زيتوني: سعاده أكّد وجوب وضع استراتيجية شاملة لاستتباب كمال المبادئ

أقامت الندوة الثقافية المركزية في الحزب السوري القومي الاجتماعي لقاءً حوارياً مع عضو المجلس الأعلى وليد زيتوني تحت عنوان «أهمية التخطيط في رسم استراتيجية الصراع». وذلك في مركز الحزب.

حضر اللقاء نائب رئيس الحزب توفيق مهنا وعدد من العمُد وأعضاء المجلس الأعلى والمكتب السياسي وأعضاء الندوة الثقافية المركزية.

استهلّ اللقاء رئيس الندوة الثقافية المركزية د. زهير فياض بكلمة قال فيها: «وسط التطورات والأحداث الجسام التي تمرّ بها بلادنا اليوم، وفي خضمّ الصراعات التي نحياها والتي تأخذ أشكالاً مختلفة ومتعدّدة ومتشعّبة ومعقدة في آن، تبرز أهمية التخطيط لمواجهة كلّ هذه التحديات على قاعدة العقل والفكر، وبالاستناد إلى رؤية مشتركة تضع خارطة طريق للنهوض، وتؤسّس لتفعيل الخطة النظامية المعاكسة المتوخاة في السياسة والأمن والاقتصاد والإعلام والثقافة والتربية والاجتماع الإنساني».

وختم: «نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذا المشروع وإلى وضع الآليات الكفيلة بتحقيقه، وهنا تبرز أهمية التخطيط في رسم استراتيجية الصراع بكلّيته».

زيتوني

أما زيتوني، فاستهلّ محاضرته بالقول: «في عنوان التخطيط الاستراتيجي للصراع، ولضرورات منهجية، سنحاول تناول الاستراتيجية كمفهوم قبل مسألة التخطيط لتقويم خطأ الخلط الحاصل بين المبادئ وبين الاستراتيجية الشاملة، ثم الإضاءة على الاستراتيجية المرحلية وهي جزء من الاستراتيجية الأولى وامتداداً عملياً لها.

في الاستراتيجية:

أ ـ الاستراتيجية الشاملة: هي فن إدارة كافة مقدرات الدولة أو التنظيم أو الحزب، من سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية ودبلوماسية للوصول إلى تحقيق عقيدة الدولة أو المؤسسة، عبر الضغط على معنويات العدو وعزيمته وإرادته وبالتالي جعله يخضع للشروط السياسية.

ب ـ الاستراتيجية المرحلية: هي تجزئة الأهداف ومرحلتها، إما عمودياً بوساطة الوسائل والمقدرات المتوفرة ومنها القدرة العسكرية، أو ما يُسمى بالاستراتيجية العسكرية التي عرّفها «كلاوزفيتز» بأنها امتداد للسياسة بوسائل أخرى. أو تتمّ التجزئة على المستوى الأفقي، وهنا بالمعنى الزمني. أي استخدام كل المقدرات في مرحلة زمنية محددة. ترسم الإدارة فيها أهدافاً تتناسب مع الوسائل الموضوعة لتحقيقها.

ج ـ استراتيجية التغيير: وهي مسألة يجب الإطلال عليها من خلال العمل لتحسين أطر تنظيمية قائمة تحتاج إلى مبادرات دفع باتجاه تحسين مواقعها. تستخدم هذه الا ستراتيجية في ثلاثة أوضاع:

1 ـ إما في حالة إعادة البناء، وتستلزم هدم الهيكل القديم لتخلفه عن متطلبات العصر. ويكون هذا التغيير إما جذريا أو جزئياً.

2 ـ استراتيجية ارتقاء ونمو من خلال تأمين مناخ جديد موارد مادية وبشرية ورسم أهداف جديدة، بحيث يصبح البناء مواكبا لتطورات العصر.

3 ـ استراتيجية هيمنة ويتمّ من خلالها وضع هيكل يتلاءم مع نظام هادف إلى مسك المفاصل الأساس في الإدارة.

وتابع قائلاً: تختلف الوسائل المستخدمة في الاستراتيجية باختلاف الهدف أو الأهداف وطبيعة هذه الأهداف وأهميتها، وتبعاً للمقدرات والإمكانات المتوفرة استناداً إلى الظروف الذاتية المحلية، أو الظروف الموضوعية المحيطة دولية وإقليمية . ويجب الأخذ بعين الاعتبار تناسب الوسائل مع الأهداف، على أن تتحلى الإدارة بالمرونة اللازمة وحرية العمل من دون قيود والتزامات مسبقة قدر الإمكان، وصولاً إلى الانتصار في صراع الإرادات الذي هو جوهر الا ستراتيجية.

في التخطيط الاستراتيجي:

التخطيط عموماً، هو وضع تصور أو ترسيمة بيانية، تتضمّن الخطوات الواجب اتخاذها في مرحلة زمنية معينة للوصول إلى أهداف محددة. غير أن الأهداف الكبرى، والغايات التي تبدو بعيدة المنال في الوقت الحاضر لا تغفل في عملية التخطيط الاستراتيجي، إنما تبقى هي البوصلة التي تسترشد بها القيادة أو الإدارة كي لا تبتعد كثيراً في مناورتها عند دراستها ووضعها للخطط المرحلية.

لو كنّا في مرحلة البدء، أو لو كنا بمفردنا على ساحة الصراع، لكنّا استرشدنا بإحدى نظريات التخطيط الأكاديمية وما أكثرها. واختصرنا هذه المعاناة بأربعة من الكلمات توجز كالتالي:

من أين؟ إلى أين؟ من نحن؟ ما هي الطرق والوسائل؟

وعلى رغم أنّ هذه الأسئلة ستبقى جوهرية وأساسية، في كل مراحل التخطيط، غير أن الإجابات على بعضها مسدّد سلفاً، إذا ما اعتبرنا، أن الحركة السورية القومية الاجتماعية هي مجموعة من المبادئ، وهي كذلك، تتناول الأساس القومي لسورية الطبيعية من خلال إجابات أنطون سعاده الواضحة والدقيقة.

وتابع: لقد وضع سعاده مبادئ ثمان أساسية، وجهد ألا يترك مجالاً للشك في صوابيتها التاريخية والجغرافية والعلمية. غير أن سعاده نفسه اعتبر ولأجل استتباب كمال المبادئ، وجوب وضع استراتيجية شاملة، حدد أهدافها بالمبادئ الإصلاحية وغاية الحزب، شارحاً الأسباب الكفيلة بتحقيق هذه المبادئ كشرط أساس لإقامة الدولة القومية التي هي بالضرورة دولة حديثة مدنية ديمقراطية. وللتأكيد على هذا الهدف اعتبر أنّ الحزب، وهو أداة تحقيق البعث القومي والنهضة القومية الاجتماعية، هو دولة الأمة السورية المصغرة مُرسياً أساسه الدستوري وقوانينه الناظمة، حيث قال إن وضعي للدستور هو أهم أعمالي بعد وضعي للعقيدة. شاملا بالدستور كل المؤسسات الرئيسة والفرعية كنماذج لممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فاصلا بين السلطات في إطار تكاملي، معتبرا أن النظام التسلسلي المركزي وقفا على المؤسس صاحب الدعوة، لانتظام العمل في مرحلة التأسيس.

نستنتج ممّا تقدم أن سعاده أرسى الا ستراتيجية الشاملة لقيام النهضة. لكن لم يتسنّ له استكمال التخطيط وتنفيذ الاستراتيجيات المرحلية نتيجة للملاحقات المتكرّرة من قبل الانتداب الفرنسي، ومن ثم لغيابه القسري بعد التأسيس.

ولدى عودته من المغترب عام 1947، كانت القيادة المولجة شؤون الحزب في الوطن قد وقعت في انحرافات عقائدية وشخصانية أوجبت إقصائها سُمي أتباع هذا النهج، جماعة الواقع اللبناني .

تسارعت الأحداث بعد هذا التاريخ، خصوصاً قرار تقسيم فلسطين، إذ دفعت الأحداث بسعاده إلى إعلان التعبئة العامة في الحزب، وإقامة التنظيمات العسكرية الملائمة للاشتراك بالحرب فرق، جرائد وزمر غير أن مقولة «لا سلاح للقوميين» التي أطلقها رياض الصلح آنذاك، لاقت آذاناً صاغية عند كل حكام العرب الذين حجبوا السلاح عن الحزب، الذي أصرّ بدوره على الانخراط بالحرب بما تيسّر من إمكانيات. غير أنّ رياض الصلح وشريكه في الحكم بشارة الخوري لم يكتفيا بذلك، إنما خططا للتخلص من سعاده وحزبه، إلى أن قامت الثورة القومية الاجتماعية التي اسماها سعاده نفسه بالأولى. ولعل بيان الثورة الأولى هو منهاج فعلي يقاس عليه في كيفية وضع الا ستراتيجية المرحلية من دون التعارض مع الاستراتيجية الشاملة.

وسائل سعاده الاستراتيجية:

نعتمد سعاده في سياق عمله لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، على أقنومين اثنين:

أولاً الوعي:

الوعي المستند إلى العقل كشرع أعلى، وقد ظهر جليا في الوعي الثقافي، حيث وضع العشرات من الكتب والمقالات والمحاضرات والخطب دافع فيها عن الحق القومي، مبيّنا الأساس الحضاري والعلمي لوجود الأمة السورية نشوء الأمم، الإسلام في رسالتيه، المحاضرات العشر، الصراع الفكري في الأدب السوري الخ… كما ظهر هذا الوعي من خلال الإدراك السياسي، حيث استطاع أن يكشف مبكراً أهداف المشاريع الاستعمارية المرسومة للمنطقة، وعلى الأخص المشروع الصهيوني وربيبته الحركة الوهابية.

وكان سعاده أول من نبّه إلى خطورة الهجرة اليهودية إلى فلسطين عام 1925. حيث وصف الصهيونية بأنها خطة منظمة ودقيقة ولا يمكن محاربتها إلا بخطة معاكسة نظامية ودقيقة. كما أدرك أهمية الإعلام في نشر الوعي والمعرفة وهو ما حفزه على إنشاء الصحف اليومية الجريدة، سورية الجديدة، النهضة الخ…

ثانياً: القوة المنظمة

لم يطلب سعاده الإجابة على سؤاله «ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟» من أجل المعرفة العلمية فحسب، وإنما كان يريد إيجاد الوسيلة الناجعة لردّ هذا الويل.

انّ عصر تنازع الأمم البقاء، عصر أفعال لا أقوال، وإذا كان لا بدّ من القول فيجب أن يكون مدعوماً بالقوة العملية ليكون من وراء هذا القول منفعة ونتيجة واقعية. وأردف قائلاً: نحن امة واقفة الآن بين الحياة والموت، ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نعيّنه.

الحق لا يكون حقا في معترك الحياة إلا بمقدار ما تدعمه بالقوة. والقوة هي القول الفصل في إحقاق الحق القومي أو إنكاره.

وبناء عليه، أصرّ سعاده في رسم استراتيجيته الشاملة الدولة القومية ، على إنشاء جيش قوي، يكون ذا وزن في الدفاع عن الأمة السورية وحقها في الوجود.

وختم: «إن المشروع القومي النهضوي يتطلب المزيد من التخطيط والإدارة لأننا نخوض نضالاً قومياً تحريرياً في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ أمتنا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى