حدث معراب… وخلط الأوراق
هتاف دهام
شكّل حدث معراب أمس، مراكمة مسيحية وازنة لترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ونقلة نوعية في مسار الاستحقاق الرئاسي.
تبنّى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ترشيح العماد عون من زاوية تهمّه والجنرال يتمتع بمروحة واسعة من التحالفات، علاقته مع حزب الله تبقى نقطة المركز والثقل والقوة فيها. وقد تكون ورقة إعلان النيات بين معراب والرابية في مكان ما تكملة لـ وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لكن القوات احتاجت إلى عقد من الزمن قبل أن تخطو الخطوة نفسها التي خطاها حزب الله مع الجنرال.
هذا كله لا ينفي أنّ مشهد معراب أمس هو مشهد صارخ في تاريخ العلاقة المرير بين الطرفين، وتأتي معالم التأثير في هذا المشهد في لحظة ذروة إيجابية بعد تاريخ طويل في العلاقة الصدامية المفعمة بالصراع، والتطوّر في مسار العلاقة شكّل لحظة مؤثرة، لأنها ستعيد خلط الأوراق بقوة على الساحة المسيحية في الدرجة الأولى، وهي الساحة المعنية قبل غيرها من الساحات بحصد نتيجة هذا التلاقي.
وتتحدث بعض المصادر عن فرضية وراء ترشيح جعجع للجنرال وهي خلط أوراق لا تنتج أكثرية لازمة لوصول عون بل تمنحه عاطفياً المكانة التي كانت لرئيس تيار المردة النائب سليمان وحزب الله معاً في صفوف العونيين فتتوجه وريثاً لعون في الزعامة المسيحية وتحمّل حزب الله مسؤولية عدم وصول الجنرال للرئاسة إذا لم تتم العملية الانتخابية كما يأمل العونيون. ولا يستبعد أن يكون ذلك أبعد بكثير من معراب التي لها أسبابها التي لا يمكن تصديق اعتبارها مجرد صحوة متأخرة للخيارات الصحيحة بسهولة، بل التنبه لإمكانية أن تكون خطوة محسوبة أميركياً تربح جعجع مسيحياً ولا تربح عون رئاسياً، لكنها تفك المكون المسيحي الأبرز من حول حزب الله بعدما ضعضعت علاقة جمهور رئيس تيار المرده به وأوحت أنه المسؤول عن ضياع فرصة فرنجية الرئاسية تمسكاً بعون وها هي تخسر عون بعد فرنجية.
لا يمكن التقليل من نتائج وآثار ما حصل، فما قام به جعجع هو ردّة فعل استلحاقية على ترشيح الرئيس الحريري فرنجية الذي بحسب المعلومات جرى التواصل معه من قبل أحد الطرفين وأُبلغ مسبقاً بما سيصدر ، وصلت إلى حدّ قلب الطاولة، والأهمّ استثمار طويل المدى في الجمهور المسيحي لكن الأكيد أنّ هناك أسئلة كثيرة تتصل بتكييف تطبيق هذا الاتفاق، وهي كيف يمكن لكلّ من الطرفين أن يوفق بين هذا التحالف وبين علاقته مع حليفه الاستراتيجي التقليدي، علاقة عون بحزب الله، وعلاقة جعجع بتيار المستقبل؟
في نهاية المطاف، كيف ستتمّ ترجمة المبادئ العامة التي وردت في كلمة جعجع، وبدت حمّالة أوجه وقابلة للتفسير في أكثر من اتجاه بخطوات سياسية جديدة، علماً أنّ ساحة هذا التفاهم الأساسية ستكون المجال الداخلي اللبناني على قاعدة إعادة لحم الموقف المسيحي. وإذا أردنا التحدّث عن هدف استراتيجي وراء هذا الاقتراب والغاية المضمرة التي شكلت واقعاً أساسياً للطرفين للالتقاء وإعادة تقوية موقع المسيحيين في بنية النظام السياسي اللبناني، واستعادة دورهم الوازن في المعادلات الداخلية، فهذا يعني أنّ هذا التناقض المتولّد عن الحلف المستجدّ سيكون بصورة تلقائية في مواجهة تيار المستقبل الذي بنى حضوره ودوره على مدى سنوات ما بعد الطائف، بالاستناد إلى إمساكه بعدد كبير من المقاعد النيابية المسيحية وإلحاقه كتلاً مسيحية أساسية في مداره السياسي. وهذا يختلف عن موقف حزب الله وحساباته تجاه النظام السياسي اللبناني الذي تحدّد على عدم التناقض مع الدور المسيحي وتقويته في النظام السياسي اللبناني، كما أنّ حزب الله لا تقلقه إعادة تقوية الدور المسيحي في المعادلات السياسية اللبنانية، وحزب الله المتمسك بخيار دعم ترشيح الجنرال وجسّده في لعبة الأمم أمام كلّ الوفود الأوروبية التي بحثت معه في الملف الرئاسي، لن يغيّر تأييد جعجع للجنرال واقع الأمر عنده، لا بل على العكس فما يجري يؤكد لحزب الله صحة الخيار الذي اتخذه، علماً أنّ أحداً لا يتوهّم أنّ ما حصل في معراب سيفتح أبواب بعبدا في القريب، لكن هذه الخطوة عزّزت ودعمت حظوظ العماد عون باتجاه القصر الجمهوري. وتبقى العبرة الحقيقية في تضافر وتكامل مجموعة من المعطيات الداخلية والخارجية ونضوج اللحظة الإقليمية التي تجعل خيار عون الدخول إلى بعبدا أمراً مجسّداً.
