جعجع… على حافة الهاوية في لعبة الخيارات الرئاسية
هتاف دهّام
يمثل وصول رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، بالنسبة إلى رئيس حزب القوات سمير جعجع تحطيماً لطموحاته كلّها، السياسية منها وغير السياسية. لا يشكل وصول زعيم بنشعي هزيمة له على المستوى السياسي والشخصي فحسب، إنما نهاية لأحلامه السياسية كلّها مع خروجه من السجن بقرار العفو الذي صدر عن المجلس النيابي العام 2005.
عشرة أعوام من التحالف بين جعجع وتيار المستقبل، تعني عشر سنوات من التحالف مع أكبر ممثل للطائفة السنية في لبنان، وعشر سنوات من التفاخر بأنّ سنّة لبنان معه، تركوا العروبة والإسلام وأتوا مسرعين إلى لبنان أولاً، عشر سنوات ترسّخت لحظاتها الأولى عندما وقف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في مجلس النواب رافعاً علامة النصر إلى جانب النائبة ستريدا جعجع، بعد إقرار قانون العفو عن زوجها. عشر سنوات من عمر 14 آذار وثورة الأرز يعتبرها رئيس القوات ذروة إنتاج حياته السياسية وتقديم نفسه كـ»زعيم وطني كبير» عابر بتحالفاته للطوائف وعابر للجغرافيا اللبنانية. عشر سنوات من انفتاح قائد معراب على العالم العربي كواحد من «كبار زعماء لبنان»، بعد أن كان عميلاً يرفض هؤلاء العرب أنفسهم حتى التلفظ باسمه. عشر سنوات مع المال السعودي الوفير والمال الكويتي والقطري وزياراته برفقة زوجته جعجع إلى القادة والأمراء الخليجيين. كلّ ذلك يجعل جعجع يعتبر أنّ وصول «بيك بنشعي» إلى الرئاسة هو نهاية الحلم لهذه الإنجازات، ولما يمكن أن يتحقق بعد ذلك.
إنّ الأضرار التي من الممكن أن تقع على حزب القوات مع ترشيح عون، في حال أصرّ الحريري على خياره، هي أقلّ بكثير من أضراره مع فرنجية، ولذلك لا يزال جعجع مقتنعاً أنّ بإمكانه تعطيل خيار فرنجية بخيار عون، وعندها يذهب الآخرون مرغمين إلى خيار ثالث.
إذا ساءت الأمور إلى الحدّ الأقصى وبقي الحريري على إصراره، فإنّ لدى جعجع مجموعة من المبرّرات والاعتبارات الصلبة التي قد تجعله جدّياً يفكر بعون كخيار نهائي. هذا الأمر له علاقة بسلسلة معقّدة ومترابطة من التبريرات، فرئيس القوات يرى «أنّ منع معركة ترشيح الحريري لفرنجية هو معركة حياة أو موت، يخوضها بهذه القناعة ومن هذه الخلفية وبهذا الإيمان، ولذلك فإنّ مجموعة من الهواجس والاعتبارات تدفعه للذهاب إلى ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.
ما يقلق معراب حجم تمسك بيت الوسط بخيار بنشعي وإصرار الحريري على هذا الخيار، لذلك يسعى جعجع لإحداث حدّ أقصى موازٍ إما لصدم الرئيس الحريري بالرأس علّه يستفيق أو لقلب الطاولة على رؤوس الجميع، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا أعلن سحب ترشيحه وتبنّى ترشيح جنرال الرابية.
يعيش رئيس القوات في وضع لا يُحسَد عليه، حيث وجد نفسه في موقف يجب عليه الاختيار بين السيّئ والأسوأ بالنسبة له، فالنزاع المحموم على الساحة المسيحية واستقطاب الرأي العام المسيحي ورغبة جعجع بوراثة ما استطاع من الجمهور البرتقالي وكوادره ومناطق نفوذه، والعمر الافتراضي للجنرال عون مقابل ما يعتبره جعجع نفسه ضعف مَن يتولون حالياً قيادة التيار الوطني الحر وعجزهم عن إدارة الدفة في مرحلة ما بعد عون، إذا أضفنا إلى كلّ ذلك الحقد الشخصي «المتورخ» بين بنشعي ومعراب والمكلّل بسياق طويل من رائحة الدم، فكلّ ذلك إلى العديد من الاعتبارات الأخرى هي التي تجعل جعجع يرقص على حافة الهاوية في لعبة الخيارات الرئاسية. يرى القواتيون أنّ تراجع قائدهم عن ترشيح العماد عون بعد تراجعه تحت الضغط السعودي والمستقبلي عن تبني مشروع اللقاء الأرثوذكسي للانتخابات النيابية والرضوخ للتمديد للمجلس النيابي خسارة له في السياسة وخسارة لحزب القوات، بخاصة أنّ مستوى الاحتقار الذي تعامل به الحريري مع جعجع أحدث شرخاً كبيراً، ومهما توفرت الوسائل لتجميله فلن تستطيع أن تخفي حجم الكسر العميق الذي حدث في مرآة 14 آذار.
لقد قطع جعجع، بحسب مصادر قواتية، شوطاً كبيراً في إقناع نفسه بخيار الجنرال، لكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يغامر بالتفريط بعلاقته مع مملكة آل سعود، ولذلك يراهن على الوقت، لكن يبقى السؤال: فتِّش عن واشنطن فعندها بوصلة معراب؟!