أردوغان يسلّم بنجاح بوتين بإخراجه من سورية ويتسلّل بغطاء البرزاني عراقياً صنعاء: مئات الألوف ضدّ السعودية… وانتصارات للجيش واللجان في الجبهات
كتب المحرر السياسي
مع انقشاع غبار حملة مضايا التي نظمتها السعودية لإطاحة موعد لقاء جنيف المخصّص لبدء الحوار بين الحكومة السورية والمعارضة، بعد فشلها بفرض الوصاية على تصنيف التنظيمات الإرهابية وتشكيل الوفد المعارض، وتولي المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، تأكيد موعد الانعقاد من جهة، وتبنّيه لما توصّل إليه المسؤولون في موسكو وواشنطن حول تصنيف التنظيمات الإرهابية وطريقة تكوين وفد المعارضة، مع وصوله إلى دمشق أمس بعد زيارته كلاً من الرياض وطهران، وتوليه مع فريقه مهمة التعامل مع حملة مضايا، بدا أنّ التسليم الدولي الذي عبّر عنه لقاء فيينا الأول وكرّسه القرار الأممي 2254 من دور مرجعي لموسكو في قيادة الحرب على الإرهاب ومسار الحلّ السياسي في سورية، لم يتأثر بالعاصفة السعودية التي بدأت باغتيال الشيخ نمر النمر وتوالت فصولاً بالتصعيد الديبلوماسي ضدّ إيران، وكانت حملة مضايا آخر فصولها.
تركيا المعني الأول والرئيس بما يجري في سورية، والتي كانت تشكل القيمة المضافة لحلفائها في الحرب على سورية، تبدو بشخص رئيسها رجب أردوغان أول الذين باتوا يتصرّفون على قاعدة الخروج من المعادلة السورية بقوة الطرد الروسية، وقد قرأ سياسيون أتراك وأكراد، في المواجهة المفبركة بين «داعش» والقوات التركية التي تتمركز قرب الموصل داخل الحدود العراقية، علامة واضحة على عزم أردوغان تركيز جهوده لتشريع دوره في العراق على قاعدة التسليم بالخروج من سورية، والرهان التركي في ظلّ موقف حازم للحكومة العراقية هو من جهة عنوان التحالف الدولي للحرب على الإرهاب وتقديم خطر «داعش» على تركيا ذريعة لتبرير التوغل داخل الحدود العراقية، والتلطي وراء عباءة مسعود البرزاني رئيس الحكومة الكردية في شمال العراق.
ما يجري على المسارين السوري والعراقي من تنامٍ في المأزق التركي يوازيه ما يشهده اليمن من تنامٍ في المأزق السعودي، حيث الأزمة الناشبة مع المنظمات الأممية، بسبب تناولها للجرائم السعودية في تقاريرها عن اليمن، وحيث الاستعداد لحوار جنيف بعد أسبوع، محفوف بمخاطر التعطيل السعودي، في ظلّ اختلال بدأ يميل في الميزان العسكري بوضوح على كلّ الجبهات لمصلحة الجيش اليمني واللجان الشعبية، خصوصاً في محافظة تعز التي وضع السعوديون عشرات المواعيد لبسط السيطرة عليها وفك الحصار عنها ولم يفلحوا، فيما الجيش السعودي يترك مواقعه على الحدود مع اليمن ويسلّمها إلى وحدات خليجية ومجموعات من المرتزقة، ويحقق الجيش اليمني واللجان الشعبية يومياً العديد من عمليات التوغل الناجحة، وتتويجاً لهذه الانتصارات وتعبيراً عن الصمود اليمني خرج مئات ألوف اليمنيين تضامناً مع الجيش واللجان الشعبية وتنديداً بالعدوان السعودي في شوارع صنعاء، بصورة أدهشت المراقبين للعاصمة التي تدخل شهرها العاشر تحت الحرب والحصار ولا تزال تمتلك جماهيرها هذه الحيوية.
