سورية… معارضة معتدلة ولكنّها مسلّحة!
توفيق بن رمضان
نسمع هذه الأيّام المتحالفين ضدّ سورية يتحدّثون عن حماية المعارضة التّي درّبتها وسلّحتها الولايات المتّحدة الأميركيّة، ومن المفارقات الغريبة والعجيبة أنّ تدريبهم وتدخّلاتهم تتمّ على أراضي دول عربيّة مجاورة لسورية، وقد أطلق الإعلام الغربي المتصهين على المسلّحين اسم «المعارضة المعتدلة»، وطبعاً إعلامنا التّابع، إعلام تبّع، تبنّى هذا الاسم وأصبح يتداوله في أغلب المنابر الإعلامية العربية، فالسّواد الأعظم من الإعلاميّين عندنا مثل الببّغاوات يعيدون ما يلقنّونهم من دون تمحيص وتثبّت، فالقائمون على الإعلام الغربي المتصهين يضعون المصطلحات وإعلامنا العميل والمأجور يلوكها ويعيدها ويتبنّاها بكلّ غباء وحمق، فكيف لمعارضة معتدلة أن تكون مسلّحة، ما هذا الحمق والغباء؟ فالمنطق يقول بمجرّد أن يرفع أيّ معارض السّلاح في وجه دولته فهو يتحوّل إلى مجرم متطرّف وإرهابي، وكلّ هذا الصنف من المعارضات هم خونة وعملاء، يحوّلون إلى أدوات تستعمل في تنفيذ الأجندات الصهيو ـ غربيّة في الهيمنة والسّيطرة على دولهم وشعوبهم من أجل إخضاعها ونهب ثرواتها ومقدّراتها، ويقولون عنهم أيضاً إنّهم مقاتلون من أجل الحرّية، وهل توجد حرّية في باقي دول العالم؟ طبعا لا، وإذاً لماذا التّركيز على دول العالم العربي؟ بل هل هناك حرّية حقيقيّة في دول الغرب و»إسرائيل»؟ إنّ القتال من أجل الحرّية والتّحرّر يكون ضدّ الغزاة والمحتلّين، أمّا المطالبة بالحرّية في الأوطان فلا تكون بالقتال والسّلاح، بل تكون بالعمل السّياسي السلمي الدّؤوب والمتواصل من دون اللّجوء إلى العنف والفتنة والاقتتال.
لا شكّ أنّ الأعراف والمواثيق في أنحاء العالم كافة وطبعاً في دول الغرب تقول إنّ كلّ من يرفع السّلاح ضدّ دولته وجيشه لا بدّ أن يتمّ التّعامل معه بالسّلاح مندون شفقة ولا رحمة، فهل تريدون من الجيش السّوري أن يستقبل المعارضة المسلّحة والمرتزقة بالورود؟ ومن جهة أخرى سؤال يسأل للغرب المتصهين، وعلى رأسهم زعيمتهم أميركا التّي استعبدتهم وصادرت قراراتهم، وسطت على كامل الدّول الأوروبيّة بعد الحرب العالمية الثّانية، أقول لكم هل ستقبلون أن تسلّح بعض الدّول العربيّة معارضاتكم؟ وهل ستقبلون من باقي دول العالم أن تدعم وتحمي العصابات والمعارضات المسلّحة عندكم؟ إنّه الكيد والتّآمر على دولنا، فكلّما حاولت الشّعوب العربيّة الوقوف والنّهوض والتّحرّر تجهضون محاولاتهم المتتالية، وهذا التآمر متواصل منذ قرون عدّة، فقد احتلّوا دولنا سابقا بدعوات التّحرّر من العثمانيين، واليوم يدمّرون ويستنزفون العالم العربي بدعوات الدّيمقراطية وحقوق الإنسان، فقد أصبحت اللّعبة مكشوفة وكلّ النّفاق الغربي في المنابر الإعلامية والخطابات السياسية لقادتهم عن الحرّية والديمقراطية هي مؤامرات مفضوحة.
إنّهم يروّجون ويدّعون أنّهم يدعمون الدّيمقراطية والتّحرّر في العالم العربي، ولكن عندما ينتخب طرف غير مرغوب فيه يهدّد مصالحهم ينقلبون عليه ويحاصرونه، وقد فعلوا هذا مع حماس في غزّة ومرسي في مصر وقد فعلوها سابقاً مع مصدّق في إيران وفي العديد من دول أميركا الجنوبية وأفريقيا، إنّها الكذبة الكبرى والنّفاق الأعمى المفضوح لساسة الغرب المتصهين المتعطّش للهيمنة والسّيطرة.
ولكن المصيبة أنّهم في كلّ مرّة يتمكّنون من اختراق دولنا ومجتمعاتنا بسهولة، لأنّ بعض البسطاء من المتثاقفين والعملاء من السّياسيين العرب ينخرطون بغباء في هذه الألاعيب والمؤامرات التّي تحاك ضدّ أوطانهم وشعوبهم، وهذا ما حصل في العراق وسورية وليبيا وفي العديد من الدّول العربيّة الأخرى، وكما قال أحدهم: «يجب إعداد 10 رصاصات… واحدة للعدو والباقي للعملاء والخونة من بني جلدتنا»، ولولا الخونة والعملاء من الذين يزعمون أنّهم نخب سياسية لما وصلنا إلى ما نحن عليه من دمار وفتنة وتناحر واقتتال، ويزعمون أنّهم نخب وفي الحقيقة هم لم ينتخبهم أحد، بل هم مجنّدون من الدوائر الاستخباراتية الصهيو – غربية، تصدر لهم الأوامر من أسيادهم وتوكل لهم أدوار ومهمّات يقومون بها بمقابل مالي أو بوعود في السّلطة والحكم.
حقّاً لولا الخونة والعملاء من المرتزقة العرب لما تمكّن الغرب المتصهين من اختراق أمّتنا والنّجاح في ما ألحقه من دمار في دول العالم العربي، ولما تمكّن من تنفيذ أجنداته التّي عجز على تنفيذها منذ عشرات السنين رغم كلّ الدّعم والتّعاون مع بعض العملاء من القادة العرب والصهاينة، ورغم تدخّلاته المباشرة بالأموال والجيوش في حروبه على العراق وأفغانستان، حقّاً لقد حقّق العملاء والخونة من الثورجيّين الأغبياء والحمقى للغرب والصّهاينة ما لم يحلموا بتحقيقه منذ عقود عدّة، رغم تدخّلاتهم العسكرية ورغم كلّ ما أنفقوه من أموال طائلة على حروبهم المباشرة والخفية في العراق وأفغانستان وكامل المنطقة العربيّة.
نائب سابق وكاتب وناشط سياسي تونسي
romdhane.taoufik yahoo.fr