خنادق البرزاني ولعبة الأقنعة
نظام مارديني
بالتزامن مع عملية ترسيم فعلية لحدود «الدويلة الكردية» المقبلة التي تجري حالياً على الأرض، وتقوم بها فرق فنية متخصصة تعمل بإشراف مهندسين بريطانيين وفرنسيين وأميركيين، بدأ «الإقليم» بحفر خندق لترسيم هذه الحدود، وقد أُنجز من الحفر مسافة تقدَّر بأكثر من 100 كيلومتر تبدأ من حدود قضاء خانقين 175 كيلومتراً شمال بغداد وتنتهي عند ناحية ربيعة بمحافظة نينوى 520 كيلومتراً شمال بغداد، على الحدود السورية ضمن عملية ترسيم فعلية لحدود «الدويلة الكردية» المقترحة، التي ستفجّر حرباً أهلية داخلية بعد ضمّها كركوك النفطية.
التفسيرات «الكردية» التي قُدّمت حول حفر الخندق هي أيضاً أغرب من الخيال، هي بين أقنعة الحقيقة، وحقيقة الأقنعة كما في رواية أمبيرتو إيكو «العدد صفر». ولكن هل يدرك البرزاني أن هوية الجماعات لا تخضع إلى لاهوت الآغوات والسلالات البدائية؟
ورغم مزاعم مكتب البرزاني بأن إقدام الإقليم على حفر الخندق جاء لحماية قوات البيشمركة من هجمات «داعش» إلا أن «لعبة الأقنعة» هذه لن تنطلي على عاقل، لأن ولاء البرزاني وجمهوره هو ولاء مرتبط بفكرة السلاح والسلطة والدم والعرق.. والنفط. كما أن الحفر بذاكرة الماضي لا يمكن أن يصنع مستقبلاً بل ضياعاً وتقوقعاً وقلة حيلة.
إذاً، هي «لعبة الأقنعة» التي يحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني من خلالها التملص من «أزمته الداخلية» المتمثلة بمطالبة الأحزاب الكردية بتنحّي رئيس الإقليم مسعود البرزاني عن الحكم من خلال رفع شعار «الدويلة الكردية» وطرحها كمشروع ذي أولوية للتطبيق خلال الفترة المقبلة، غير أنها تواجه مواقف رافضة من داخل «البيت الكردي»، إذ يقف الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني ضدّ هذا التوجه، بينما تحضر حركة التغيير كوران المعارضة، لتوجيه الأكراد برفض الانفصال من خلال الاستفتاء الذي من المتوقع حصوله العام الجاري 2016.
عكس هذا التطور على «الحدود الوهمية» بين الإقليم والأراضي العراقية صدمة، مما وصل إليه حال البرزاني في تصدّيه للمشروع الوطني الكردي العراقي، وهو أمر سيخلق توتراً كنتيجة طبيعية لـ «المناطحة» المنتظرة بين بغداد وأربيل حول الأرض والحدود والنفط. ولطالما تمدّدت وتوالدت مصطلحات «العركة» أو «النطاح» بينهما حتى صارت «مناطق متنازعاً عليها» و«مناطق مستقطعة» و«مناطق محتلة» و«مناطق مختلطة» وهلمَّ جرّا.
بهذه المواجهة الجديدة بين بغداد وأربيل سيوضع المواطن العراقي تحت مطارق عدة، فيغدو أمره كما يقول المثل العراقي: «يخلص من الطاوه تتلكاه النار»، وهنا الطامة الكبرى الثانية، إذا علمنا أن الطامات الكبرى في العراق ما بعد الاحتلال الأميركي كثيرة.