قالت له
قالت له: أراك بعيداً رغم قربك، فهل فرّقت بيننا امرأة؟
فقال لها: ومن هي التي ستملك ما عندك لتشغلني عنك؟
فقالت: ربما لأنها لا تشكّل فسحة بساطة وتعطيل للعقل والحواس، أو لأنها لا تشكّل فرصة لتغيير المذاق؟
فقال لها: ليس الحبّ انتقاء وجبة طعام جديدة لكلّ يوم، ولا تزييناً لمائدة بتعدّد الأطباق، بل هو وجبة مستمرّة مدى الحياة، نختارها مرّة وندمنها بالتقسيط. ومتى تنوّعت مذاقاتنا ضاعت مشاعرنا وتاهت روحنا وفقدنا القيمة الأهمّ من الحبّ، وهي متعة التكرّس والإحساس بنبض الحبيب فرحاً وحزناً وتشارك الهمّ والغمّ والإنجاز معه.
فقالت: ومتى وقع الملل؟
فقال لها: ينكشف عندئذٍ الخلل، لأن الحبّ يصير بحثاً عن رغبات لا تلبية لحاجات وترفاً بلا التزامات.
فقالت: لكنك تراه بديلاً من حرّية تخنقنا بدونها الحياة.
فقال: لهذا، لا يوجد الحبّ الكامل ونادراً ما يوجد الحبّ الكبير. لأننا نشعر بالحبّ ونتغيّر وتتغيّر مكوّناتنا وشخصياتنا. ومن يضمن ألّا يتغيّر الحب معنا؟ فنبقى نقاتل لنمنحه الثبات وتلك بداية النهاية ومقاومة للموت. وكثير من الحبّ يموت ويبقى ظاهره حيّاً.
فقالت: إن كنت تشعر بشيء من هذا فلِمَ لا تصارحني؟
فقال: أعدك بذلك عندما يحصل، لكنني ما زلت في بداية الوجبة معك ولا مانع من أن يكون شقّها العسير على الهضم هو البداية، وأن أتفاءل بما سيليه.
فنظرت إليه باستعلاء وبعض من غنج الأنوثة… ومشت.