«جنيف 3»… الرؤية الواضحة ووقائع الميدان
معن حميّة
قبل حلول تاريخ الخامس والعشرين من كانون الثاني 2016، موعد انعقاد «جنيف 3»، تكون قد تشكلت مشهدية جديدة على صعيد الميدان في سورية، تتجلى بإحكام الدولة السورية سيطرتها التامة على مساحات واسعة ومناطق استراتيجية، بما يعنيه ذلك، من إحراق وتلف أوراق، آثرت الدول الداعمة للإرهاب استخدامها مؤخراً من أجل تأمين مشاركة المجموعات الإرهابية في لقاءات الحلّ السياسي للأزمة السورية.
واللافت، أنّ عمليات الجيش السوري التي يحكم بها السيطرة على الأرض، تتسم بالتخطيط الدقيق، ومحسوبة النتائج على المستويين السياسي والاستراتيجي. ولعلّ معركة ريف اللاذقية، وتحديداً إتمام السيطرة على المنطقة المسمّاة «جبل الأكراد» وضمنها «سلمى» والاقتراب من السيطرة على ما يُسمّى منطقة «جبل التركمان» وضمنها» ربيعة»، هي من المعارك المفصلية، نظراً لأهمية الموقع الاستراتيجي لهذه المناطق، إذ إنها تتاخم لواء الاسكندرون السليب الذي تحتله تركيا، وتُعَدّ سيطرة الجيش السوري على هذه المناطق، كما تقدّمه السريع في أرياف حلب، إنجازاً كبيراً، يُعطّل إلى حدّ كبير، الدعم اللوجستي الذي توفره تركيا للمجموعات الإرهابية على تنوّع تسمياتها، ويُبطل مفاعيل الدعوات التركية لإقامة مناطق عازلة، بحيث تكون بمثابة غابات خلفية لتركيا يسكنها وحوش الإرهاب.
ولعلّ تركيا التي كانت قبل واقعة إسقاط «السوخوي» الروسية، تضع خطوطاً حمراء أمام أيّ تقدّم للجيش السوري باتجاه مناطق سورية معينة، باتت اليوم تفتقد هذه الورقة، فقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 واضح بشأن تأكيد وحدة سورية واحترام سيادتها، والمؤازرة الروسية للجيش السوري جواً، تتمّ وفقاً لم تطلبه الدولة السورية من أجل بسط سيادتها على أراضيها ودحر الإرهاب. وبالتالي فإنّ أيّ محاولة تركية لانتهاك السيادة السورية عبر التهديد أو عبر التدخل، سترتدّ سلباً على تركيا، وعلى مختلف الصعد، لأنها تُعَدّ تجاوزاً لقرار مجلس الأمن الدولي، وتكراراً لفعل الغباء التركي بإسقاط «السوخوي» الروسية. لذلك، فإنّ الموقف التركي سيقتصر على تصريح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي اتهم روسيا الاتحادية بالسعي لإقامة دويلة اللاذقية، والذي لقي رداً حازماً وسريعاً من مصادر روسية.
إذن، الدولة السورية تذهب إلى «جنيف 3» برؤية واضحة لكيفية وطبيعة الحلّ السياسي، ومتسلحة أيضاً بما حققه الجيش السوري من إنجازات حاسمة، في أرياف اللاذقية وحلب وحماه ودرعا، وما سبق ذلك، من إنجاز القضاء على مجموعة التحكم والسيطرة التي كانت تقود ما يُسمّى «جيش الإسلام الإرهابي» في ريف دمشق. وهي إنجازات أحرقت معظم الأوراق التي تمتلكها دول العدوان الإقليمية والعربية وكانت تحاول وضعها على طاولات الحوار بشأن الحلّ السياسي.
وإذا ما عُقد «جنيف 3» في 25 الحالي، فإنّ ظروفه تختلف عن الظروف التي انعقد في ظلها «جنيف 1» و»جنيف 2»، ولقاءات فيينا، ويعتقد المتابعون أنّ «جنيف 3» ربما يشكل نقطة الصفر والبداية في مسار بلوغ الحلّ السياسي، بعد أن تمّ تعطيل الكثير من الألغام المتفجرة التي تضعها القوى الراعية والداعمة للإرهاب، خصوصاً أنّ روسيا الاتحادية تدعم بقوة الموقف الرسمي السوري الرافض إشراك أيّ مكوّن من مكوّنات الإرهاب في الحوار السياسي، لا سيما تلك المكونات الإرهابية التي خرجت من رحم اجتماع الرياض لما سُمّي بالمعارضة السورية.
وما هو مرجّح أن تكون مرتكزات «جنيف 3»، إدانة واضحة للإرهاب والتطرف، وهو الشرط الأساس الذي تمسّكت به الدولة السورية قبل أن تذهب إلى «جنيف 1». فمخاطر الإرهاب لم تعد تقتصر على سورية والعراق وبعض دول المنطقة، بل باتت تشكل تحدّياً لكلّ دول العالم، لا سيما الغربية منها وبالتالي فإنّ بعض هذه الدول التي رعت الإرهاب ودعمته وأسبغت عليه صفة «الثورة»، ربما تجري مراجعة دقيقة لسياساتها في هذا الصدد، وهذا حكماً ينعكس على مسار «جنيف 3» ونتائجه.
التحديات الإرهابية التي تجاوزت سورية، والتي ينعقد في ظلها «جنيف 3»، قد تجعل من هذا المؤتمر محطة انطلاق باتجاه ما اصطلح على تسميته «الحلّ السياسي» لإنهاء الأزمة السورية، وقد يتمّ التوصل إلى آلية تدفع بهذا الاتجاه وحلحلة تعقيدات كانت تفرضها الدول التي ترعى الإرهاب وتدعمه، خصوصاً أنّ رعاة الإرهاب خسروا في الآونة الأخيرة أوراقاً كثيرة. وباتوا أكثر اقتناعاً من أيّ وقت مضى، أنّ «الحلّ السياسي» للأزمة السورية، في ظلّ ما تحققه الدولة السورية من تقدّم وإنجازات في مواجهة الإرهاب، سيكون بمثابة الاسم الحركي الذي يُسبَغ على الإقرار بانتصار سورية في الحرب على الإرهاب ونجاحها في إسقاط المؤامرة التي استهدفتها.
لا شك في أنّ الدول التي دعمت الإرهاب وشكلت حواضن له، سترفع من منسوب الكلام عن سيناريوات «الحلّ السياسي»، بزعم انه يقوم بناء على شروط مسبقة توضع على الدولة السورية، وبمرحلة انتقالية تحقق لما يسمّى المعارضة نصراً معنوياً، لكن هذه السيناريوات ليس لها أيّ أساس، حتى وإنْ صدرت عن الأميركي أو عن أيّ دولة أخرى. فالدولة السورية التي صمدت في وجه أشرس مؤامرة إرهابية كونية، لن تمنح أعداءها فرصة الانقضاض عليها مجدّداً باسم «الحلّ السياسي».
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي