طريق جنيف السوري ليست سالكة

راسم عبيدات

انعقاد مؤتمر جنيف بشأن المسألة السورية، والسير في طريق الحلّ السياسي، مرتبط بشكل أساس في الاجتماع الذي سيعقد بين وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأميركي جون كيري في العشرين من الشهر الحالي في زيوريخ، فهناك صعوبات كثيرة تعترض انطلاق هذا المؤتمر نحو حلّ سياسي للمسألة السورية، والخلاف الأبرز سيتركز حول وفد المعارضة الذي سيحضر تلك الاجتماعات، من سيتمثل فيه ومن سيقوده في ظل تعدد مرجعياتها وبرامجها؟ وهل ستتمثل المعارضة المحسوبة على محور السعودية ـ تركيا ـ قطر، معارضة دينية، إقصائية لا تؤمن بالتعددية ولا بالديمقراطية ولا بالمجتمع المدني، وجزء كبير منها محسوب على الجماعات الإرهابية «أحرار الشام» و»جيش الإسلام»، بوفد مستقل؟ أم سيجرى تطعيمها بأسماء محسوبة على المعارضة الديمقراطية والعلمانية، المقربة من روسيا، والتي يوجد عليها توافق أميركي ـ روسي؟ أم أنها هي الأخرى ستتمثل بوفد مستقل؟

وسأتطرق الى تلك المعارضات في هذه المقالة بشيء من التفصيل، وقبل ذلك لا بدّ لنا من القول بأن التطورات التي تجرى في الميدان، وما يحققه الجيش السوري وحلفاؤه من إنجازات عسكرية على الأرض باستعادة مساحات واسعة من أراضي الدولة السورية، وعلى كل الجبهات حلب ـ اللاذقية ـ حماة ـ درعا، ستصعب على المعارضة المرتبطة بمحور السعودية ـ تركيا ـ قطر القبول بالمشاركة في حلّ سياسي تحت سقف الرئيس السوري الأسد، وخصوصاً أنّ القرار الأممي 2254 قد حسم هذه المسألة، وقال بأنّ الفترة الانتقالية ستكون برئاسة الرئيس السوري بشار الأسد، حيث سيتم إجراء انتخابات ديمقراطية وبمشاركة أممية في إطار عملية سياسية، يجرى خلالها تعديل الدستور، والتلاقي على عنوان واحد هو الحرب على الإرهاب كأولوية على العملية الانتخابية.

الحكومة السورية لن تقبل بأي شكل من الأشكال، أن يكون تمثيل المعارضة في جنيف مقتصراً على جماعة مؤتمر الرياض.

نحن ندرك جيداً بأنّ المحور السعودي ـ التركي ـ القطري يسعى الى إعطاء «وكالة حصرية» لمؤتمر الرياض والهيئة والوفد المنبثقين عنه، لتمثيل المعارضة السورية، ورغم أن أميركا تميل لتبني مواقف هذا المحور، ولكنها تدرك بأن هذا لن تقبل به سورية وروسيا وإيران تحت أي شكل من الأشكال وكذلك ألوان الطيف الأخرى من المعارضة الكردية والديمقراطية السورية لن توافق هي الأخرى على ذلك، ناهيك عن إصرار روسيا وسورية على إدراج بعض الجماعات التي تطمح جماعات مؤتمر الرياض لتمثيلها في المؤتمر، ما يسمى بـ «أحرار الشام» و»جيش الإسلام» ضمن قوائم الجماعات الإرهابية، وربما هذا سيكون مقبولاً أميركياً، كذلك فإنّ التطورات في الميدان هي التي ستحسم التمثيل ومدى حجم وتأثير الجهات الحاضرة في المؤتمر استناداً لواقعها الميداني، ولذلك روسيا وحلفائها ربما يصرون على أن يكون المؤتمر ثلاثياً وفد تمثله الدولة السورية، ووفدين للمعارضة، جماعة مؤتمر الرياض من دون «أحرار الشام» و»جيش الإسلام» والمعارضة الديمقراطية والكردية تصرّ روسيا على أن تذهب إلى جنيف بوفد مستقل… يمثل من الناحية الواقعية ثلاث كتل رئيسة: الأولى، أكراد سورية ممثلين بـ»الوحدات» و»الاتحاد» صالح مسلّم، والثانية جماعة مؤتمر القاهرة ومعها المنبر الديمقراطي هيثم مناع وسمير عيطة ، والثالثة، جماعة الجبهة الشعبية قدري جميل ومعها بعض رموز معارضة الداخل من خارج هيئة التنسيق.

الخلافات جداً عميقة حول تمثيل المعارضة، فدول المحور السعودي، سترفض بشكل قاطع تمثيل المعارضة العلمانية بوفد مستقل، أو حتى أن تكون جزءاً من وفدها، وهي التي أغلبها قاطعت مؤتمر الرياض، وتركيا هي الأخرى سترفض مشاركة وفد الحماية الكردية والاتحاد الديمقراطي في المؤتمر، وسورية وروسيا سترفضان بشكل قاطع أن تتمثل المعارضة في المؤتمر من خلال جماعة مؤتمر الرياض، وهي سترفض أن تحضر المؤتمر، قبل أن يجرى تسليمها قوائم المشاركين في المؤتمر من المعارضة، حتى تعرف مع من ستتعامل وتتحاور، وهل هذه الجماعات لها سيطرة او وجود على الأرض، أو مجرد أسماء وجماعات هلامية وإرهابية.

قد تبدو الظروف غير ناضجة حتى هذه اللحظة نحو انطلاقة جدية لمؤتمر جنيف، وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وخصوصاً، أننا أمام قيادات مغامرة ومتعجرفة وتتخبط في سياساتها ومواقفها السعودية وتركيا نموذجاً، والتي ما زالت تعيش أوهام فرض حلولها ومواقفها في سورية.

أنا أعتقد بأن التطورات المتسارعة الحاصلة الآن، رفع العقوبات الدولية عن ايران، والإنجازات الكبيرة التي يحققها الجيش السوري بمشاركة حلفائه، وتعمق أزمة النظام السعودي داخلياً وخارجياً، والفشل في التجييش العربي والإسلامي من أجل طرد إيران من منظمة المؤتمر الإسلامي، على خلفية إعدام الشيخ نمر باقر النمر، وتداعيات عملية الإعدام تلك، وكذلك تعمق أزمة النظام التركي، خصوصاً بعد خسارته وبتر يده عن التدخل والتأثير في الأزمة السورية، بعد وصول الجيش السوري الى مسافة قريبة من الحدود التركية، والسيطرة على جبل التركمان، وإنهاء أحلام الخليفة السلجوقي بإقامة منطقة عازلة، كخزان للجماعات الإرهابية التي يجرى تجميعها وتوزيعها على الأراضي السورية، وارتداد إرهاب «داعش» الى الداخل التركي من خلال التفجيرات الإرهابية هناك، كلها عوامل محبطة لدول هذا المحور، والتي باتت على قناعة بأن أميركا، لن تقف الى جانبها بشكل مطلق، فأميركا الآن توافق على حل سياسي عنوانه الأسد، وتبدي قدراً عالياً من المرونة تجاه اعتبار جماعتي» أحرار الشام» و»جيش الإسلام» جماعات إرهابية، وكذلك هي لا تتحفظ على مشاركة الجماعات الكردية في المؤتمر سواء الحماية الكردية او الاتحاد الكردي.

صحيح بأنّ ضغوطاً إقليمية ودولية كبيرة تمارس في تحديد هوية جماعات المعارضة ومدى تمثيلها وحجمها في المؤتمر، ولكن لقاء لافروف كيري، سيحسم هل سينطلق مؤتمر جنيف في موعده؟ أم لا؟ وكذلك سيحدد من هم المسافرين للمؤتمر من المعارضة، ولكن تبقى الكلمة الفصل هنا، إذا لم يجر الاتفاق للميدان لكي يقرر، وسيصبح ما ترفضه معارضات محور السعودية ـ تركيا ـ قطر الآن مقبولاً عليها لاحقاً، فالجيش السوري يعتمد أسلوب الميدان والحرب على الإرهاب بالتوازي مع الحلّ السياسي.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى