أردوغان… أردوغان: هل بلغتك أخيراً لعنة الشيطان؟

ميشيل حنا الحاج

طباخ السمّ يذوقه. هكذا يقول المثل العربي. والأمثال العربية عادة ما تصاغ على أساس تجارب حياتية للإنسان. وتطبيقاً لهذا المثل العتيد الراسخ على مدى سنوات بين سلسلة الأمثال باللغة العربية، ها هو الرئيس التركي أردوغان، يتذوّق طعم السمّ الذي أراد إذاقته للسوريين وللعراقيين، فأفلت الأمر من يده، حيث أخذ السمّ المتفجر في سورية ينتشر في مدن ودول أخرى، وكان آخرها تركيا، في عاصمتها الاقتصادية والسياحية اسطنبول.

فبعد تفجيرات انتحارية عديدة نفذها منتمون إلى ما يسمّى بتنظيم «الدولة الاسلامية ـ داعش» في عدة دول عربية وأجنبية، ومنها مدن سورية وعراقية ويمنية وكويتية، بل وسعودية أيضاً، كذلك هجمات انتحارية في بيروت وتونس ونيجيريا وفرنسا، إضافة الى تفجير طائرة روسية فوق صحراء سيناء تنقل مواطنين مدنيّين معظمهم من الروس… وصل الأمر أخيراً الى اسطنبول، العاصمة الاقتصادية والسياحية لتركيا، بعد أن كان قد ضرب أنقرة أيضاً قبل عدة شهور، وحصد أكثر من مئة قتيل يومئذ… فالإرهاب قد وصل الى العاصمة الرسمية لسلطنة أردوغان، الذي لم يستمع لكلّ التحذيرات السابقة من كتاب ومحللين ومنهم شخصي المتواضع، الذي حذر مراراً بأنّ شرّ الإرهاب سيطول دولته عاجلاً أو آجلاً، كما طال دولاً أخرى كثيرة.

النتائج الأكثر أهمية لهذا التفجير الأخير في اسطنبول، والذي تسبّب بمقتل عشرة من السياح الأجانب، تسعة منهم ينتمون إلى الجنسية الألمانية، اضافة الى عدد من الجرحى من السياح المنتمين إلى جنسيات مختلفة… أنه شكل ضربة أخرى للسياحة في تركيا بعد الضربة الأولى التي عانى منها اثر القرار الروسي بمنع المواطنين الروس من السفر الى تركيا لغايات السياحة، علماً أنّ عدد أولئك يقدّر بخمسة ملاييين سائح روسي سنوياً.

وكانت «ولاية سيناء الاسلامية» التي تدين بالولاء لتيار الإسلام السياسي المتشدّد، قد وجهت ضربة تكاد تكون قاسمة للسياحة الى الأراضي المصرية، لدى تفجيرها قبل بضعة شهور، لطائرة روسية فوق سيناء، ما أدّى الى مقتل 220 انساناً بريئاً معظمهم من المنتمين إلى جمهورية روسيا الاتحادية، كما أدّى الى اضطرار روسيا وتبعتها دول أخرى لوقف رحلات الطيران الروسي الى مصر. وزاد الأمر سوءاً على السياحة الى مصر، ما تبع ذلك قبل أيام قليلة، من هجمات المنتمين إلى تيار الاسلام السياسي المتشدّد على فندق سياحي في محافظة الجيزة القاهرية، ثم هجمات أخرى بعدها بيومين أو ثلاثة، على فندق سياحي في الغردقة، تسبّبت بإصابة ثلاثة من السائحين الأجانب، وهي الضربة التي شكلت إطلاق رصاصة الرحمة على السياحة في مصر، بعد أن أصابت في مقتل السياحة الى شرم الشيخ المصرية وبعدها في القاهرة. وها هو هذا الانفجار الأخير في اسطنبول، يطلق رصاصة الرحمة على السياحة في تركيا أيضاً، بعد الرصاصة الأولى التي وجهها الحظر الروسي على سياحة الروس الى تركيا.

أردوغان يجني الآن ثمرة ما زرعه من إرهاب ناتج عن إشعال حرب في سورية بالشراكة مع كلّ من السعودية وقطر ودول خليجية أخرى باستثناء سلطنة عُمان، التي يربأ سلطانها «قابوس» عن الولوج في متاهات ما يروّج له سلطان آخر في هذه المنطقة، هو «السلطان» أردوغان، الساعي من وراء ذلك كله، الى تأسيس امبراطورية عثمانية جديدة تذيق سكان المنطقة الأمرّين على شاكلة ما ذاقوه من السطنة العثمانية السابقة من مذابح وإعدامات بالجملة، سواء لقادة عرب، أو للشعب الأرمني الذي شاءت حظوظه أن يقيم بعض منه في أراض خاضعة للسلطنة العثمانية.

فهذه الحرب التي جرت محاولات تبريرها بذريعة تفادي السعي لتأسيس هلال شيعي في المنطقة يعادي المنتمين إلى الطائفة السنية، قد تحولت تدريجياً الى ماكينة لتفريخ المجموعات الإرهابية التي انتشرت هنا وهناك، فوصلت الى تونس وليبيا واليمن بل والى أفغانستان أيضاً كما تقول آخر التقارير ، إضافة الى فرنسا ودول أوروبية أخرى، بل وإلى أميركا أيضا على شاكلة ذئاب منفردة عكسها تفجير بوسطن في عام 2013، ثم الهجوم قبل شهرين في «بيرناردينو» أحدى مدن ولاية كاليفورنيا الأميركية، حيث قتل 14 مواطناً أميركياً وجرح آخرون على يد اثنين من الذئاب المنفردة المغرّرة بالأفكار الداعشية، رغم عدم انتمائها فعلياً إلى التنظيم.

ومما يزيد في الطامة الكبرى التي سعى اللاعب بالنار السلطان كي لا أقول الشيطان أردوغان الى إشعال حممها، أنّ الأزهر الشريف لا يفعل شيئاً جدياً لتكذيب دعوى أولئك المبشرين بالإسلام الجديد الذي شجعت الوهابية عليه ابتداء، وساعدت الأردوغانية على انتشاره لاحقاً، بفتحها حدود تركيا أمام الوافدين للقتال في سورية حيث توجد آلة تفريخ الإرهابيين.

ففي حوار أجرته احدى القنوات التليفزيونية مع وكيل الأزهر، رفض الأخير المطلب بأن يلجأ الأزهر الى تكفير أولئك الذين تبنّوا نهج الاسلام المتشدّد الذي يكفّر كلّ من يخالفه. وقال إنّ الأزهر قد أدان وشجب الأعمال التي ينفذها أولئك، الا أنه لا يستطيع بلوغ مرحلة تكفيرهم، لأنّ للتكفير أصولاً وقواعد، فلا يجوز استخدامها عبثاً وبدون دراسة كافية. ولكن اذا كان الأزهر لا يريد تكفيرهم، فانّ الأجدر به على الأقلّ، ألا يكتفي بإدانة أعمالهم، بل يجدر به أن يخطو خطوة أكثر أهمية وجدوى من مجرّد الشجب والإدانة، وهي القاء محاضرات ودروس دينية عبر وسائل النت والإذاعات وقنوات التلفزيون العديدة المتوفرة، تشرح للمسلم المخدوع، والذي غسل دماغه، بأنه لن يذهب بالضرورة الى الجنة التي يعدهم بها محرّضوهم، وأنّ مصيرهم على الأرجح الى النار، لقتلهم أبرياء لا حول لهم ولا قوة.

فالدروس التي يتلقاها الانتحاريون وتؤدّي الى غسل أدمغتهم، تفيدهم بأنّ موتهم في عملية انتحارية أو بهجوم إرهابي، سوف يحملهم فوراً الى الجنة، حيث أنهار من العسل ولا أقول الخمر المباح ، إضافة الى وجود سبعين حورية كما يُقال ويُشاع بانتظارهم. ولكلّ من هذه الحوريات، سبعون وصيفة كلّ منهن بجمال الحوريات وأكثر. وكلهنّ سوف يكنّ ملك يمينهم يفعلون بهنّ ما يشاؤون. وأغرب ما في الأمر، أنّ أولئك الأبرياء، نتيجة غسل أدمغتهم على مدى أيام طويلة، يقتنعون بهذا الادّعاء، وتتشكل لديهم قناعة بأنهم عندما يفجرون أنفسهم، لا يموتون، يل يولدون، وينتقلون من الأرض الى الجنة، حيث تنتظرهم كلّ تلك الحوريات والوصيفات، فكأنّ الجنة انْ هي الا موقع للنشاط الجنسي المتواصل ليلاً ونهاراً.

ألم يحن الأوان أيها الاخوة في الأزهر، لأن تقدّموا لأولئك المنتحرين الصورة الحقيقية للجنة. فالجنة في تصوّر العقلاء من المؤمنين، هي موقع للسلام والسكينة والمحبة والراحة النفسية… لحبّ الخير، لا حبّ الجنس والانغماس فيه، كما يحاول التكفيريون والمتشدّدون المتطرّفون أن يصوّروها لأولئك المنتحرين الأبرياء.

فلو تلقى أولئك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكلّ ما توفره الشبكة العنكبوتية من وسائل، إضافة الى وسائل النشر الأخرى، دروساً تفيد بأنّ المؤمن الصحيح عندما ينتقل الى العالم الآخر، فانه ينتقل الى عالم تعيش فيه ملائكة لا تعرف الرذيلة أو الشهوات الدنيوية وأهمّها الرغبات الجنسية… بل ينتقل الى عالم من السكينة، والنفس الهادئة الساعية إلى الخير والتعبّد، لا الى قتل الأبرياء. كما أنّ مهمة الحوريات انْ وجدن، فهي مساعدته على تعلّم حبّ الخير وممارسته، فلا ينغمسن قط بأعمال أو أفعال أخرى دنيوية، كتلك التي يبشرون بها المنتحر، مما يدفعه إلى الاستعجال في قتل الآخرين، طالما أنّ ذلك سينقله الى عالم آخر فيه كلّ تلك الملذات والمغريات.

والواقع أننا اذا تصوّرنا الجنة بأنها مسرح للشهوات والملذات، فإننا عندئذ لا نميّزها عن الأرض المليئة بالشرور والموبقات. إنها موقع للخير والمحبة النقية، وليست صورة أخرى، للأرض المليئة بالجريمة والفساد والشرور والشهوات واغتصاب حقوق الآخرين.

يوم الاثنين، الحادي عشر من كانون الثاني، استضافتني قناة «بي بي سي» العربية، لأعلق على مؤتمر لمكافحة الإرهاب عقد في لاهاي هولندا. وضمّ المؤتمر 250 مشاركاً من عدة دول منهم 20 سياسياً على مستوى وزاري، كما ضمّ مندوبين عن الأجهزة الاستخبارية المعنية بمكافحة الإرهاب، ومندوبين من الانتربول، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، اضافة الى مشاركة واسعة من مندوبين يمثلون التحالف الأميركي لمكافحة الإرهاب، ولكن بدون أيّ مشاركة من روسيا التي تقود تحالفاً آخر لمكافحة الإرهاب.

وكان السؤال الموجه اليّ، ما اذا كنت أعتقد بأنّ مؤتمراً كهذا سوف يكون فاعلاً بعدم مشاركة روسيا فيه. وكان ردّي بطبيعة الحال، أنه لن يكون فاعلاً الا بتضافر جهود الجميع على مكافحة ذاك الإرهاب، لأنّ التنافس بين الطرفين ربما ساعد قليلاً في تحجيم داعش، لكن التعاون والتضافر يظلّ أفضل كثيراً. واستخلصت بأنّ كلّ المؤتمرات لن تستطيع مكافحة هذه الجرثومة كما وصفها وزير خارجية هولندا ، طالما أنّ حدود تركيا لما تزل مفتوحة ولو جزئياً لعبور المقاتلين الى سورية والعراق.

للأسف لم أستطع قول المزيد لأنّ الوقت المحدّد لفقرتي، قد اقتصر على دقيقتين فقط. فكم كنت أتمنى أن أضيف ما ذكرته للتوّ عن ضرورة تفعيل دور الأزهر الشريف أيضاً في مكافحة الإرهاب. فدروس من الأزهر مخالفة للدروس التي تحشر في أدمغة أولئك المنتحرين، ونافية لصحة ما يتلقونه من دروس وتعاليم بأنهم لدى موتهم منتحرين… منفذين لعمل كهذا يؤدّي الى مقتل أبرياء، ومؤكدة لهم بأنهم لن يذهبوا الى الجنة كما قيل لهم، بل ذلك العمل يؤدّي بهم الى الجحيم على الأرجح. فالله قد حرّم قتل النفس. والجنة هي موقع للسكينة وطمأنينة النفس، وليست موقعاً لمن قتل أبرياء، فيكافأ على قتلهم بحوريات ووصيفات يشبعن رغباتهم الدنيوية التي تتصل بالحاجات البشرية. فلا يمكن للجنة أن يكون فيها رغبات واحتياجات دنيوية كهذه، لأنها موقع للخير وللتعبّد… ولا شيء أكثر.

آمل ألا يعتقد البعض بأن كوني مسيحياً نتيجة ولادتي في عائلة مسيحية، هو ما يدعوني الى قول ذلك. فأنا بعيد عن ذلك تماماً، ونادراً ما أشارك في أية مناسبات دينية. وكان آخرها منذ عام وأربعة شهور عندما دخلت الى الكنيسة للمشاركة في تشييع جثمان زوجتي التي انتقلت الى العالم الآخر، مع ثقتي بأنه عالم فيه خير وسكينة ومحبة، لا مكان فيها للقتلة والمجرمين. فالديانات المؤمنة باله واحد كالاسلامية والمسيحية وغيرهما من الديانات الموحدة، لا يمكن أن تقول بأنّ جنة الله هي المكافأة التي تتلقاها «الجرثومة» المنتمية الى حركة إرهابية، لقاء قتلها الأبرياء من الناس. فهولاء مصيرهم الى الجحيم وبئس المصير، حيث لا توجد حوريات ووصيفات، بل شياطين تذيقهم مرّ الألم الذي أذاقوه للآخرين.

ولكني أودّ أن أن نوّه هنا بأنّ هذا القول لا يشمل الاستشهاديين الفلسطينيين. فأولئك ليسوا قتلة، بل مقاتلين يسعون لتحرير بلادهم من غاصب صهيوني أذاق احتلاله لبلادهم، المرّ للشعب الفلسطيني الواقع تحت نير هذا الاحتلال. فهو على أرض الواقع، لا يقتل أبرياء، بل يقاتل ويقتل قتلة لأبرياء من شعبه… دفاعا عن أبناء بلده فلسطين. فهي اذن حالة من حالات الدفاع عن النفس، عن الشعب الواقع تحت نير احتلال غاصب، وحالات الدفاع عن النفس، هي حالات تبرّرها القوانين في كلّ دول العالم.

ـ عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية THINK TANK

ـ عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين

ـ عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن

ـ عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية

ـ عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى