إيران تقطف صمودها نصراً… وأموالاً واعترافاً دولياً… وإلغاء للعقوبات «داعش» يستبق معركة «الباب» بمجزرة «الدير»… وتحضيرات جنيف متسارعة

كتب المحرّر السياسي

ثلاثون عاماً من المواجهة المفتوحة بين القطب العالمي الأول الذي مثّلته واشنطن وهي تستعدّ للتحوّل إلى القطب الوحيد مع انهيار الاتحاد السوفياتي من جهة، وطهران القطب الإقليمي الصاعد من ثورة هزّت المنطقة والعالم يومها، تستعدّ للتحوّل إلى القطب الإقليمي المقرّر، من جهة مقابلة، انتهت يوم أمس ليحلّ مكانها قانون جديد للعلاقة اختصره الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني بكلام متشابه، عن قاعدة حلّ الخلافات بالتفاوض والبحث عن الحلول الوسط بدلاً من أوهام النصر والهزيمة، وبدلاً من اشتراط التعاون بالتفاهم الكلي المستحيل في ظلّ وجود الكثير من الخلافات، التي يمكن إدارتها سلمياً، كما إدارة التفاهمات سياسياً حكماً.

مواجهة شكّل الملف النووي الإيراني، خلال العقد الأخير عنوانها، لكنها كانت مواجهة على مستقبل الشرق الأوسط، ورسم خارطته الجديدة، التي ظنّت واشنطن أنها قادرة على صياغتها بالانفراد بعد تحوّلها إلى القطب العالمي الأوحد منذ التسعينيات، واستعدّت للتفرّغ لهذه المهمة بحسم السيطرة على أوروبا الشرقية بعد انتصارها في حرب يوغوسلافيا واستعدادها لحربَيْ العراق وأفغانستان، وبعدها سلسلة لا تنتهي من حروب الإقصاء والإلغاء، من حرب تموز 2006 على لبنان التي قالت يومها وزيرة الخارجية الأميركية غونداليسا رايس في قلبها إنها حرب صياغة شرق أوسط جديد، وانتهت المغامرة الأميركية بحرب سورية التي توّجت زلزالاً عاصفاً في البلاد العربية، تحت عنوان «الربيع العربي»، والسعي إلى إطلاق العثمانية الجديدة، وتتويج «الإخوان المسلمين» حزباً حاكماً بثوب الشرعية الشعبية والثورية.

في كلّ السعي الأميركي للاستفراد بصياغة خريطة الشرق الأوسط كانت إيران في الضفة المقابلة المستهدَف الأول، وكانت العقوبات والتهديدات التي طالتها جزءاً لا يتجزأ من محاولات فرض الروزنامة الأميركية في الشرق الأوسط، ما تمّ تحت عنوان التفاهم النووي أو سواه، وإيران لم تكن لاعباً سلبياً يكتفي بالدفاع، ولا لاعباً موهوماً بمحدودية الصراع على الملفات بعناوينها المعلنة، بل كانت إيران تخوض هذه الملفات وتلك العناوين بيقين أنها تعبيرات مختلفة ومتفاوتة عن الصراع الرئيسي والأهمّ على خارطة القوى في المنطقة، وما تمثله إيران وتحالفاتها، خصوصاً في الصراع مع «إسرائيل»، وفي مستقبل الخليج وأمنه، وحسم هوية القوة الإقليمية الأهمّ والأقوى التي ستشارك في المعادلة الدولية الجديدة بعد تبلور قواعد التوازنات التي ستحكم العالم.

خاضت واشنطن حروبها لتفرض أحاديتها الدولية، وشراكة حلفائها، خصوصاً «الإسرائيلي» والتركي والسعودي، بأنصبة مختلفة في صياغة نظام إقليمي، وخاضت طهران حروبها لتشجيع قيام نظام عالمي متعدّد الأطراف، واستنهاض حضور روسي صيني فاعل في المعادلات الدولية، ولتفرض شراكة إقليمية في إدارة الاستقرار وضمان المصالح الحيوية للأمن والسلم الدوليين فيه، وتدفق الطاقة منه، بنظام إقليمي تشاركي لا دور لـ«إسرائيل» وللقوى الأجنبية فيه.

مع جلاء غبار المعارك هزم المشروع الأميركي، وحققت إيران نصراً لمصلحة تثبيت التعدّدية الدولية، بدأت من صيغة الخمسة زائداً واحداً، وانتهت بالحضور الفاعل لروسيا في المعادلة الدولية، وحققت إيران نصراً بفرض تخطّي التفاهم معها البوابات «الإسرائيلية» والسعودية والتركية، وتثبيت حلف المقاومة شريكاً لا يمكن شطبه من معادلة المنطقة.

لم يكتمل النصر الإيراني، ولم تُنجز الهزيمة الأميركية، فقد تنازلت واشنطن عن التفرّد والانفراد وارتضت التشارك مع موسكو في السياسات الدولية ومع طهران في السياسات الإقليمية، ولم يتبلور بعد نظام دولي جديد، رغم اتّضاح معالمه من تبدّل قواعد العمل في دور مجلس الأمن في الأزمات الدولية من جهة، والأدوار الدولية داخل مجلس الأمن من جهة ثانية، وفي المقابل لم تتبلور بعد الخريطة الجديدة للشرق الأوسط الجديد، باستثناء الدور المحوري لروسيا وإيران في صياغته.

يأتي الإعلان عن رفع العقوبات عن إيران، والخطاب الأميركي القائم على إرادة التفاوض والتشارك مع إيران، إيذاناً بمرحلة جديدة عالمياً وإقليمياً، لكنه يشكل مباشرة فرصة لتدفق مليارات الدولارات على الاقتصاد الإيراني، وتعزيزاً لمكانة إيران الإقليمية عشية تبلور منصات التسويات في اليمن وسورية، ومستقبل الحرب على الإرهاب، وفي كلّ منها لدى إيران ما تقوله وما تفعله.

على إيقاع هذا النصر الكبير لإيران، كانت العمليات العسكرية في سورية تسجل المزيد من التقدّم لمصلحة الجيش السوري، الذي تقف قواته على بعد بضعة كيلومترات من مدينة الباب التي تشكل أبرز مناطق سيطرة تنظيم «داعش» في ريف حلب. وكانت الاتصالات مستمرة تحضيراً لعقد لقاء جنيف الحواري بين الحكومة السورية ووفد المعارضة، حيث ستشهد مدينة دافوس السويسرية لقاء وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، يوم الأربعاء المقبل، بينما تستعدّ الحكومة السورية لتسمية وفدها وتحضير ملفاتها بكلّ انفتاح وجاهزية وفقاً للسقف الذي رسمه قرار مجلس الأمن 2254 لعملية الحوار، كما أبلغ وزير الخارجية السوري وليد المعلم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بينما على الضفة المقابلة يواجه أعداء الدولة السورية مأزقاً عسكرياً عبّر عنه «داعش» بالمجزرة التي ارتكبها في دير الزور استباقاً لمعركة مدينة الباب، ومأزقاً سياسياً عبّر عنه قادة الائتلاف المعارض، بارتباكهم تجاه المشاركة من عدمها، تحت سقف لا مكان فيه للبحث بمستقبل الرئاسة السورية، وارتباك تشكيل الوفد المعارض الذي يبدو مستحيلاً تركه حكراً عليهم، وفقاً للتفاهم الروسي الأميركي.

لبنانياً، لا تزال قضية التحركات التي أطلقها تيار المستقبل تحت شعار الاحتجاج على قرار المحكمة العسكرية بإخلاء سبيل الوزير السابق ميشال سماحة، وعنوانها قضية الموقوفين الإسلاميين، تشكل العنوان السياسي والأمني الأول، مع الإعلان عن نيات التصعيد في الشارع وعلى المستوى السياسي، ويبدو الهدف المضمَر تجاوزاً لتسريع المحاكمات الذي يجمع عليه كلّ الفرقاء المعنيين، وينتظر قيام وزير العدل بتحديد المقوّمات الإدارية والمالية والبشرية اللازمة وتقديمها لمجلس الوزراء، والاستعاضة عنها بالتحرك للعفو عن الموقوفين بالجملة، ما يطرح أسئلة عن المستهدَف إخلاؤهم والذين لا تفيدهم عملية تسريع المحاكمات ويهمّ أمرهم تيار المستقبل أو مَن يحكم في الرياض.

التيار الوطني الحرّ ينتخب ممثليه

شهدت معظم المناطق اللبنانية أمس انتخابات التيار الوطني الحر الداخلية التي اتسمت بالروح الديمقراطية، لا سيما أنها أجريت بمعظمها على أساس قانون النسبية الذي لا تزال بعض القوى السياسية ترفض إجراء الانتخابات النيابية على أساسه.

وانتخب «التيار» ممثليه في هيئات الأقضية ومجالس الأقضية، والهيئات المحليّة، في كل من عكار وبعلبك الهرمل وجزين وجبيل وكسروان وبيروت الأولى وعاليه، فيما فازت اللوائح بالتزكية في بعض الأقضية لا سيما في زحلة وبعبدا.

وجال رئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل على المناطق كافة التي خاضت الانتخابات، وأكد أن «أهمية هذه الانتخابات أنها دليل قاطع على إمكان إجراء انتخابات في لبنان ولا نقبل بالتمديد وعلى أن الانتخابات ما هي إلاّ برهان على أننا في التيار الوطني الحر قادرون على تطبيق الديموقراطية على المستوى الحزبي».

وعلمت «البناء» أن «رئيس التيار جبران باسيل نجح في جهوده مع مرشحي قضاء زحلة في الوصول إلى التوافق وعدم إجراء انتخابات بعكس قضاء جبيل الذي كان هناك إصرار لدى الجميع على إجراء انتخابات لمعرفة وتحديد حجم كل مرشح وتمثيله الشعبي في أوساط التيار».

تكريس النسبية في الانتخابات النيابية

وتحدثت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» عن كثافة عالية للمقترعين في كافة الأقضية التي تجاوزت في بعضها الـ70 في المئة، خصوصاً في عكار وجزين والهرمل وجبيل وكسروان وعاليه وبيروت، «في ظل حماس وشوق المواطنين لممارسة حقهم الديمقراطي، خصوصاً أن الانتخابات أجريت في أغلب الأقضية على قانون النسبية الذي يعطي الحق للجميع بشكلٍ عادل، ما كرس عند التيار مبدأ إجراء أي انتخابات أخرى لا سيما النيابية على أساس النسبية».

أما في قضاء جبيل فعلمت «البناء» من مصدر قيادي في «التيار» أن «نسبة الاقتراع وصلت إلى 86 في المئة في القضاء والتي تعتبر ظاهرة حيوية منقطعة النظير، فقد انتخب 1556 مقترعاً من أصل 1826 ناخباً في ظل روح رياضية وديمقراطية سادت أجواء الاقتراع، خصوصاً على قاعدة النسبية، حيث تتوزع المقاعد على كل اللوائح بحسب نسبة الأصوات التي نالتها كل لائحة».

وأكد المصدر أن «ما حصل هو نموذج حضاري قدّمه التيار للشعب اللبناني وللدولة التي يجب أن تعتمد النظام النسبي في أي انتخابات مقبلة. هذا النظام الذي يخلق أجواء ارتياح وعدالة ويخفض منسوب التشنج والتوتر بين الشعب بعكس النظام الأكثري الذي يشعر الفريق الخاسر على نسبة أصوات قليلة جداً بالمظلومية».

مَن يربط قضية سماحة بملف «الإسلاميين»؟

لا تزال الساحة الداخلية تحت وطأة تداعيات إطلاق سراح الوزير السابق ميشال سماحة، في ظل محاولات بعض الجهات الربط بين إطلاق سماحة وملف الموقوفين الإسلاميين الذي عاد إلى الواجهة بقوة وسط اعتصامات مبرمجة لأهالي الموقوفين في عدد من المناطق للتنديد بإطلاق سراح سماحة وللمطالبة بتسريع محاكمات أبنائهم الموقوفين.

وفي السياق، واصل الموقوفون في سجن رومية لليوم الثالث على التوالي إضرابهم عن الطعام والماء والدواء احتجاجاً على قرار العسكرية مطالبين بمعاملتهم بالمثل.

ولهذا السبب، أوفد وزير العدل اللواء أشرف ريفي بحسب بيان لمكتبه الإعلامي، مستشاره القانوني القاضي محمد صعب إلى سجن رومية للاجتماع بلجنة الموقوفين والسجناء الإسلاميين في المبنى «ب»، «حيث تسلّم القاضي صعب من اللجنة جملة مطالب وقد عبر أعضاء اللجنة عن سخطهم من جراء إطلاق سراح سماحة وطالبوا برفع الظلم عنهم وبالإسراع بمحاكمتهم وبوضع حد لتصرفات بعض الأجهزة الأمنية الاعتباطية. وتم الاتفاق على تعليق الإضراب المفتوح عن الطعام مؤقتاً لإفساح المجال أمام جهود وزيري العدل والداخلية لوضع حد لهذه التصرفات ولإعادة الأمور إلى نصابها.

وأشارت مصادر إسلامية لـ«البناء» إلى «علاقة تيار المستقبل والوزير ريفي المباشرة في تحريك الشارع الإسلامي بهدف الضغط على المحكمة العسكرية لتطويعها وإطلاق سراح بعض الموقوفين المتهمين بارتكاب جرائم إرهابية»، لافتة إلى أن «عرقلة محاكمات الموقوفين الإسلاميين ليست من المحكمة العسكرية، رغم بعض البطء الإداري، نظراً لوجود مئات الملفات، لكن التأخير والعرقلة سببهما التدخلات السياسية».

وأوضحت المصادر أن «هناك نوعين من الملفات للموقوفين الإسلاميين، الأول موقوفون مدانون بالمشاركة في الأحداث في سورية والاعتداء على الجيش اللبناني ومحاكمة هؤلاء تحتاج إلى وقت، أما الثاني هم الموقوفين المدانون بالمشاركة في جولات القتال التي شهدتها طرابلس بين باب التبانة وجبل محسن ومحاكمتهم لا تحتاج للكثير من الوقت».

وإذ أشارت إلى المظلومية الكبيرة التي يتعرّض لها معظم الموقوفين الإسلاميين، تساءلت المصادر: «لماذا يُخلى سبيل بلال دقماق خلال أيام بعد توقيفه لاقتنائه مستودعات أسلحة في منزله؟». وأكدت المصادر أن «ريفي تدخل مباشرة لإطلاق سراح دقماق والمطلوب نور الدين غلاييني ومنع توقيف العميد حمود والشيخ سالم الرافعي اللذين كانا ينسقان إرسال السلاح إلى سورية من جامع التقوى في طرابلس، فضلاً عن اعترافات الموقوفين زياد علوكي وسعد المصري بتلقي السلاح من حمود».

وكان أهالي ونساء الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية، قد نفذوا اعتصاماً أمام المحكمة العسكرية ثم انتقلوا إلى رومية رفضاً لما اعتبروه «تمادياً في عدم بتّ مصير أبنائهن الموقوفين، محملين الدولة مسؤوليتهم وطالبوا برفع الظلم عنهم وإنصافهم والعفو عنهم أسوةً بسماحة. من جهتهم». كما اعتصم زوجات وأولاد الموقوفين الإسلاميين على الطريق الرئيسية أمام سرايا طرابلس الحكومية، لهذا السبب.

فنيش: أداء البعض أشبه بـ «الداعشية» السياسية

واعتبر وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية محمد فنيش، «أن أداء البعض بالنسبة إلى موضوع إخلاء سبيل ميشال سماحة، يضعنا أمام حالة من «الداعشية» السياسية في لبنان، التي لا تقبل الآخر وتسعى لتشويه الآخر من دون تقديم دليل».

وقال فنيش: «تعاملنا مع الحادثة طيلة الفترة الماضية من دون أن نتدخّل وبلا أي تعليق، والآن صدر الحكم القضائي، فاحترموا حكم القضاء ولا تمارسوا هذا الترهيب». محذراً أن «ما ارتكبه هؤلاء من ممارسات يهدد آخر ما تبقى من هيبة مؤسسات الدولة ومن سمعة القضاء».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى