واشنطن وبقاء الأسد في سدّة الرئاسة

حميدي العبدالله

سرّبت إلى وسائل الإعلام الأميركية ما وصفت بأنها «وثيقة سرية رسمية» تضمّنت اعتراف «الولايات المتحدة بأنّ الرئيس الأسد سيبقى إلى ما بعد أوباما»، وفقاً لما جاء في صحيفة «تلغراف» البريطانية. وحول التفاصيل ذكرت الصحيفة «أنّ وثيقة سرية مسرّبة من داخل الإدارة الأميركية أشارت إلى أنّ الرئيس السوري لن يتنحّى ويترك منصبه»، وأضافت «بأنّ الإدارة الأميركية أقرّت بأنّ الأسد سوف يكون في السلطة عندما تنتهي ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما».

لا شك أنّ الولايات المتحدة بذلت كلّ جهد مستطاع خلال السنوات الخمس الماضية لقلب نظام الحكم في سورية ودفع الرئيس الأسد إلى ترك السلطة، وهي، كما تردّد دائماً، حشدت دعم أكثر من 130 دولة وسخّرت قدرات دول المنطقة، ولا سيما قدرات تركيا والسعودية وقطر لتحقيق هذه الغاية، وعلى الرغم من كلّ الدماء التي سالت والخراب الذي حلّ بسورية، إلا أنها عجزت عن تحقيق هدفها المنشود.

اليوم عندما تقرّ إدارة أوباما بهذه الحقيقة، فهذا لا يعود إلى عودتها إلى الواقعية، بل هو أمر بات في حكم المفروض عليها أولاً، بقدرة الدولة والجيش السوري على الصمود، وثانياً في ضوء تعاظم خطر الإرهاب وخروج التنظيمات الإرهابية عن السيطرة، وثالثاً بعد تأكيد قوة التزام أصدقاء وحلفاء سورية بالدفاع عنها، وتحديداً إيران وروسيا وحزب الله، حيث بات الإصرار على إسقاط الرئيس الأسد ومن خلاله إسقاط الدولة والجيش السوري، أمراً دونه حرب طويلة ومكلفة، حرب لم تعد مع الدولة والشعب والجيش السوري، بل وأيضاً مع روسيا بقدراتها العسكرية المعروفة، وإيران بموقفها وقدراتها الإقليمية، إضافة إلى قدرات حزب الله التي خبرها أكبر جيش في المنطقة وهو الجيش «الإسرائيلي».

الإصرار على هدف تنحية الرئيس الأسد، وبالتالي إسقاط الدولة السورية بكلّ مؤسساتها وعلى رأسها الجيش، على غرار ما حصل في العراق وليبيا، لم يعد هدفاً واقعياً أو قابلاً للتحقيق على أيّ نحو كان. لهذا تقر الولايات المتحدة ببقاء الرئيس الأسد في سدة الرئاسة إلى ما بعد رحيل أوباما عن البيت الأبيض، بعد انتهاء ولايته الثانية في 18 كانون الثاني عام 2017.

لكن الأهمّ من هذا الإقرار بهذه الحقيقة التي لا جدال فيها، هو الهدف من وراء تسريب هذه الوثيقة وفي هذا التوقيت بالذات، أيّ قبل موعد انعقاد الحوار بين الحكومة السورية ووفد المعارضة المقرّر مبدئياً في 25 من الشهر الحالي.

واشنطن أرادت من خلال تسريب هذه الوثيقة إلى وسائل الإعلام الأميركية والغربية بعث رسالة واضحة إلى حكومات المنطقة، وتحديداً حكومات تركيا والسعودية وقطر، وأيضاً إلى تشكيلات المعارضة السورية المختلفة، أنّ الحوار المزمع عقده في 25 من الشهر الحالي لا يتضمّن البحث في تنحية الرئيس الأسد على أيّ نحو كان، وأنّ مفهوم المرحلة الانتقالية التي تمتدّ لسنة ونصف السنة لا يتضمّن البحث بهذه المسألة، وبالتالي لا بدّ من التصرّف على هذا الأساس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى