الظرف الاستثنائي يتطلب الجهد الاستثنائي
بقلم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
النائب أسعد حردان
«يا خجل التاريخ من هذه الليلة»!!
بهذه الكلمات الواخزة، أعرب الزعيم الخالد أنطون سعاده ليل الثامن من تموز عن المفارقة: جبين التاريخ يندى خجلاً من مؤامرة اغتياله، التي شارك فيها أعداء الخارج وأدواتهم الداخلية. وما زالت فصول المؤامرة التي اغتالته تتوالى فصولاً على مسرحنا القومي مستهدفة الأمة كلها والوطن كله. ولعلّ بصيرة سعاده النافذة هي التي جعلته يستشرف الخطر ويعي ضرورة مواجهته بالوحدة القومية الاجتماعية، بثقافة التاريخ والجغرافيا والمصالح الاستراتيجية، بتوفير عناصر القوة وتفعيلها لتتمكن من الاستجابة لمطامح التغيير البنيوي الذي يشكل الحل لأمراض العصبيات التمزيقية، فيبني عقلية نهضوية جديدة تبدّل المسار وتغيّر مجرى التاريخ…
لذلك حيكت ضده المؤامرات والدسائس التي تخدم العدو «الإسرائيلي» ومخططه الجهنمي.
لم يقبل الحزب السوري القومي الاجتماعي مرتسمات الضعف في الوطن ولا في المنطقة لمصلحة القوة «الإسرائيلية» والمشروع الصهيوني الإلغائي الاقتلاعي، بل تصدى بشتى تجليات المقاومة الثقافية والسياسية والإعلامية والعسكرية. ولما كانت المقاومة تعبيراً عن إرادة حاسمة، وتجسيماً لمكامن القوة المخزونة في شعبنا، فقد شكلت تلك المقاومة البطلة بوصلة قويمة ومنارة مشعة اهتدى بهما شعبنا في غير معركة، منذ الاجتياح المعادي في الثمانينات، إلى الانسحاب الذليل للعدو عام 2000، إلى انتصار 2006… هكذا كسرت المقاومة جدار المستحيل وأبواق الانهزام ورسّخت ثقافة الانتماء والعزّ والانتصار. لذلك ارتدّ العدو وصانعوه بمشروع التفتيت المرصود لشعبنا، والمهيأ لحاضرنا ومستقبلنا، ملغوماً بصواعق التخلّف والتعصب والإرهاب الظلامي… وإذا كانت إرهاصات مشروع التفتيت تبدأ في العراق، فإن هذا المشروع يستحلّ بلادنا كلها، وشعبنا كله. كما يعبث هذا المشروع التدميري بمقومات وجودنا، وواقع حياتنا الواحدة ومصيرنا الواحد.
لقد بات واضحاً أن ليس من سبيل لمواجهة هذا المشروع الحربي على وجودنا سوى بتعاضد دول بلادنا وتَسانُدها. وقد طرح حزبنا خطوة أولى عملية في هذ الاتجاه السليم تتمثل في إنشاء مجلس التعاون المشرقي ووضع آلياته الإجرائية موضع التنفيذ كما عمد حزبنا إلى طرح مبادرته في إقامة جبهة شعبية عريضة للدفاع عن وجودنا الحضاري في وجه الهجمة الإرهابية الشرسة التي تتهدد حريتنا ومدنيتنا والقيم الإنسانية العامة التي أسهم شعبنا في نثر بذورها على مدى العالم.
إن شعبنا قد عانى ما فيه الكفاية من الثقافة الظلامية المناقضة لثقافة الوحدة والتفاعل الخلاق. كما أن الخطاب التصادمي في لبنان يشكل حاضناً خطيراً للتطرف المتزايد. لكن لبنان والشام، بمعظم أطيافهما ونسيجهما الشعبي، يرفضان الطروحات التقسيمية، ويعبّران تعبيراً عملياً رفيعاً عن إرادة المقاومة التي تصدّت للإرهاب وشكّلت صمّام أمان لِحَقِّ شعبنا في السلم الأهلي والأمن والاستقرار.
أما فلسطين الجريحة فما زالت تنزف على الجلجلة دماءً وشهداء وعذابات. وينقضّ العدو بكل إمكاناته القمعية على أيّ أمل بالتقارب والتنسيق بين الفصائل الفلسطينية التواقة إلى الوحدة والتحرير، فيقصف التجمعات السكنية، ويحاصر النساء الحوامل، ويسمم المياه، ويلقي القنابل السامة، ولا يتردد في إحراق الشاب الفلسطيني الأعزل محمد أبو خضير، حياً، من دون أن يرفّ لديمقراطيته المزيفة جفن، ومن دون أن يتحرك «المجتمع الدولي» ولو شكلياً لإدانة الجريمة النكراء ومعاقبة مرتكبيها.
كلمة أخيرة، يُمليها وقار تموز على أبناء الحياة: سيبقى باعث النهضة في الحاضر والمستقبل، كما كان في الماضي، نموذج خلاص نضالي وأخلاقي، فرضه سعاده بقدوة أصحاب القضية الذين يواجهون الاستشهاد مرفوعي الرأس لأن وقفة العز هي الاسم الثاني للحياة الجديدة التي تجلوها الشهادة وتفولذها الإرادة.
وللقوميين الاجتماعيين وجميع حَمَلَة الفكر النهضوي أقول: حزبكم يزداد قوة في معركة الوعي وميدان الصراع… لكنكم مدعوّون إلى رصّ الصفوف وتوحيد القوى، بل إلى الجهد الاستثنائي في هذا الظرف الاستثنائي، من خلال انخراط الجميع في بوتقة الجهود المطلوبة لصيانة مصلحة الأمة التي لا تتقدم عليها مصلحة أخرى… وإننا لمنتصرون.