من استعمال الإرهاب إلى الاستثمار فيه… «الإدارة الأميركية» وإعادة التموضع الجديد!
خالد العبّود
أمين سرّ مجلس الشعب السوري
المشهد يتعقّد أكثر، أمنيّاً وعسكريّاً وسياسيّاً، دفْعاً نحو انفراج يمكن أن يحصل، أو يمكن أن يأتي على أكتاف تسويات أمنية، وبالتالي تسويات سياسية لا يمكن أن تكون من دون تضحيات كبرى، أو قل من دون خسائر كبرى، وربما مغامرات أكبر، فمشهد العدوان الأخير على المنطقة لم يأتِ بالنتائج المرجوة منه، أو لم يصل إلى أهدافه الرئيسية، باعتبار أنّ الصمود الذي أبداه نسق المقاومة حال دون وصول العدو إلى ما كان يتطلع إليه.
إضافة إلى ذلك، ندرك أنّ الأهداف المنتخبة لهذا العدوان كانت أساسية ورئيسية ضمن خريطة المصالح التي تحاول الولايات المتحدة الحفاظ عليها، وبالتالي فإنّ فضّ الاشتباك بحدّ ذاته يحتاج إلى حدّ أدنى من الأهداف التي تحافظ على مصالح رئيسية، لا يسع مشروع العدوان أن يتخلى عنها، وهي الأساسية التي سوف تُبقي على درجة حرارة عالية ناظمة للمنطقة، فأيّ تراجع أو استدارة بالطريقة التقليدية التي يفكر بها كثيرون سوف تُفقد قوى دولية مصالح رئيسية لها على مستوى المنطقة، لذلك فإنّ فعل الاستدارة لا يمكن أن تتمّ ضمن معايير وموازين تقليدية أو طبيعة، إنما يحتاج إلى فعل مركّب يحافظ على الحدّ الأدنى لهذا المصالح.
إنّ أي هزيمة دولية وإقليمية مطلقة، لأيّ من الأطراف المشتبكة، بالطريقة التي يسوّق لها البعض، لا يمكن أن تحصل، ولا يمكن أن تكون، فالهزيمة بهذا المعنى سوف تؤدي إلى تفرّد مطلق لطرف على حساب آخر، على مستوى المنطقة، وهذا بحدّ ذاته غير وارد، خاصة عندما تُفهم طبيعة الصراع الواسع الذي تخوضه هذه القوى، باعتبار أنّ الصراع الحاصل على مستوى الإقليم هو جزء من صراع واسع تخوضه هذه القوى، أو حلفاؤها، على مستويات أوسع، وفي جبهات متعددة ومتنوعة.
لا تستطيع الولايات المتحدة الخروج من المنطقة ضمن المعطيات الراهنة، لكن يمكن لجمها في أهدافها التي تغوّلت لأجلها، والتي اعتبرتها رئيسية في عدوانها الأخير على المنطقة. غير أنّ الحفاظ على الحدّ الأدنى لتموضعها لحماية مصالحها يفرض عليها أن تكون جزءاً من خريطة أمنية سياسية صاعدة، يمكّنها هذا الموقع من حماية الحدّ الأدنى من حضورها، وهذا ما تحاول أن تفعله، أو ما حاولت أن تفعله خلال الأشهر الماضية. إنّ هذين الحضور والوجود لا يمكن أن يتأمّنا لها ضمن المعطيات التي أنشأتها، أو التي نشأت خلال عدوانها الأخير، لذلك فهي مرغمة على إعادة إنتاج مناخات مواجهة جديدة، لإعادة إنتاج تموضعها في هذه المناخات، ما سيدفعها إلى أن تكون في مواقع جديدة، يمكن أن تمنحها إمكان الحضور والوجود الجديدين اللذين يخولانها إمكان التأثير في موازين المنطقة وعوامل استقرارها وتبريدها، لذا يمكن القول إن هذا التسخين كلّه الذي نشهده الآن على مستوى المنطقة كان لأجل تبريدها أخيراً، والتبريد سوف يحافظ على وجود الولايات المتحدة على خريطة فعل المنطقة، وهذا الوجود يمكن أن يضمن لها فعلاً قادراً على تأمين الحدّ الأدنى لمصالحها.
استعملت الولايات المتحدة الإرهاب سبيلاً للوصول إلى أهدافها في عدوانها على المنطقة، غير أنها عندما فشلت في بلوغ هذه الأهداف عملت على الاستثمار في الإرهاب ذاته وأعدّت منصات جديدة له لاستغلاله، وصولاً إلى الحفاظ على حضورها في حدّه الأدنى، فهي عملت على إيجاده والاتكاء عليه أملاً في المساهمة والمشاركة مع قوى إقليمية ودولية للقضاء عليه، لكونها على اطلاع ببعض مفاتيحه من ناحية، وعلى مقدرة من إغلاق بعض منافذه من ناحية أخرى، وهو السبيل الذي سيمنحها إمكان المشاركة في القضاء عليه والمساهمة أخيراً في إعداد خريطة تبريد المنطقة.
إذن، تعوّل الولايات المتحدة على الإرهاب وصولاً إلى المشاركة والمساهمة في القضاء عليه، والسؤال الكبير الآن هو: هل تقبل قوى إقليمية، خاصة نسق المقاومة، أن تمارس الولايات المتحدة هذه اللعبة، أو تقوم بهذا الدور؟ نعتقد أنّ الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى الإلمام بجملة ملفات ذات علاقة بموقف الولايات المتحدة من بعض العناوين التي تبدو غير واضحة أو مستقرة على مستوى المنطقة.
مطلوب منّا أن نفهم الدور والموقف اللذين تؤديهما الولايات المتحدة ممّا يحصل في إقليم «كردستان العراق»، ومطلوب منّا أن نفهم وندرك موقفها ممّا يحصل في فلسطين المحتلة، خاصة الحوادث الأخيرة، ومطلوب منّا أن نحيط بالدور الذي تلعبه أو الموقف الذي تقفه ممّا يحصل في مصر الشقيقة!
هل سوف تستغلّ الولايات المتحدة فزاعة إقليم «كردستان» في وجه مكوّنات إقليمية معينة؟ وهل ستدفع في اتجاه التضييق على الفلسطينيين كي تقايض على تهدئة هناك؟ وهل ستنجح في عزل مصر عمّا يحصل في المنطقة كي تفقد المنطقة إمكان العمل الجمعي في وجه مشروعها الإمبريالي الجديد؟ أسئلة مهمة تحتاج إلى أجوبة دقيقة كي نستطيع لجم الولايات المتحدة ثانية.