وعليه، فلن يتضرّر حزب الله من دخول «إعلان النيات» حيّز التنفيذ، فهو يعلم أنّ هذه المراكمة المسيحية هي مراكمة مطلوبة من شأنها أن توصل مرشحه الرئاسي للخط الاستراتيجي، فالجنرال عون لا يخطئ في الثوابت ولا يلعب لعبة سلطوية بحتة، هو مؤتمن من فريقه على الكثير، والجنرال سيبقى الحليف الاستراتيجي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كما يقول مصدر مقرّب من الرابية لـ»البناء».
إنّ جوهر ما حصل أمس، وبرغم ورود بنود عديدة تتحدّث عن مبادئ سياسية تتصل بالسياسة الخارجية وموقع لبنان الإقليمي في كلمة جعجع أثناء تبنّيه ترشيح عون، إلا أنه من المستبعَد أن تأخذ هذه المبادئ طريقها إلى التطبيق، في ما يتعلق بالبعد الإقليمي على عكس ما له صلة بالبعد الداخلي، لعل أبرزها وأهمها إقرار قانون جديد للإنتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل ويشكل المدخل الأساسي لإعادة توازن مؤسسات الدولة، والالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف.
تلقى الجنرال عون جرعة دعم. وما كان يقوله تيار المستقبل والرئيس الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط بضرورة توافق المسيحيين والنزول إلى المجلس النيابي تحقق أمس، بهذا الاتفاق الذي يصبّ في خانة المصلحة الوطنية العليا، وفي خانة كلّ المكونات السياسية. فهذا المستجدّ على الساحة المسيحية، كما يقول المصدر، أمّن إلى حدّ كبير مستويات الميثاقية في المواقع الدستورية. والسؤال كيف سيتعاطى تيار المستقبل مع ما جرى؟ هل يذهب إلى إكمال نصاب جلسة انتخاب الرئيس؟ أم أنه سيعطل النصاب ويخسر كلّ ما ادّعاه من حرص على المسيحيين ورئاسة الجمهورية منذ سنتين.
وضع جعجع الحريري وتياره أمام خيارين، وعليه أن يختار بينهما؟ وعليه فإنّ المشهد ستتحكم به لعبة من اثنتين:
1 ـ لعبة التوافق بمعنى الاستمرار في تعطيل النصاب، مستنداً هذه المرة إلى هذا التوافق المسيحي.
2 ـ لعبة نزول جميع القوى السياسية إلى المجلس النيابي وليفُز من يفُز.
وبذلك فإنّ الحجر الأساس في الموضوع هو الرئيس نبيه بري الذي يرسم المعادلات. لكن الأكيد حتى الساعة أنّ العماد عون سينزل إلى المجلس مدعوماً من حزب الله والقوات اللبنانية وحزب الطاشناق. وإذا استمرّ رئيس تيار المردة في ترشحه فسيدخل القاعة العامة مدعوماً من تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط والمسيحيين المستقلين، في حين أنّ القوى السياسية الأخرى لم تعلن مواقفها النهائية بعد، علماً أنّ النصاب لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس يتطلب حضور 86 نائباً، وهو العدد نفسه الذي يتطلّبه فوز أيّ مرشح من دورة التصويت الأولى، أما في الدورة الثانية فيفوز المرشح الذي يحصل على الأكثرية المطلقة، أيّ 65 نائباً.