خليل: المفكّر لا يموت… وواجبنا نقل تجربته وتطويرها
دمشق ـ رانيا مشوّح
أقامت وزارة الثقافة السورية بحضور الوزير عصام خليل، مجلس عزاء تأبينياً للراحل الباحث والمفكّر والفيلسوف ندرة اليازجي، الحائز على جائزة الدولة التقديرية لعام 2015، وذلك في القاعة الدمشقية في المتحف الوطني ـ دمشق.
وتحدث خليل عن الراحل اليازجي قائلاً: برحيل الفيلسوف والمفكّر والباحث ندرة اليازجي، خسرنا قامة شامخة قدّمت حياتها في الفكر الإنساني النبيل والعميق، وقدّمت أبحاثاً مرموقة ومتوالية ساهمت في إطلاع الإنسان من خلال تجربته الحياتية على كيفية الارتقاء بإنسانيته ونزعته البشرية نحو أعلى مراتب السمو. كان مثالاً للإنسان المجتهد والعامل والمتواضع والمفكر والباحث، ولذلك، فإن خسارتنا به خسارة كبرى لا تعوّض. حاز جائزة الدولة التقديرية، لأنّ وزارة الثقافة قدّرت دوره الرائد والمتقدّم والإنساني في تعزيز الفكر والإبداع العربيين.
وأضاف: لقد تشرّفت بتقديم التعازي بِاسم الرئيس بشار الأسد إلى عائلة الفقيد، وهذه التفاتة كريمة من قائد الوطن راعي الأدباء والمفكّرين والفلاسفة، وتشير إلى مدى تقديره الفكر والمفكّرين والمبدعين. نتمنى أن نكون، نحن ورثة هذا الفكر النوعيّ، قادرين على حمله ونقله إلى الأجيال المقبلة بأمانة، كي تتولّى هذه الأجيال أيضاً تطويره ونقله إلى من يليها، لأن الفكر الإنساني يمثل حلقة متواصلة تبدأ بالإنسان ولا تنتهي، لأنها تمثل كينونته وفرادته في هذا الزمن.
وعن دور وزارة الثقافة في إحياء مؤلّفات الراحل وأعماله قال خليل: المفكّر لا يموت بفنائه بالمعنى الفيزيائي، لأن الأفكار لا تموت، إنما تستمر فاعلة في الحياة الإنسانية. لذلك، من واجبنا نقل تجربة الراحل إلى الأجيال الجديدة بأمانة كي تتولى تطويرها ونقلها. نحن في وزارة الثقافة سوف نسعى إلى طباعة أعمال الراحل الكاملة، ما يمكّننا من الحفاظ على هذا الإرث الإنساني لتحويله إلى فعل متواصل في الحياة، يغني أبناءنا ونتمكّن من استخلاص هذه المعارف واستنباطها وتطويرها في المرحلة المقبلة.
كما عبّر تلامذة الفقيد عن مآثره وأعماله، ومنهم الكاتب والمترجم والباحث ديميتري أفيادينوس الذي قال: يصعب جداً في هذا المقام أن يتكلم المرء عن الأستاذ ندرة اليازجي. هو من القلائل جداً في هذه المنطقة وربما على نطاق أوسع. فهو من حمل منذ ستين سنة مشعل الحكمة وكان صوت العقل المستنير في هذا المكان من العالم. وأعتقد أنه لن يتاح الآن مباشرة أن يدرك هذا المجتمع علوّ القامة التي فقدها بفقدان الأستاذ ندرة.
وأضاف: إنه القامة الروحية والنفسية العالية التي تأبى فعلاً أن تنجرف في هذه التيارات المصلحية، إذ كان يضع نصب عينيه خير الإنسان في هذا البلد وفي كل مكان وزمان. فكر الأستاذ ندرة متعدّد المناحي، فهناك الفكر الديني الروحي المستنير الذي يرى إمكانية تطوّر الإنسان الحاضرة والمستقبلية، وأيضاً الفكر النفسي التكاملي إذ كان الفقيد من مؤيدي المدرسة النفسية التكاملية والمعبرين عنها، هذه المدرسة التي تأبى أن تجزّئ الإنسان إلى مكوّنات ولبنات متعارضة، إنما تنظر إليه كجزء كامل وملتقى لمجموعة قوى قادرة على أن تتلاقى معاً لتشكل أرضية للإنسان المستنير المستقبلي. وهناك أيضاً الفكر أو البعد الأخلاقي والتي هي أبعد ما تكون عن الأخلاق النفعية بقدر ما تكون فلسفة تعبّر عن الواجب، إذ كان الفقيد يقول إنّ فلسفة الواجب أعلى بكثير من فلسفة الحق. والمنحى الرابع لفكره كان اهتمامه ـ لا سيما في السنوات العشرين الأخيرة ـ بأعماله عن العلوم الحديثة وما تطوّرت إليه الفيزياء الحديثة، وأثبت أن الفكر المستنير قيم تأليفاً بين أرقى ما توصل إليه البعد المعرفي في العلم مع أرقى الكشوف والبصائر والرؤى التي توصلت إليها الحكمة القديمة.
بدوره، تحدث المفكر والمترجم والباحث موسى الخوري عن موقف الراحل اليازجي من الحرب التي تعاني منها سورية فقال: الأستاذ ندرة اليازجي كان قامة كبيرة، وكانت رؤيته إلى ما يجري حالياً في سورية دائماً تنطلق من كون أن الإنسان يجب أن ينظر من منظور التواصل مع الآخر والمحبة والتسامح ومحاولة رأب الصدع، لا زيادة الصدوع. وكان يدعو إلى فلسفة التسامح والحوار، ولطالما ردّد خلال السنوات الأخيرة على ضرورة الحوار. والحوار لا يعني التعصّب لكن الانفتاح على الآخر لإيجاد الحلول التي تثبت المبادئ الإنسانية التي لا تهزّها الانفعالات والعواطف، والتي لا تتأثر بالمصالح واختلاف الظروف. وكان دائماً ينظر إلى فكرة السلام والتوافق بين مختلف الاتجاهات والمنظورات الفكرية من مبتدأ التناسق والتناغم، إذ كان يقول إن التنوع هو ما يعطي الجمالية والتنوع في الوحدة. لذا، كان يدعو دائماً إلى رؤية الجمال، خصوصاً في ما يتعلق بمجتمعنا الجميل الغني، ورؤية الاختلاف لا الخلاف.