أنتم مشكلتكم في مضايا…ونحن مشكلتنا في سورية
جمال العفلق
ما كدنا ننسى التضليل الإعلامي الذي رافق الأحداث في سورية واستمرّ لسنوات، وتلك القصاصات المصوّرة التي كانت تتحدّث عن موت واتهامات بالجملة، حتى عاد أصحاب تلك الأفلام الى الواجهة من جديد من بوابة مضايا، ذلك المصيف السوري الذي تدير شؤونه عصابات مسلحة تدّعي أنها «فصيل ثوري» مهمته حماية الناس من «بطش النظام» كما أشاعوا بين الناس وما زالوا، فهم الذين قالوا إنهم حملوا السلاح لحماية المدنيين، وأيّ حماية كانت تلك؟
لا ننكر وجود وضع إنساني مزرٍ وحالات قاسية بين الأطفال والنساء تؤكد أنّ عملية التجويع لم تأتِ مصادفة، إنما عملية منظمة ومدروسة كانت تجهّز لتقديمها للعالم في الوقت المناسب، فالصورة مؤلمة والواقع أشدّ ألماً بالتأكيد، فهل بالفعل عجز المسلحون عن تأمين الغذاء الكافي للمدنيين الذين يضعونهم كدروع بشرية كلما ضاق الخناق على العصابات الارهابية… وإذا كان مموّلو الإرهاب قادرين على إيصال السلاح للمسلحين المحاصرين، فكيف عجزوا عن تقديم الغذاء للمدنيين؟ ولماذا لم يصب المرتزقة بالهزال ولم يعانوا من نقص الغذاء؟
هذه أسئلة بسيطة يجيب عليها أهل مضايا أنفسهم، فهم الأعلم بما حدث طوال تلك الفترة في بلدتهم… ولأنّ الوضع الإنساني في مضايا أو في أيّ مدينة سورية هو أمر يعني كلّ السوريين وكلّ شريف في هذا العالم، فإن للسوريّين الحق أن يسألوا المتحمّسين للصور الواردة من مضايا عن حصار مدن سورية أخرى؟ وعن ضرب صوامع القمح أو سرقتها؟ وعن حصار غربي وعربي لسورية حرم الشعب السوري من كلّ شيء؟ حتى أبسط أنواع الأدوية مفقود اليوم من الأسواق، وحليب الأطفال ممنوع إرساله الى سورية، كما الطيران المدني الذي حرم مئات الآلاف من السوريين من زيارة بلدهم!
أليس الشعب السوري كله محاصراً؟ ألم يمنع العالم عن السوريين تأشيرات الدخول وسمح فقط لمن يريد اللجوء بالدخول، وطبعاً ليس دخولاً مجانياً حيث يتكلّف اللاجئ مبلغاً لا يقلّ عن خمسة آلاف دولار ليركب قوارب الموت التابعة لعصابات ما يُسمّى معارضة وداعميها.
نعم مضايا وجع كلّ سوري شريف، وسورية وجع كلّ سوري شريف وكلّ شريف في هذا العالم، فالصور الواردة من هناك تتحدّث عن آلام أطفال سوريين حُرموا من كلّ شيء، حتى التعليم في المراحل الأولى، كما حرم أبناء دير الزور والرقة وحلب وحمص من أبسط الحقوق في الحياة! ألم يتذكر أصحاب النفخة الإنسانية قطع المياه عن حلب؟ ومنع وصول الطعام إلى أهالي حي الوعر، وضرب الطرق الرابطة بين المدن السورية، وسلب أيّ سيارة تعبر عليها!
نحن أكثر إصراراً من كلّ العالم على توصيل الدواء والغذاء لإخوتنا في أيّ مدينة سورية محاصرة، لكننا لسنا ملزمين بإطعام من يحمل السلاح ضدّنا ويقتلنا ويعرف العالم كله إنه إرهابي.
ونذكر جميعاً ماذا فعل زهران علوش وعصابته بأهل دوما والغوطة الشرقية، حيث سرقوا ونهبوا من بيوت الناس الآمنين المال والطعام والدواء، ولم يرحموا طفلاً أو شيخاً أو امرأة… كما داعش الذي ذبح الناس في الشمال وحرمهم من كلّ شيء بحجة تطبيق الشرع والجهاد! فهل للعالم الإنساني ذاكرة تعيد تلك الأحداث؟
ما حدث في مضايا ليس ببعيد عن نهج الصهيونية التي تحاصر الشعب الفلسطيني منذ عقود وتحرمه من كلّ شيء، فالعصابات الإرهابية هي التلميذ النجيب للصهيونية، والقادر على إيصال السلاح يملك القدرة على إيصال الغذاء إذا ما اراد ذلك، ولكن الورقة المدنية هي آخر أوراق تلك العصابات حيث سلمى وباب الهوى والشيخ مسكين واقعة تحت ضربات الجيش السوري وحلفائه، واليوم تمّ وضع دير الزور على القائمة، بعد الانتصارات في حلب واتفاق حمص وتحرير ريف اللاذقية، فقد أعداء السوريين الكثير من أوراق الضغط التفاوضي، وصار من الطبيعي أن نرى صوراً وملفات إنسانية لإحراج القوى العاملة على تطهير الأراضي السورية من الإرهاب.
ولأننا تعوّدنا من الغرب عموماً وأميركا خصوصاً على سياسة الكيل بمكيالين، فلن يكون مستغرباً أن نرى دموع أوباما على أطفال مضايا، ولكنه لن يتذكر حصار الفوعة وكفريا وأطفالهما!
تصنّف أميركا نفسها اليوم مع التحالف الإسلامي وتصفه بـ»السني» لمحاربة الإرهاب! ويسوّق لهذا التحالف إعلام البترودولار في العالم العربي، فمضايا اليوم تعيدنا بالذاكرة إلى بطانيات وعلب حليب أتت من لبنان عبر قوافل إنسانية ولكنها أتت بصناديق سلاح مصدرها أميركا ومستوردها عربي وناقلها تجارالسياسة وأتباع المال.
ففي سورية لم يعد يعنينا قلق الأمين العام للأمم المتحدة، ولا صدمة الاتحاد الأوروبي، ولا الاندفاع العربي لدعم عمليات القتل في سورية تحت ستار المساعدات، ما يعنينا اليوم هو إنقاذ المتبقي من أطفالنا وإعادة الحياة الطبيعية إلى بلد محاصر من كلّ العالم منذ خمس سنوات، وعلى كلّ القلقين أن يطلبوا من مموّلي العصابات الإرهابية أن يفتحوا الأبواب للمدنيين في المناطق المحاصرة للخروج، وسوف نكون جميعاً في استقبالهم، فالشعب السوري لا يحتاج لدروس بالإنسانية من أحد، وعلى الجميع إعادة الحسابات من جديد وعلى المهزوم الاعتراف بأنه استطاع تدمير البنية التحتية، ولكنه لم يستطع نزع روح الانتصار من الشعب السوري الذي لا يزال صامداً.
وعلى العالم أن يفهم أنّ مصايف مضايا وبلودان سوف تستقبل المصطافين في الصيف المقبل.