معن بشّور في حديث إلى «البناء» و«توب نيوز»: الحراك الشعبي الفلسطيني الذي يواكب المواجهة العسكرية سيفاقم مأزق العدوّ وسيحقق الإنجازات

حاورته: روزانا رمّال

تشهد فلسطين اليوم أن حروب الالتفاف قد فشلت… فلا سورية سقطت ولا المقاومة حوصرت ولا العراق يبدو ذاهب إلى التقسيم، وتبدو الصورة بعد التسليم الغربي لمكانة جديدة لإيران في معادلات العالم والمنطقة، علامة على زمن «إسرائيلي» قاتم. وها نحن الآن أمام الاشتباك الكبير والانتفاضة الأهم، وربما نحن على موعد مع التاريخ.

المناضل معن بشور، رفيق فلسطين وعشيقها، ورفيق درب قائد ثورتها ومؤسس سلتطها ياسر عرفات، حلّ ضيفاً في حوار مشترك مع «البناء» وقناة «توب نيوز»، وبدأ حديثه بتوجيه تحية إلى مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الزعيم الشهيد أنطون سعاده في ذكرى استشهاده، معتبراً أن لذكرى استشهاده أهمية خاصة، كونها تأتي في ظل ما تشهده فلسطين.

يتحدّث بشور بمرارة كبيرة عن أحوال الأنظمة العربية، لافتاً إلى أن بعض الأنظمة تخلت عن فلسطين وتخاذلت مع حراك الشعوب وحرفته عن وجهته الأصلية، ووجّهته نحو حروب أهلية وتدخّل أجنبي، مؤكداً أن ما يجري اليوم في فلسطين، ربما سيحقق إنجازات للشعب الفلسطيني، في حين أن العدو «الإسرائيلي» متخوّف من أن تنصر المقاومة في لبنان المقاومة في فلسطين ويصبح هو بين فكي كماشة، مشيراً إلى أنه من الظلم أن نحاسب الشعب الفلسطيني على سلوك تنظيم معين.

ويؤكد بشور أن مصر حتماً مدفوعة إلى إعادة العلاقات مع غزّة وإلى نصرة فلسطين، وبالتالي لن تقبل بهذا العدوان وستضغط لوقفه.

وجّه الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي معن بشور تحية إلى مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الزعيم الشهيد أنطون سعاده في ذكرى استشهاده قائلاً: «أتوقف عند مناسبة عزيزة على كل مواطن وكل وطنيّ، وهي مناسبة استشهاد مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الشهيد الكبير الزعيم أنطون سعاده، ونحيّي روحه ونقول إن الدماء التي تسيل اليوم في فلسطين هي تحية له ولأمثاله من الذين قدّموا حياتهم من أجل فلسطين وقضية الأمة في كل مكان، وربما ذكرى استشهاده التي تصادف في هذه الأيام، تكتسب أهمية خاصة لأنها تأتي في ظل ما تشهده فلسطين».

مضيفاً: «أنا من الذين يعتقدون أن الزعيم أنطون سعاده هو شهيد فلسطين، وقد جاء إعدامه بعد سنة ونيف على قيام الكيان الصهيوني وعلى حرب فلسطين الأولى حرب 1948 كنوع من العقوبة لدور القوميين الاجتماعيين في تلك الحرب وللدماء التي قدّموها وللشهداء الذين ارتقوا في ميادينها».

ولفت بشور إلى أن فكرة وحدة سوريا وفكرة القتال في فلسطين التي رافقت الحزب الذي أسسه الزعيم أنطون سعاده، كانتا وراء استهدافه، وكانتا وراء التواطؤ، خصوصاً من قبل حسني الزعيم في دمشق الذي سلّمه إلى السلطات اللبنانية التي عاجلت إلى محاكمته وإعدامه في ساعات، في مشهد مخالف لكل التقاليد اللبنانية، ناهيك عن التقاليد القضائية، ما يدل على أن صفقة ما عقدت آنذاك، أو مؤامرة شبيهة بتوقيع حسني الزعيم على الهدنة مع العدو «الإسرائيلي»، وبتوقيعه على اتفاقية شركة التبلاين، وكانا توقيعين مستعصيين على العدو «الإسرائيلي».

بالحديث عن فلسطين… هل ستطول الحرب برأيكم وكيف ترون المشهد؟

بالتأكيد في فلسطين هبة عارمة تتطوّر وتتدحرج نحو انتفاضة عارمة لا تشمل فقط الضفة والقدس، إنما تشمل أيضاً أراضي 1948 المحتلة. وهذه الانتفاضة أيضاً تتدحرج نحو مواجهة عسكرية بين العدو الصهيوني والمقاومة في غزة، وللمرة الأولى يجتمع في وقت واحد حراك شعبي بحجم هذا الحراك، ومواجهة عسكرية مثل التي تشهدها فلسطين الآن.

في السابق، كان هناك حروب في غزة، ولكن لم يكن هناك حراك شعبي يواكبها في مناطق أخرى في فلسطين، وكانت هناك انتفاضات تجري لكن من دون حراك عسكري كما يحصل الآن.

أما الآن، فالحدثان يحصلان معاً. وأعتقد أن هذا سيفاقم مأزق الكيان الصهيوني الذي سيدخل في مأزق الانقسام التاريخي والاستراتيجي السياسي والاقتصادي الذي يجعله مرتبكاً في كل خطواته. هل يتقدّم عسكرياً أم لا، هل يتقدّم برّياً أم يكتفي بالضرب الجوّي، هل يواجه ما يواجهه على امتداد فلسطين من حراك وانتفاضات، وكيف يعيد بناء قوته الرادعة التي دخلها التآكل كما قال نائب وزير الدفاع «الإسرائيلي»، وكيف يحول دون هذا الانفجار الشعبي الذي قال عنه رئيس الاستخبارات «الإسرائيلي» السابق إنه خطر على الكيان الصهيوني أكثر من المفاعل النووي. إذاً هناك مأزق «إسرائيلي»، وما نراه اليوم، لوحة ينمو فيها المشهد الفلسطيني ويتقدّم، ويتفاقم فيها المشهد الصهيوني.

هل تعتقدون أنّ هذا الحراك الشعبي سيستمرّ، أم هو من الصولات والجولات التي كنّا قد شهدناها في فلسطين والتي غالباً لا تفيد الشعب الفلسطيني؟

مما لا شك فيه أن ما يجري غير مسبوق، وهو بالتأكيد خطوة متصاعدة في مسيرة النضال الفلسطيني، وإذا تحدّثنا عمّا يسمى بالثورات العربية، أعتقد إن ما يجري الآن في فلسطين تصحيح لمسار علّقنا عليه الآمال. ولكن وجد من يحرّف هذا المسار إلى مسارات مخالفة لأهدافه الحقيقية. والأنظمة تخلت عن فلسطين وتخاذلت مع هذا الانفجار أو الحراك، وحرّفته عن وجهته الأصلية ووجهته نحو حروب أهلية وتدخل أجنبي. وأعتقد أن ما يجري الآن في فلسطين فرصة لتصحيح المسار لردّه إلى وجهته الحقيقية كحراك في وجه الاستعمار.

ما الذي يدفعكم إلى هذا النوع من التفاؤل… هل ثمّة دلالات مختلفة عن السابق؟

ما يدفعني أنّ المسار الذي انحرف بالحراك الشعبي العربي قد يصل إلى نهايته لأن المواطن العربي بات مدركاً أن ما بدا مطالب مشروعة، طغت عليه أجندات مشبوهة. وما بدا أنه حراك سلميّ، طغت عليه العسكرة المغذّاة من الخارج، وما بدا حراكاً وطنياً، تحول إلى مذهبيّ. فهنا اعتقد إن ما يجري اليوم في فلسطين ربما سيحقّق إنجازات للشعب الفلسطيني، خصوصاً إذا صمّمت القيادات المعنية في فلسطين على فهم حقيقة ما يجري، وارتقت إلى مستواه، واعتقد أننا سنحقق إنجازات هامة للشعب الفلسسطيني، ونحن في لبنان مررنا بحروب، وبعد كل حرب يجري تفاهم ما غير مكتوب، ولكن بعد تفاهم الـ 1993 وتفاهم نيسان 1996 إلى أن وصلنا إلى التحرير عام 2000، وكانت المقاومة تحقق في كل تفاهم إنجازات معينة ومسافة أقرب إلى التحرير، وأعتقد أن في فلسطين سيتكرر السيناريو ذاته، بمعنى أن المقاومة اللبنانية بمفردها كانت تعبّر عن شريحة كبيرة من اللبنانيين على رغم الحرب الداخلية، واستطاعت بكوكبة من مجاهديها أن تحقق التحرير والانتصار، فكيف بالشعب الفلسطيني الآن كله موحد وهو مهيأ لأن يحاصر العدو فيستطيع أن يحاصره بالقدس ومقدساتها وبالعنصرية وممارساتها في فلسطين 48، ويحاصره بالمغتصبات التي ينشئها بشكل معاكس لكل القرارات الدولية، ويحاصره بالحصار المفروض على غزة.

في ظلّ انسداد طريق المفاوضات بالملف الفلسطيني، ماذا عن الداخل الفلسطيني وتعاطي الفصائل الفلسطينية مع هذا المستجدّ المهم؟

هناك انسداد في المفاوضات لأن ما يريده «الإسرائيليون» لا يمكن أيّ فلسطيني أن يعطيه، وما يريده الفلسطينيّ من الصهاينة لا يمكن لأيّ صهيوني أن يعطيه. قرّر رابين مرّة أن يعطي وديعة لسورية حول مسألة الجولان، فاغتيل بعد أسابيع، لذلك أقول إنّ أفق المفاوضات مسدود.

لاحظنا أن القضية الفلسطينية لم تعد تحتل الحيّز الأساس في المشهد العربي، هل تعتقدون أن فلسطين تستطيع أن تستعيد المشهد نحوها وتدفع الجميع إلى الالتفاف حولها؟

المشهد الذي يدلّ على خفوت القضية وتراجعها، مشهد مصطنع إعلامياً، وما كنت ألمسه طوال هذه السنوات عندما أزور أيّ بلد عربي، أجد أنّ فلسطين ما زالت في القلب وفي الوجدان وفي ضمير أبناء العالم العربي، وبعد سنة من الثورة في تونس ذهبت إلى هناك ورأيت الاحتفالات من مؤيدي الحكم ومعارضيه، ورأيت الجميع يجتمعون حول فلسطين.

أصبح موضوع الحركات الفلسطينية لدى بعض الناس غير محبّب، فكيف تردّون على هؤلاء؟

الشعب الفلسطيني أكبر من أيّ تنظيم وأكبر من أيّ قيادة ومن أيّ سلوك، ومن الظلم أن نحاسب الشعب الفلسطيني على أساس تصرّف فرد من هنا وفرد من هناك، واليوم هناك قوة أمنية شكّلتها الفصائل لضبط الأوضاع الأمنية في مخيم عين الحلوة، وأعتقد أنها هدية يقدّمها فلسطينيو لبنان لأهلهم في الداخل لأن كل مساهمة لضبط الوضع في لبنان هي خدمة للشعب الفلسطيني.

تحدثت بعض المصادر الأمنية منذ أيام عن احتمال أن يسستغل بعض الخارجين عن مجموعات معينة ما يجري في الأراضي المحتلة لإطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو الأراضي المحتلة، ففي زمن «داعش» هل من الممكن أن تُستغل هذه القضية من خارج الحدود؟

أعتقد أن الحدود الجنوبية هي الآن بأمرة معادلة ذهبية تتمثل بالجيش والشعب والمقاومة، وبالتالي أيّ خطوة على الجبهة الجنوبية ستكون في إطار هذه المعادلة، ولا أعتقد أن صاروخاً من هنا وصاروخاً من هناك سيؤثران على هذه المعادلة، والصهاينة أنفسهم ليسوا في وارد فتح جبهة جديدة في جنوب لبنان وهم متخوّفون أن تنصر المقاومة في لبنان المقاومة في فلسطين، ويصبحوا بين فكّي كماشة.

إلى ماذا تدعو الفصائل الفلسطينية والحركات الشبابية؟

أعتقد أننا سنشهد منذ اليوم تعبيرات شعبية من هنا وهناك، وشهدنا أمس وقفة تضامنية في الإسكوا، وندعو الجمعيات والأحزاب إلى وقفات تضامنية مع فلسطين، لإعلاء الصوت ولنقول للفلسطينيين إننا معهم ولم نتخلّ عنهم.

ما هو موقفكم من الرئيس السيسي بالنسبة إلى فلسطين؟

أنا أؤمن بـ«مصر ثورة يناير» التي بالتأكيد ستكون أقرب إلى مبادئ مصر التاريخية، ومصر حتماً مدفوعة إلى إعادة العلاقات مع غزة ونصرة فلسطين ولن تقبل بهذا العدوان وستضغط لوقفه.

هل أنتم متخوّفون من تقسيم العراق ومن امتداد «الدولة الإسلامية»؟

منذ احتلال العراق ونحن نحذّر من المشروع الصهيو ـ أميركي الرامي إلى زرع الفتن في العراق. وكنا ندرك أن لهذا الاحتلال مشاريعاً في المنطقة ابتداءً من العراق وأبرزها التقسيم. الفتنة الطائفية قد تزدهر لفترة من الزمن، لكن لا مكان لها بين عشائر العراق، ولن تنجح أي محاولة لتقسيم العراق. فالمجتمع العراقي متدين لكنّه غير متعصّب، والشعب العراقي هو الأقدر على معالجة هذه الظواهر سواء أخذت شكل تنظيمات تكفيرية أو شكل ميليشيات طائفية، فكلاهما خطر على مستقبل العراق ووحدته وعروبته.

يبثّ هذا الحوار كاملاً على شاشة «توب نيوز» عصر اليوم عند الساعة الخامسة مساءً على التردّد 12034

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى