ذروة النصر… ذروة الهزيمة
نسيب أبو ضرغم
ليست اندفاعة «داعش» في محافظات غرب العراق وليدة حركيّة الصراع الذاتي القائم على الأرض بين «داعش» والدولة العراقية، فما حصل يثبت أن تلك الاندفاعة ما هي إلاّ نتيجة خطة استراتيجية وضعتها الإدارة الأميركية قبيل حرب الخليج، بل تعود إلى جذور المشروع اليهودي الهادف إلى تقسيم المنطقة سورية الطبيعية والعالم العربي . قال بول وولفوفيتش إبان حرب الكويت تحرير الكويت : «يجب مواصلة حرب تحرير الكويت حتى بغداد، لتفكيك بلد سيبقى دائماً مصدر تهديد لمصالحنا على مستوى الطاقة، ولأمن «إسرائيل» في الوقت ذاته» ورد في كتاب «مجزرة إهدن»، ص 337 .
ما ورد على لسان وولفوفيتش ليس تصوراً شخصياً لأحد صقور المحافظين الجدد الصهاينة المسيحيون بل هو خلاصة استراتيجية لا تتعلق بالعراق فحسب، بل في مجمل سورية الطبيعية، ذلك أن العراق وما يشكله من موقع جيو ـ استراتيجي وجيو-بوليتيكي، ومن مخزون هائل للطاقة أكبر مخزون للنفط في العالم ، يجعل منه رقماً صعباً في مواجهة الخطة اليهودية الهادفة إلى تقسيم المنطقة، لذلك كان هدف «تفكيك» العراق محطة أساسية لتنفيذ المخطط الإجرامي التفتيتي اليهودي للمنطقة. في هذا السياق كانت البداية في عملية التفكيك من العراق عام 2003، التي شرع المحتل الأميركي في استكمالها في الشام ولبنان عبر حرب 2006 ضد المقاومة.
يقول أودير يينون وهو موظف كبير في وزارة خارجية العدو اليهودي: «إن تقسيم لبنان خمسة أقاليم هو صورة مسبقة للمصير الذي ينتظر العالم العربي بكامله، بما فيه مصر وسورية والعراق وكامل شبه الجزيرة العربية. هذا الأمر أقسى واقعاً في لبنان. إن تقطيع أوصال كل من سوريا والعراق وجعلهما أقاليم متجانسة أثنياً ودينياً كانتونات ودول على قاعدة وحدة المذهب ، كما في لبنان، هو الهدف الأول على الجبهة الشرقية، أما في المدى القصير فالهدف هو التفكيك العسكري لهذه الدول.
ستقسم سورية عدة دول تبعاً للجماعات الإثنية، بحيث يصبح الساحل دولة علويّة شيعية، ومنطقة حلب دولة سنية، وفي دمشق تقوم دولة سنية معادية لجارتها الشمالية، ويؤلف الدروز دولتهم الخاصة بهم، التي ستشمل ربما «جولاننا» وكذلك حوران وشمال الأردن.
إن هذه الدولة أي الدرزية ستضمن السلام والأمن في المنطقة على المدى الطويل. هذا الهدف بات في متناول يدنا منذ الآن». مجلة كيفونيوم عدد 14 شباط 1982، مجلة تصدر عن مصلحة الرعاية للمنظمة الصهيونية العالمية في القدس، وورد هذا النص في كتاب «مجزرة إهدن»، ص 347 .
ما أورده المسؤول اليهودي أعلاه يثبت وحدة النظرة الاستراتيجية للمنطقة من قبل الصهيونية، فهي لا تقوم بحوادث متقاطعة غير منسقة، بل تُحدث الحروب والأزمات في التوقيت والمكان المناسبين، بحيث يؤدي ذلك كله إذا استجمع إلى تكوين لوحة متكاملة هي المصلحة الاستراتيجية للمشروع اليهودي في سورية الطبيعية وكامل العالم العربي.
أورد هذا المسؤول كلاماً حول الآلية المتبعة من قبلهم للوصول إلى هدفهم حيث قال: «… أما في المدى القصير فالهدف هو التفكيك العسكري لهذه الدول». أليس القرار الأول الذي كان قد اتخذه بول بريمر هو حل الجيش العراقي؟
من خلال ما يكتبه المسؤولون الصهاينة نقل على معطيين ثابتين في استراتيجيتهم التدميرية وهما:
أولاً: الإصرار على اعتبارنا مجموعة من الإثنيات والأقليات تتبادل في ما بينها العداء، والعمل على تكريس هذا الانشطار الاجتماعي.
ثانياً: اتباع آلية الحروب والفتن بين هذه الإثنيات والأقليات تحت عناوين كثيرة، لتفجير الوحدة الاجتماعية مقدمة لسرقة الأرض القومية برمتها.
يقول ذات المسؤول «الإسرائيلي» أوديد بينون:
«ليس العالم العربي الإسلامي سوى قصر من ورق، بنته دول أجنبية ـ فرنسا وبريطانيا العظمى في العشرينات، دونما اعتبار للسكان المحليين. قُسمت هذه المنطقة بصورة اعتباطية إلى تسع عشرة دولة، تتألف كلها من إثنيات مختلفة وأقليات تتبادل العداء، لذا فإن كل دولة من الدول العربية الإسلامية اليوم تجد نفسها مهددة من داخلها بسبب الخلافات الإثنية والاجتماعية، وأصبحت الحروب الأهلية داخل بعضها قائمة». من كتاب «مجزرة إهدن» ص 347 ـ 348 .
واضح من كلام هذا المسؤول اليهودي أن العمل الأساس لدى الصهاينة هو تفتيت مجتمعاتنا على قاعدة الإثنيات والطوائف عبر وسيلة خلق الفتن والحروب فيما بينها.
لا يخرج ما حصل منذ قيام دولة العدوان اليهودي وحتى اليوم على هذه النظرة التي أسست لجميع حروب «إسرائيل» علينا، ولا تزال. فـ«الربيع العربي» ليس غير نسخة منقحة لما حصل في السابق القريب والبعيد، وما يحصل الآن في هذه اللحظة في العراق صورة مادية، حية، دموية، تعبر عن جوهر المشروع اليهودي المعدّ لنا.
السعودية الوهابية التي أقرّت عبر «السلطان عبد العزيز آل سعود» المُنَصّب من الإنكليز بإعطاء «المساكين اليهود» وطناً لهم في فلسطين بحسب ما جاء في الوثيقة التي نشرتها مجلة «الحرس» السعودية ـ المعارضة عام 1991. وتركيا النيوعثمانية، ربيبة الماسونية العالمية والحلف الأطلسي، والحالمة بالتمدد على كامل رقعتنا الجغرافية، والولايات المتحدة الأميركية التي استبدلت حروبها الحامية بالحروب الناعمة، وبالتأكيد «إسرائيل» التي هي خلف الجميع… هذه القوى كلها، لا يمكن أن تلقي سلاحها إلاّ بالقهر، فالمعادلة التي ارتسمت على الأرض ذات حدين، حد الهزيمة المطلقة وحد الانتصار المطلق.
فانكسار «داعش» في العراق يعني الهزيمة للمشروع الصهيو ـ أميركي – الوهابي – التركي، والانتصار على «داعش» يؤكد انتصار محور المقاومة، وبالتالي فرض نظام دولي جديد يخرجنا من دائرة الانفعال إلى دائرة الفعل، ويصبح عبره عمر «الدولة العدوانية» مسألة وقت.
نحن في هذه اللحظة أمة تتأرجح بين الموت والحياة. النصوص الواردة أعلاه كافية لتأكيد ذلك.
موتنا هو في بقائنا مفككين مثلما نحن الآن.
حياتنا في قيام اتحاد يجمع العراق والشام.
لا خيار ثالثاً.
عندما تكون المسألة مسألة حياة أمة أو موتها، سيكون حكم التاريخ قاسياً جدا ًعلى أيّ حاكم يستنكف عن اتخاذ القرار التاريخي – الحلم، في قيام الاتحاد المشرقي. وأما الأمة، الأمة كلها ، ففي انتظار ذلك.