الوساطة الأميركية والورطة الصهيونية وأزمة حماس

عامر نعيم الياس

قرّرت حكومة بنيامين نتنياهو توسيع العملية العسكرية على قطاع غزة، على خلفية الضغوط التي يتعرض لها الائتلاف الحكومي من مكوناته بشكل أساسي، إذ أعلن أفيغدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا المتطرف انسحابه من الائتلاف نتيجة مواقف نتنياهو المتخاذلة!

الصحف «الإسرائيلية» أجمعت على ورطة نتنياهو في مواجهة سيناريوهات توسيع العملية العسكرية على القطاع، فصواريخ كتائب عز الدين القسام وصلت إلى ضواحي تل أبيب وإلى المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة، فهل يغامر نتنياهو بزج جيش الاحتلال في مغامرة عسكرية برية يجتاح بموجبها قطاع غزة؟ هل تتحمل حكومته الخسائر البشرية والاقتصادية والعسكرية وانعكاس الخلل الأمني على المجتمع الصهيوني؟ هل يستطيع الموقف الدولي تغطية الجرائم الصهيونية التي سترتكب أثناء عملية اجتياح القطاع؟ هل الظرف ملائماً لتحويل البوصلة العربية والإسلامية باتجاه العدو الحقيقي وهو «إسرائيل» بعد هذا الضخ الإعلامي والانخراط الخليجي والعربي والإقليمي والدولي الاستثنائي في تعميق الهوة المذهبية وصوغ صورة العدو البديل؟

على المقلب الآخر أبرمت حركة حماس التي تحكم قطاع غزة منفردة منذ تموز 2007، في شهر نيسان الماضي اتفاق مصالحة مع حركة فتح، شُكّلت بموجبه حكومة وفاق وطني برئاسة رامي الحمدالله رحبت بها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على قاعدة «المعيار الاختباري» لمدى التزام الحكومة، التي وافقت عليها حماس، بالاتفاقات الدولية والثنائية القائمة بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال. إذ قالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية جين بساكي: «واشنطن ستواصل تقييم تشكيلة الحكومة الفلسطينية الجديدة وسياستها وستحكم على أفعالها، وسنتابع عن كثب لنتأكد أنها تدعم المبادئ التي أكدها الرئيس عباس باحترام اتفاقات السلام السابقة والمبادئ التي تقوم عليها عملية السلام مع «إسرائيل»»، هذا الموقف دفع بعض المراقبين إلى استنتاج أنه موجه للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو أكثر منه لدعم حكومة الوفاق الفلسطينية، خصوصاً أنه أتى بعد تعمّد نتنياهو إفشال مهمة وزير الخارجية الأميركي جون كيري والتي كانت تقضي بإبرام اتفاق إطار بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، يساعد إدارة أوباما في تعزيز موقفها وريادتها للطاعون العربي في المنطقة.

حركة حماس التي رمت كل ثقلها في سلّة الإخوان في عصر الطاعون العربي، وجدت نفسها ـ في ظلّ انقلاب الصورة وصمود سورية، وتصحيح مسار الأمور في مصر، والأزمة المالية التي تعصف بالقطاع ـ مضطرةً إلى الانخراط في حكومة الوفاق وإبرام المصالحة مع فتح على رغم الخلاف الإيديولوجي بين الطرفين، في خطوة تكتيكية لتمرير الوقت بانتظار توّضح الصورة في المنطقة والتمهيد لإعادة تموضع الحركة الإسلامية الإخوانية، وهي بذلك أيضاً لا تريد أن تنجرّ إلى مواجهة شاملة وقاسية مع الاحتلال ولا حتى مع السلطة الفلسطينية.

في ضوء ما تقدم ما زال الموقف الأميركي متحفظاً وغير متحفز للدعم المطلق لحكومة نتنياهو، وطبعاً حتى للفلسطينيين، والواضح هنا أن الإدارة الأميركية تريد إيصال رسالة إلى الجميع مفادها أن فشل المفاوضات وعرقلة خطواتها ووساطتها من الجانب «الإسرائيلي» خصوصاً، أديا إلى حالة الارتباك التي يعيشها الجانبان المنهكان من القاعدة الشعبية والحزبية والفصائلية التي باتت في غزة على يمين حركة حماس، وفي الكيان الصهيوني على يمين حكومة نتنياهو، وبالتالي فإن اللعب يجب أن يكون تحت سقف الرؤى الأميركية وليس عبر المزاودة عليها وإفشالها، وهنا يقول الصحافي جورج مالبرونو في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية: «من فشل اتفاقية أوسلو عام 1994، إلى فشل عملية أنابوليس عام 2008، إلى فشل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مهمته الأخيرة منذ شهرين… الوساطات الأميركية عاجزة عن دفع الفلسطينيين و»الإسرائيليين» إلى القبول بدولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود واضحة وآمنة لدولة عبرية تعيش إلى جوارها. إن الطبيعة تكره الفراغ، في ضوء هذا الفشل تضاعف عدد المستوطنين «الإسرائيليين» في الضفة الغربية والقدس الشرقية مرتين في غضون السنوات الخمس الأخيرة، بينما الصواريخ التي أطلقتها حماس باتت الآن تهدد تل أبيب». إن ما سبق لا يعني عدم توافر مخارج لحكومة نتنياهو من جانب أصدقائها من بعض الفلسطينيين وبعض العرب الحاضرين على الدوام لإنقاذ دولة الاحتلال من مآزقها ولنا في المبادرة السعودية العربية للسلام المثال.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى