هوكشتاين طرح التحكيم والشركات تطرح التسييل المشترك
يوسف المصري ـ خاص
علمت «البناء» أنّ مصدراً دولياً كبيراً في مجال الطاقة، كشف مؤخراً لمرجع سياسي لبناني معلومات مهمة جداً عن قضية ملف الغاز اللبناني ومستقبله.
وأبرز ما قاله هذا المصدر هو «أنّ حقول الغاز اللبنانية لا تزال غير مثبتة لغاية الآن وأن حل التحكيم الذي طرحه الوسيط الأميركي خلال زيارته للبنان، هو أقصر طريق للحلّ ولكن لديه مشكلة تتمثل في أنه يستثني لاعبين إقليميين هاميْن هما تركيا وإيران، وأنه يؤدي أيضاً إلى تنازل دول غاز المشرق عن سيادتها لمحكمين تقنيين، ولذلك يصعب توقع قبوله من لبنان وقبرص وإسرائيل تفاصيل هذه الفكرة في متن العرض تالياً .
ورأى المصدر عينه «أن حل هوكشتاين يحتاج إلى قرار سياسي، كما أكد أن سورية ستعود إلى لعبة الغاز في المنطقة، ولكنها تأخرت عن اللاحق بالركب وأن الأوضاع السورية الراهنة قد تعرقل عمل شركة النفط الروسية الباحثة حالياً عن الغاز السوري».
أهمية غاز المشرق
أكد المصدر أن الغاز في شرق المتوسط مهم جداً أولاً لمجرد أنه الحوض الشرقي للمتوسط، ثانياً لأن لدى أوروبا حاجات كبيرة للطاقة، خصوصاً مع توقع أن نمو الغاز الطبيعي يتجاوز حصة النفط في مجال الطاقة خلال السنوات العشرين المقبلة. وهذا ما يؤكده توقع الوكالة الدولية للطاقة أن يكون للغاز الطبيعي المركز الثاني على لائحة مصادر الطاقة في العالم. وهذا أمر طبيعي بالنظر لوفرة مصادر الغاز الطبيعي، وكون استخدامه أقلّ ضرراً من النفط والفحم اللذين يتصدران اليوم اللائحة. وتحتلّ صناعة الغاز اليوم المركز الرائد في مجال تموين الأسواق بالطاقة، نظراً إلى سهولة نقله إما عبر السفن بعد تسييله أو عبر الأنابيب. وتبقى وسيلة التسييل هي الفضلى لكونها تؤمّن ليونة كبيرة في التكيف مع الأسواق مقابل ثقل وسيلة النقل عبر الأنابيب لما تمثله الأخيرة من ارتباط استراتيجي، وعلى مدى طويل، بين المنتج البائع والمستهلك الشاري. ويزداد الأمر تعقيداً عندما تعبر هذه الأنابيب عدداً من البلدان التي قد تطرح بعض التعقيدات. وفي حين أنّ تقنية تسييل الغاز الطبيعي مكلفة إلا أنها كتقنية بلغت مرحلة متطورة تجعل منها ذات جدوى اقتصادية وهي تمنح قدراً كبيراً من إمكانية التكيف مع طلب السوق عبر النقل البحري. تماماً كما هي تقنية نقل النفط اليوم.
قبرص ومنشأة التسييل وحلّ التوحيد
وتحدث المصدر حول ما يُذاع عن محطة التسييل المزمع إقامتها في قبرص والتي يتشارك بها كبار الشركات العالمية، ولفت إلى أنها ليست محطة تسييل واحدة ضمن عدد من المحطات بل هي «عقدة تصدير» وتسييل الغاز في شرق المتوسط؟.
وأضاف متوسعاً في هذه النقطة: «لا شك في أننا في شرق المتوسط نحتاج لمحطة لتسييل غازه المكتشف. والسؤال المطروح هو أين يمكن إنشاؤها. وأين يقع مكان هذه المحطة ذي الجدوى الاقتصادية القصوى، نظراً لوجود عدد من القوى المتصارعة في هذه المنطقة. وبلغت قبرص مرحلة متقدمة في تحديد مخزونها المؤكد من الغاز الطبيعي، وذلك في حقول مشتركة بينها وبين إسرائيل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى «إسرائيل» التي لديها احتياطات غازية مؤكدة. في حين أنّ الحقول اللبنانية لا تزال حتى الآن حقولاً غير مثبتة، حيث لم يجر تأكيد نتائج المسوحات عبر عمليات التنقيب. وهنا يبرز لدينا مثال أول لمفهوم التوحيد في شرق المتوسط. فهنالك عدد من الحقول المكتشفة التي سوف تقود إلى خلافات حول حدودها البحرية بين لبنان وقبرص وإسرائيل. وهنا سوف تبرز أيضاً المطالبات من قبل المستفيدين بحقوقهم فيها. وهنا يأتي «حل التوحيد» على غرار ما قامت به دول بحر الشمال، لا سيما المملكة المتحدة وهولندا والنروج، أي الاتفاق على تقاسم ريع الحقول المكتشفة بين الدول المتشاركة فيها. وهنا تأتي فكرة إقامة مشروع دولي كبير مشترك بين المستفيدين لاستخراج وتسييل وتصدر الغاز الطبيعي من المشرق، هو مكلف جداً لأنّ الاستخراج في المياه العميقة مكلف وربما إقامة محطات تسييل عائمة لأن تكنولوجيا الطاقة اليوم تمكننا من بناء هذه المحطات التي تعفينا من ضرورة استجرار الغاز الطبيعي إلى الشواطئ إما لنقله أو تسييله أو استخدامه. وبالتالي فإن مشروعاً دولياً كهذا يسمح لكلّ المستفيدين من إيصال الغاز المسيّل إلى بلادهم وإدخاله في دورتها الاقتصادية. كما يسمح هذا المشروع الكبير ببيع الغاز في الأسواق العالمية مسيّلاً، أي إلى أوروبا وإلى الأسواق الآسيوية النهمة في مجال الطاقة وحيث الأسعار هي الأعلى. وهنا يمكن خفض كلفة استيراد الغاز، لأن كلفة محطات استيراده أقل بكثير من كلفة محطات تسييله.
إن حجم الأسواق المحلية في كل من قبرص وإسرائيل ولبنان، لا يمكن أن يبرر إنشاء مشروع كهذا فلا بد إذن قبلاً من إيجاد الأسواق العالمية التي لا بد من تصدير غاز هذه الدول المشرقية إليها.
الحلّ بقرار سياسي
وأضاف: لقد طرح هوكشتاين خطة جيدة، والمقصود بها تلك الداعية لإيجاد حلّ لمسألة الصراع بين لبنان وإسرائيل على حدود المناطق البحرية الخالصة لكل منهما؟ وطرح أيضاً – أي هوكشتاين – مبدأ التوحيد غير المباشر عبر شركات أميركية للحقول المشتركة. وهذه فكرة جيدة، وهي طريق بين عدة طرق لإيجاد حلّ لهذه القضية. لكن السؤال الأول هو هل هذا النوع من الحلول مقبول سياسياً؟ لأن اعتماده في النهاية هو قرار سياسي. علماً أنّ هذا الحلّ في محصلته يعتبر حلاً تحكيمياً، وهنا تكمن صعوبته.
كما أنّ الأزمة في حلّ هوكشتاين أنه يستثني لاعبين أساسيين ليسوا على تماس مباشر مع مسألة الاستخراج، ولكن لديهم كلمتهم من ناحية السياسة الإقليمية في هذا الموضوع. وهنا أعني تركيا مثلاً والتي تعبّر عن موقفها في مسألة استخراج الغاز القبرصي في الشقّ اليوناني من الجزيرة، حيث تطالب بعودة الجزء التركي من الغاز القبرصي إلى تركيا من أجل تصديره لاحقاً إلى أوروبا. وهناك لاعبون آخرون لهم كلمة الفصل على الصعيد الإقليمي، إيران. فهل سوف يرتضون بالبقاء خارج اللعبة، حيث أن عملية التحكيم سوف تستثني كلّ هؤلاء وتحصرها بعملية اقتصادية جغرافية محضة من دون أي بعد سياسي. وهذا ما يجعل اعتماد اقتراح هوكنشتاين صعب التحقق. علماً أننا نتمنى أن يكون اقتراح هوكنشتاين قابلاً للتحقيق، إلا أنّ فهمنا لعملية التحكيم الذي يؤدي إلى تنازل دول عن سيادتها لمحكمين تقنيين سيكون صعباً القبول به من هذه الدول. وبالتالي لن تغامر أية دولة بالدخول في عملية تحكمية إذا كانت سترفض نتائجها الإلزامية. فهل هذا ممكن بالنسبة للبنان وقبرص وإسرائيل سياسياً. دعونا نرى؟ ولكن من دون أدنى شك، فهو الوسيلة الأسرع للوصول إلى أيّ حلّ.