتدابيرها الانتقامية، كما وصفها السيد نصرالله والمشخصنة جداً في سلوكها السياسي.

إزعاج حزب الله في لبنان أو فتح جبهات مباشرة معه، هو أول ما سيتحتِّم على اللبنانيين انتظاره كردّ فعل متوقع من السعودية على كلام السيد نصرالله، لهذا السبب فإنّ مراقبة التطورات المقبلة ستحمل الكثير على هذا الصعيد، قد تبدأ بأحداث أمنية ولا تنتهي بتصعيد حلفاء السعودية سياسياً ضدّ السيد نصرالله والحزب، وقد بدأ ذلك بشكل قوي مع بيانات وتصريحات لوزراء ونواب كتلة المستقبل لا تُبشِّر بالخير وفيها ما دخل إلى الهوامش الحمراء.

يتحسّب حزب الله اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى من ردّ فعل إرهابي من قبل المجموعات التي تموّلها السعودية مثل «داعش» وغيرها، بعدما أعلنها رسمياً «التوأم» الشبيه للنظام الوهّابي، واحتمال التفجيرات والمفخّخات في الضاحية الجنوبية ومناطق قاعدته الشعبية أو الاغتيالات التي قد تستهدف كوادره والتي لم تتوقف كتهديد يومي سترتفع أكثر. لكنّ الأخطر من كلّ هذا والذي يتماشى مع ما طرحه السيد نصرالله في خطابه بمعرض شرحه عن إعدام الشيخ النمر بما يحقق هدفاً سعودياً ــــ أميركياً أساسياً، وهو الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، بأن يكون ردُّ الفعل لتضييق الخناق على الحزب عملية اغتيال شخصية «سنية» في البلاد يتهم بها الحزب فتقعُ البلاد في المحظور، وهذه الفرضية يؤكدها تصريح أحد نواب طرابلس الذي قال «إنّ على السيد نصرالله تحمُّل مسؤولية أيّ عمل أمني يطاول أيّ شخصية منا أو أي هدف في البلاد».

إذاً بدأت القواعد الشعبية في البلاد بالاحتقان، على الرغم من دعوات السيد نصرالله إلى عدم الانجرار للفتنة، وبالرغم من دعوات الحريري إلى هذا أيضاً في بيانه الأخير، لهذا السبب قد تكون جلسات الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في خطر أكيد، إذا ما اتخذت السعودية قرار تعميم قطع العلاقات بين حلفائها وحلفاء إيران، تماماً كما فعلت على مستوى التمثيل الديبلوماسي في الخليج، وعلى هذا الأساس يبقى انعقاد جلسات الحوار المُهدَّدة والمُرشحة للتفسّخ مؤشراً على وجهة الأحداث المقبلة على لبنان.

يتوقع حزب الله اليوم استهدافه بمناسبة، ومن دون مناسبة، ليس فقط داخل لبنان بل خارجه أيضاً، استكمالاً لمسلسل الضغط الأميركي والتضييق على مصالحه، وهو في هذا الإطار يبدو غير قلق على واقع اعتاد عليه، بل مستعدّ لكلّ تبعات هذا التصعيد والتوجيه والاستنفار العام الذي أعلنه السيد نصرالله في وجه آل سعود «أعداء الأمة والإنسانية»، بالنسبة إلى حزبه كخيار استراتيجي واضح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى