بعد إعدام الشيخ النمر… إلى أين تمضي المنطقة؟
محمد شريف الجيوسي
شكل «الاعتداء» على السفارة السعودية في إيران، أكثر من فرصة للتصعيد ضدّ إيران، وشيطنتها، بين قطع للعلاقات من قبل دول هامشية أحياناً، ومدرك بعضها لأهمية الرياض لها على صعيد المساعدات والمنح والاستثمارات، وبين استدعاء السفراء وإصدار البيانات المستنكرة لما حدث.
لا شك أنّ الاعتداء على السفارة عمل غير مقبول على صعيد القانون الدولي، وبغضّ النظر عن حالات مشابهة حدثت ولم تقم لها الدنيا أو تقعد، لكن السؤال هل ما حدث كان نتاج قرار إيراني رسمي حتى يواجَه بهذا الحجم من الاستنكار والرفض والتهديد بالويل والثبور، أو كان نتاج ردّ فعل شعبي أهوج غير محسوب تجاه إعدام الشيخ النمر؟
من الواضح أنّ ردّ الفعل تجاه الاعتداء على السفارة السعودية كان أكبر من حجمه ونوعه، وكان من الممكن ضبطه أو تجنّب حدوثه، ولم يكن نتاج ردود فعل شارعية من الصعب احتسابها، وشكل فرصة لتزويق الاختلاف ضدّ إيران وتسويغ الصراع معها وتأجيجه، ودعوة لإعادة النظر في الاتفاق النووي معها، وتصعيداً للحرب ضد اليمن، وفي الطريق لاحقاً تطوير الصراع ضد المحور الذي تشكل إيران جزءاً مهماً منه، والذي يعرف بمحور المقاومة.
لا خلاف على أن قضية إعدام النمر، شأن داخلي في السعودية، ولكن هل كلّ شأن داخلي لا علاقة أو لا انعكاسات إيجابية أو سلبية له على الخارج، لقد حذرت إيران السعودية من مغبة إعدام الشيخ النمر، كما العديد من الهيئات الدولية التي لا علاقة لها بـ»سنة» أو «شيعة» وبعضها جهات صديقة للسعودية.
لكن السعودية أصرّت على تنفيذ حكم الإعدام بالنمر مع 46 آخرين اتهموا بالإرهاب وليس هناك ما يؤكد أو ينفي هذه الاتهامات وفق المعايير الدولية للاتهام والتحقيق وصدور الأحكام القضائية، لكن الذي أثار جهات عديدة ودولاً كبرى وصغيرة، هو تنفيذ الإعدام بالشيخ النمر، باعتبار أنه لم يرتكب فعلاً مسلحاً، وجلّ ما عمله هو التعبير سلمياً عن وجهات نظر تتصل بحقوق وحريات عامة تتعلق بالشعب في السعودية.
وحيث أنّ الشيخ النمر شيعي فقد أثار إعدامه الشيعة على مساحة الكرة الأرضية، وشكل الإعدام استفزازاً غير مطلوب ولا مرغوب وله انعكاسات سلبية على الاستقرار المجتمعي في الدول والمجتمعات الإسلامية، وأشغل الجميع في قضايا جانبية، وحرف البوصلة عن اتجاهاتها الوطنية والقومية والإيمانية الصحيحة.
وحيث أن إيران أعلنت رفضها لحادث الاعتداء وعزمها تقديم المسؤولين عنه الى القضاء، يفترض أن يتوقف التصعيد، بخاصة أنّ السعودية بدأت تعاني منذ فترة، من تداعيات وارتدادات الحرب على اليمن، الأمر الذي ينذر بنتائج غير ملائمة، بالتزامن مع عجوزات مالية بحسب المصادر السعودية ذاتها، وخلافات تحت الرماد بين الأمراء السعوديين، وتراجع نسبي في العلاقة مع الصديقة أميركا، في حين هي تتوطد مع «إسرائيل»، الأمر الذي يثير ردات فعل غير مناسبة للمصالح السعودية حتى لدى المحسوبين عليها، عدا عن أكلاف الدعم الكبيرة لما يسمى المعارضة المعتدلة العاملة في سورية والعراق.
إنّ السعودية التي أرادت بتخفيض أسعار النفط توجيه ضربة لإقتصادات إيران وروسيا وفنزويلا، المخالفة لسياساتها العامة، مجتمعة ومنفردة بخاصة في سورية، بدأت ترتدّ على أوضاعها الاقتصادية هي بأكثر مما ارتدّت على خصومها، فهذه الدول مع أهمية النفط بالنسبة لها، لها مصادرها الاقتصادية الأخرى ولها حلفاء أقوياء اقتصادياً، فيما حلفاء السعودية إما هم في حاجة لدعمها فهم عبء عليها، أو طامعون ببترولها وأسواقها، كالولايات المتحدة وغرب أوروبا، هم خطر عليها.
وفي الواقع ليس للسعودية مصلحة في تصعيد الخلافات مع إيران، التي تتسع دائرة علاقاتها وقوتها متعددة الجوانب، فيما أضحت مصادر قوة السعودية في تراجع واضح في الخارج والداخل، بدخولها في أكثر من دائرة صراع، وهو ما أضحت تعاني من ارتداداته.
لقد كان ممكناً تحاشي إعدام الشيخ النمر، وكان من الممكن الإبقاء عليه حياً بل وإكرامه، وأن يكون مصدر قوة لها لا مصدر ضعف، وعنوان حسن نوايا ومصالحات واسعة تبعد عنها مخاطر هي والمنطقة في غنى عنها، وبخاصة في الظروف الراهنة محلياً وإقليمياً… وبهذا المعنى فقد كان تنفيذ حكم الإعدام، ليس صائباً ولا حكيماً، قد يجر السعودية والمنطقة إلى احترابات جديدة أشدّ قسوة وعنفاً وأكثر تخريباً ودماراً، ودخولها إلى مناطق جديدة، كانت تظن نفسها في منأى عنه، باعتبارها مصدرة وحامية له.
إن ما نقله فلكيون عن أحوال المنطقة، وقد أدمجوا تنبؤاتهم برغباتهم وقراءاتهم السياسية، يثير قلقاً بالغاً، ويعطي نتائج متشابهة إلى حد بعيد رغم تضارب مصادرها وتعددها وتباين نتائجها التفصيلية، من حيث كونها شيئاً كـ ضرب الخيال والجنون وغير المعقول ولا المأمول في آن، لكنها تجمع على حدوث كوارث ونكبات وزوال أنظمة وخرائط جديدة! ما يستدعي الحكمة قبل الإقبال على أي تصرفات قد تودي بأصحابها إلى التهلكة.
بكلمات، ينتظر أعداء المنطقة دخولها مجدداً في حروب لا تبقي، كحرب البسوس والجمل وما أشبه، بعد أن جربوا هم لقرون حروباً أدمتهم كثيراً كحرب الـ 200 عام والـ 70 عاماً، والعالميتين الأولى والثانية، لكنها حروب لم تنفع غيرهم، كحروبنا القائمة والمنتظرة، بل أعطتهم دروساً في توريط الآخرين، بمثلها، وكانت أمتنا ولا تزال ضحايا حروبهم.
m.sh.jayousi hotmail.com