لبنان الذي بات التسليم فيه بأنّ رئاسة الجمهورية ليست على نار حامية، ورغم انشغاله بالشائعة التي تردّدت حول الحالة الصحية للعماد ميشال عون، ونسبت إلى تلفزيون «أل بي سي»، الذي سارع إلى نفي علاقته بالشائعة ونفي الخبر، يتفرّغ المسؤولون السياسيون لإدارة الوقت الضائع بإعادة الحياة للمؤسسة الحكومية، عبر قبول الرئيس تمام سلام بصيغة التوافق لأخذ القرارات في الحكومة، وتأجيل كلّ ما لا يحظى بهذا التوافق أملاً بتذليل عقبة حضور وزراء التيار الوطني الحرّ ومعهم وزراء حزب الله المتضامنون، وحيث ستكون جلسة الخميس المقبل التي دعا إليها سلام أول اختبار عملي للآلية ونجاحها في لمّ شمل الحكومة التي فشلت مراراً في حلّ قضية النفايات، حتى عندما اتفق أعضاؤها على خطة الترحيل.
جلسة حكومية الخميس المقبل
في ظل التصعيد السياسي والدبلوماسي على الساحة الإقليمية وبعد فرملة مبادرة ترشيح الوزير سليمان فرنجية الرئاسية إلى أجل غير مسمّى، يبدو أن تفعيل العمل الحكومي هو أقصى ما يمكن أن تقدّمه القوى السياسية بعد جولات مطولة من الحوار الوطني للملمة الوضع الداخلي وتسيير شؤون المواطنين المعيشية وانتظار التسويات الخارجية علّها تشمل لبنان.
ومن هذا المنطلق، كانت دعوة رئيس الحكومة تمام سلام أمس، إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل لدارسة جدول أعمال مؤلف من 140 بنداً، فيما لم ترشح حتى الآن أي معطيات عن مشاركة وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله في الجلسة، بانتظار أن تثمر جهود رئيس المجلس النيابي نبيه بري التوفيقية لتأمين مشاركة المكونات كافة.
آلية جديدة في مجلس الوزراء؟
وفي السياق، أكد وزير الإعلام رمزي جريج أن «الـ 140 بنداً الموضوعة على جدول الأعمال هي ذات طابع وظيفي تتعلق بقبول هبات واتفاقات يبرمها لبنان ويستفيد منها وتتعلق بالقضايا الحياتية، ولا أعتقد أن أحد الأطراف لا يوافق عليها، ورغم ذلك، أي بند لا يوافق عليه أحد المكونات يمكن مناقشته وإذا لم يحظ بالتوافق يوضع جانباً لمزيد من الدرس».
ونقل جريج عن الرئيس سلام نيته إعادة انتظام عمل مجلس الوزراء، وأوضح لـ«البناء» أن «الدستور ينص على التوافق في مجلس الوزراء وإلا التصويت على المواضيع الخلافية، لكن سلام يرفض بحث الملفات الخلافية في الجلسة التي ينبغي التصويت عليها، بل ستوضع جانباً، أما الملفات التي يتم التوافق عليها تمر، لذلك لا يمكن اعتماد أي آلية في مجلس الوزراء غير الآلية المنصوص عنها في الدستور- المادة 65».
وإذ لم يؤكد حضور وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله الجلسة ومشاركتهم فيها، أشار جريج إلى أن «الرئيس سلام دعا إلى جلسة بمعزل عن موقف جميع الأطراف»، وأبدى تفاؤله بالمساعي التي يقوم بها الرئيس بري على هذا الصعيد، لكنه لفت إلى «أنه إذا لم تثمر، فإن الاتجاه هو لعقد الجلسة إذا توافر النصاب القانوني للانعقاد من دون المكونات التي ستقاطع».
ونقلت مصادر وزارية لـ«البناء» ارتياح سلام لعودة مجلس الوزراء للانعقاد بعد تعطيل دام شهوراً نتيجة الخلافات السياسية، ولفتت إلى أن «سلام يمارس صلاحياته الدستورية وهو يتواصل مع جميع المكونات لتقريب وجهات النظر وتأمين مشاركة جميع مكونات الحكومة في الجلسة».
مشاركة «التيار» يحددها مبدآن
وأبدت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر حرصها وتقديرها لمعاناة المواطنين والقضايا الحياتية التي تعنيهم مباشرة ووجود عقود دولية تحتاج إلى قرارات في مجلس الوزراء، لكنها رأت أن «المشكلة هي في إدارة الحكومة وتهريب الملفات ووضع التيار تحت الأمر الواقع، كما حصل في ملف النفايات والتهرب من التعامل بالجدية المطلوبة لمواجهة الأزمات».
وأوضحت المصادر لـ«البناء» أن «مشاركة وزراء التيار في الجلسات أو عدمها يحددهما مبدآن، الأول احترام القواعد التي اتفق عليها لإدارة الحكومة في مرحلة الشغور الرئاسي، والثاني بتّ ملف التعيينات الأمنية وتشريع بعض قرارات التعيين المخالفة للقوانين».
عون في معراب؟
وفي ظلّ تطور العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب «القوات اللبنانية» على المستوى السياسي، لم يستبعد مصدر في التيار الوطني الحر لـ«البناء» توقيع وثيقة سياسية بين التيار و«حزب القوات» في الأيام المقبلة و«هي امتداد لإعلان النيات، لكن لم تعلن رسمياً حتى الآن لأنها في طور النقاش لوضع إطار للتعاطي بين التيار والقوات ورسم سقوف وضوابط لمختلف الملفات الأساسية، وصولاً إلى بناء تحالفات في بعض الملفات وتفاهم على إدارة الملفات الخلافية».
وإذ لم يستبعد زيارة العماد ميشال عون إلى معراب ولقاء رئيس «القوات» سمير جعجع وتوقيع وثيقة ثنائية كترجمة عملية لإعلان النيات، انتقد المصدر «تحكّم الرئيس سعد الحريري بالقرار الرئاسي وتسمية مَن يختاره رئيساً للجمهورية من دون التفاهم مع المعنيين الرئيسيين أي القوى الممثلة للمسيحيين».
الحريري مستمر بترشيح فرنجية
من جهة ثانية، وفي إطار جولته على المسؤولين السياسيين لإنجاز التحضيرات لإجراء الانتخابات البلدية في موعدها في أيار المقبل، زار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة. وأكد المشنوق أن «الرئيس سعد الحريري مُستمرّ في ترشيحه رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، لكن عنوان هذا الترشيح هو التفاهم مع الآخرين لا المواجهة معهم»، وطمأن في مجال آخر إلى أن «لا خوف على الوضع الأمني، لكن عندما يحصل صراع إقليمي ويكبر على البلد، بطبيعة الحال الغطاء الإقليمي يتراجع».
لبنان إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب…
على صعيد آخر تتوجّه الأنظار إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة غداً الأحد الذي ينعقد بناءً على طلب المملكة العربية السعودية، على خلفية الهجوم الذي تعرّضت له سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد حيث ستحاول السعودية استصدار قرار بإجماع الدول المشاركة على إدانة إيران وتحميلها مسؤولية ما حصل، ومن المتوقع أن يشارك لبنان ممثلاً بوزير خارجيته جبران باسيل.
ورجّح وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش في حديث لـ«البناء» أن «لا يتدخل لبنان في موضوع خلافي سياسي – دبلوماسي بين طهران والسعودية، وأن يتصرف كما يتصرف عادة في ملفات حساسة كهذه في المؤتمرات الخارجية، أي أن ينأى بنفسه وأن لا يدخل طرفاً».
وأشار فنيش إلى أن «السعودية تريد من خلال هذا المؤتمر أن تغطي على اغتيال الشهيد الشيخ نمر باقر النمر، من خلال تحويل الأمر من جريمة قتل إلى اتهام إيران بانتهاك حرمة سفارتها وقنصليتها».
وأضاف: «علينا أن ندع إيران تعالج الأمر ضمن الأطر الدبلوماسية والقانونية المتبعة عالمياً، ومن دون تشنج وتوتير واعتباره كأي حادث من هذا القبيل يقع بين أي دولتين».
وتساءل فنيش: «هل مازال هناك جامعة عربية؟ بعد أن تحوّلت إلى مجموعة دول تدور في فلك السعودية ودول أخرى مغلوبة على أمرها ولا تجرؤ على قول الحقيقة؟».