همزة وصل

نظام مارديني

… إذاً ها هو لهيب الحرائق يدخل إلى أحياء مدينة القامشلي في الوقت الذي هي أحوج فيه إلى الوحدة والتكاتف أمام «الدواعش».. وهدف لهيب الحرائق، الذي أسقط الشهيد كابي هنري داوود لم نسمع عن شهداء آخرين من الجهة الأخرى هو إثارة الفتنة بين نسيج المتحد القامشلاوي، والفتنة كما هو معلوم للجميع في مثل هذه الظروف الحساسة لها أبعاد سياسية لا تخدم أحداً، بل ستؤدي إلى توترات ومن ثم إلى مواجهات دموية لن يسلم منها أحد.

المعروف أن قيام قوات «السوتورو» بوضع حواجز أسمنتية لحماية أحيائهم وأهلهم، جاء نتيجة طبيعية للتفجيرات التي ضربت المدينة عشية رأس السنة وذهب ضحيتها عدد من الشباب السريان. غموض تلك التفجيرات وعدم معرفة من قام بها فتح باب الاجتهادات والاتهامات لجهة سياسية الاتحاد الديموقراطي تضع يدها على المدينة بحكم الأمر الواقع، وعلى هذه الجهة السياسية بما لديها من «شرعية» في إدارة ذاتية، التدخل وإنهاء هذه الأزمة التي قد تؤدي إلى تأجيج الشارع وفقدان السيطرة على وضعها الأمني.

منذ انفجار الأزمة في سورية في وقت مبكر أدركنا المخاطر الهائلة من نزعات الفتنة المتعددة الأشكال التي نكبت هذه المدينة العزيزة فأعاقت نهضتها. كما أدركنا العواقب المريرة لبواكير العبث بمثل تلك الموروثات الصدئة في مدينة كانت نموذجاً لكل سورية.

أما اليوم وبعد دخول لهيب النار إلى أعماق حقول القمح ودهاليزها، مصحوبين بشريط طويل من أهازيج «الشعوب» وماراثونات القبائل والملل الحماسية التي تلعب على وتر التوتير الفئوي. ها هو البعض ينساق بغباء ورعونة بطبيعة الحال إلى الفتنة، والبعض الآخر تديرهم أصابع أميركية بهدف خلط الأوراق.

لقد وصل فقدان الثقة إلى مرحلة حرجة على نحو تقاطع فيه السياسي بالاجتماعي: أزمة ثقة اجتماعية بين نسيج المتحد القامشلاوي على مستوى أفقي، وأزمة ثقة على مستوى سياسي بين الفرد والنظام السياسي القائم على أنموذج دويلة الأمر الواقع.

إن هذا العصف الجمعي من الهرولات لنهش بعضنا البعض الآخر والتفنن في تقنية الانتهاكات الهمجية، يشير بوضوح لنوع البضائع التي حصدناها من ذلك الإصرار العضال على دغدغة الغرائز المتدنية للجموع، خاصة بعد أن أتاحت تقنية التواصل والاتصالات وآخر ما تم إنتاجه من منابر سمعبصرية وألكترونية واجتماعية لسدنة هذا الفن الدغدغة الجمعية التي تئن اليوم تحت وطأة الخطابات الطائفية والشوفينية، والتي لا همّ لها سوى بث روح الكراهة والأحقاد ضد الآخر المختلف رطانة وهذياناً. وفي سباق الدغدغة والتعبئة والتجييش هذا، نكون قد ولجنا ببركة هذه الإمدادات إلى حقبة «المواجهات القاتلة» بعد سنوات خمس من الانفلات وخوار القوى ووهن الضمائر والعقول.

خلجة: إياكم والفتنة التي تتسلل إلى مدينة «المواطنة الحاضنة للتنوّع» من متاهات الفقه الدموي الذي يستسقي دماءنا موتاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى