مقدّمات تموضع قطري على خط التسويات نحو موسكو وطهران… وجعجع ضمنها عون يوجّه رسائل الانفتاح على فرنجية وجنبلاط والحريري… بعد خطوة معراب
كتب المحرر السياسي
يبدو أنّ التسارع الأميركي الروسي الإيراني لصناعة التسويات الإقليمية، وما يقابله من تباطؤ وتعقيد سعودي، قد وجد طريقه الالتفافية على التعطيل السعودي، بإعادة تعويم الدور القطري الطامح للمشاغبة على التفرّد السعودي متى توافرت التغطية الدولية والإقليمية، وهذا ما لا تتطلع إليه سلطنة عُمان، حيث تحرص مسقط على البقاء عند خط النهاية في صناعة التفاهمات، التي تضمّ السعودية خصوصاً ولا تستبعدها، بينما قام الدور القطري أساساً على المخاطرة بـ»الدوبلة» على الدور السعودي والسعي إلى مقاسمته الزعامة كلما تسنّى ذلك.
الملفّ التركي الروسي على طاولة محادثات روسية قطرية في موسكو لاستجلاب تركيا إلى خط التسويات، بعد حملة الردع الحازمة التي تقابلها في سورية عسكرياً، والموقفين الروسي والإيراني الحاسمين بالتصدّي للمحاولات التي يقوم بها الرئيس التركي رجب أردوغان لمدّ يده إلى كلّ من الصحنين السوري والعراقي، وصدّ عسكري وسياسي من جانب الحكومتين السورية والعراقية، فهل نضجت تركيا لقبول الوقوف على ضفة الحلول بدلاً من ضفة صناعة المشاكل والمشاغبة؟
المسعى القطري الذي ترجمه كلام وزير الخارجية خالد العطية ترافق مع الإشادة بدور موسكو في صناعة الحلّ السياسي في سورية بلغة خلت من الشروط والعنتريات حول مستقبل سورية، وإعلان نيات طيبة تجاه إيران، فهل هذه مؤشرات لتموضع تركي بلسان قطر، ومعلوم حجم ما بين أنقرة والدوحة من تفاهمات وتشارك في الملفات والخيارات؟
ألقى الكلام القطري المزيد من الضوء على البعد الإقليمي والدولي لخطوة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، مع الإشادة التي لقيتها الخطوة من وزير الخارجية القطري، ليتأكد أنّ الخطوة جزء من سياق يُراد له أن يصل في النهاية إلى تفاهمات وتسويات، وليس بالضرورة أن تكون الخطوة الأولى فيه، التي بدأت من معراب هي الخطوة الحاسمة أو الأخيرة، خصوصاً أنّ الهواجس الانتخابية والسياسية التي يثيرها ظهور الحلف العوني القواتي لدى شركائهما المسيحيين، ولدى كلّ من تيار المستقبل، باتت تستدعي بعيداً عن هوية الرئيس العتيد التفاهم على ما هو أبعد من قانون الانتخابات النيابية الذي كان شرطاً مرفوضاً دمجه بالاستحقاق الرئاسي، خصوصاً من الثنائي الداعم لترشيح النائب سليمان فرنجية المتمثل بالرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، الذي ربما صار اليوم من دعاة النسبية أكثر من خصومه، واشتراطها من ضمن السلة الرئاسية.
سلة التفاهمات التي ربما تطال التحالفات الانتخابية، وليس القانون فقط، وترسم صورة المجلس الجديد والحكومة الجديدة، قبل أن تبصر الرئاسة النور، تفترض وفقاً لمصادر متابعة أن تتسع دائرة التشاور التي يبدو أنها على المستوى الداخلي للأطراف المعنية ستستهلك ما تبقى من الأسبوع قبل أن تظهر مواقف يمكن البناء عليها خارج إطار العموميات، قبل أن يبدأ التشاور الجدّي بين الفرقاء، ما يعني أنّ جلسة الثامن من شباط المقرّرة لانتخاب رئيس ستكون أمام الخيار المحرج بالتعطيل، وهو خيار لا يستطيع العماد عون تحمّل تبعاته، وإصابة الصدمة الإيجابية للقاء معراب بنكسة بحجم قيامه بتعطيل نصاب جلسة انتخاب يُفترض أنها معقودة لتظهير نتائج هذا التفاهم الذي خرج بدعم ترشيحه من معراب، وبحضور عون وكتلته سيحضر كثيرون، كتلة حزب الله وكثير من الحلفاء المقاطعين، ولن يكون سهلاً على الحريري وجنبلاط المقاطعة والتعطيل بعد عشرين شهراً من الاتهامات التي طاولوا بها حزب الله والعماد عون بالمسؤولية عن تعطيل الانتخابات الرئاسية بتعطيل النصاب، وقد امتلأت الحياة السياسية والإعلامية بالتصريحات المتهكّمة على نسبة تعطيل النصاب للممارسة الديمقراطية، لذلك ترى المصادر المتابعة أنّ تأجيل الجلسة لموعد يحدّد لاحقاً إفساحاً في المجال للمزيد من التشاور من أجل جلسة تنتج رئيساً، قد يكون هو المخرج الأنسب للجميع، خصوصاً إذا توافرت لرئيس المجلس النيابي التغطية اللازمة من الأقطاب المسيحيين التي تدعوه إلى التأجيل.
مشوار التشاور الطويل بدأه الوزير جبران باسيل وسيتواصل خلال أيام الأسبوع، وسانده العماد ميشال عون عبر إطلالة تلفزيونية حملت رسائل ودية، ونية انفتاح نحو كلّ من النائب سليمان فرنجية والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.
عون: فرنجية يبقى كإبني
حرّك إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع دعمه ترشيح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية المياه الراكدة رئاسياً، وطغى على المشهد الداخلي، بانتظار تبلور مواقف القوى السياسية وتبيان الخلفيات الكامنة خلف مشهد معراب أول من أمس، بينما بدأت الأسئلة تتمحور حول مدى إمكان تأمين النصاب لجلسة الانتخاب الخامسة والثلاثين في 8 شباط المقبل.
وأكد العماد عون على علاقته الطبيعية مع رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، نافياً أن يكون اللقاء الأخير معه عاصفاً. وفي مقابلة على قناة «أو تي في» قال عون: «إن الوزير فرنجية يبقى كإبني وسنبقى نحبه وحيث يمكن أن نغطّيه سنغطّيه، وأنا أحب أن تظل العلاقة طبيعية معه».
وتعليقاً على مواقف فرنجية من بكركي أول من أمس اعتبر عون أنها «تتضمّن ضمناً دعوة للحديث والمهم ليس الحديث بل المضمون الذي سيخرج منه». وكشف عون أن «الوزير باسيل اتصل بفرنجية في يوم الإعلان عن الاتفاق وأخبره بما يريد القيام به وبإعلان جعجع دعمه لترشيحه».
واعتبر اللقاء الذي حصل أمس مع «القوات» يمكن أن يكون أهم من الانتخاب الرئاسي بالنسبة لكل المسيحيين، ورأى أن «موقف حزب الله تجاه ما حدث بالأمس لا غبار عليه وهو أعلن تأييده لترشحنا من قبل».
ولفت عون إلى أنه سيجري الاتصال بالنائب وليد جنبلاط، معرباً عن اعتقاده بأن لديه شيئاً إيجابياً، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن بيان تيار «المستقبل» جاء إيجابياً، لكنه رأى فيه أن «الحريري لم يقرر بعد من سيدعم للرئاسة».
وأضاف عون: «لم أتكلّم مع إيران بالملف الرئاسي، والفرنسيون أخبروني أن إيران تترك الملف بيد اللبنانيين».
باسيل وبو صعب في عين التينة
وبعد لقاء معراب، بدأ التيار الوطني الحر زياراته المكوكية للتشاور مع الأطراف كافة، ومن المرتقب أن يلتقي رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل خلال الساعات القليلة المقبلة الوزير فرنجية للتشاور في المستجدات الأخيرة. وكان باسيل قد زار الوزير فيصل كرامي وما تحمله هذه الزيارة من دلالات سياسية، ثم انتقل ووزير التربية الياس بو صعب إلى عين التينة للقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأوضح باسيل أن «ما حصل أمس في معراب باب انفراج كبير لتسريع الأمور، كي يتم الاستحقاق الدستوري وفق ميثاقنا الوطني»، مشيراً إلى أن «حالة الانفراج هذه نريدها أن تصبّ في مصلحة الجميع». أما بو صعب فأكد أن «اللقاء مع الرئيس بري إيجابي وتأسيسي ويفترض أن يكون هناك لقاء مع النائب فرنجية».
وبري لم يحسم موقفه بعد…
وأكدت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» أنه «رغم ما حصل في معراب، فإن الأمور ما زالت في إطار التبلور والرئيس بري لن يبني على هذه الموقف، وليست بالضرورة أن تؤدي خطوة جعجع إلى انتخاب رئيس، بل هناك معطيات عدة سيُبنى عليها لم تتبلور بعد منها المحلي والإقليمي والدولي، والأمر يحتاج إلى تشاور على مستوى قيادة حركة أمل وكتلة التنمية والتحرير»، وشدّدت على أن «الرئيس بري لم يحسم الموقف بعد بتبني أي من المرشحين».
كما أضافت المصادر أن «الرئيس بري من أشد الحريصين على إنجاز الاستحقاق الرئاسي ولا يقبل أي مزايدة على موقفه والدليل الملموس هو حضور كتلته كل جلسات الانتخاب»، ووصفت المصادر ما نقل عن الرئيس بري بأنه طلب من فرنجية الاستمرار بترشيحه بعد خطوة معراب، بالكلام الإعلامي لا أكثر ولا أقل.
«التغيير والإصلاح»: تفاهم لإنقاذ الجمهورية
وثمّن تكتل «التغيير والإصلاح» موقف جعجع لترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية،» معتبراً أن «هذه الخطوة بداية إرادة جامعة للوصول إلى حل وطني لإنقاذ الجمهورية».
ورأى التكتل في بيان تلاه النائب إبراهيم كنعان بعد اجتماعه الأسبوعي في الرابية أن «هذا الحل أبعد من انتخاب رئيس للجمهورية»، لافتاً إلى أنه «تفاهم يمكن تطويره ليشمل سائر الكتل لإنقاذ الجمهورية ولبنان».
باسيل: لا نقبل إلا النسبية
وأكد باسيل، «أن الانتخابات الداخلية للتيار الوطني الحر أكدت إمكان إجراء انتخابات نيابية، على أساس النسبية على الأصعدة كافة». وفي مؤتمر صحافي قال: «هذه الانتخابات نقول إننا لا نقبل إلا بالانتخابات على أساس النسبية في لبنان».
جعجع لـ«المستقبل»: لننتخب الرئيس
واستكمالاً لخطوته في معراب، زار جعجع بكركي أمس لوضع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بأجواء تبنيه ترشيح عون. متمنياً على الكتل النيابية كافة عرض الموقف والتوقف عنده ومناقشته لاتّخاذ القرار المطلوب والوصول في أسرع وقت إلى انتخابات رئاسية تخرجنا مما نحن فيه إلى وضع أفضل».
وقال: «لا أنكر أبداً أن هناك خلافاً حول الترشيحات لرئاسة الجمهورية مع المستقبل، لكن من خلال التواصل المستمر الذي لم ينقطع لحظة، سنتوصل إلى موقف غير بعيد عن بعضنا البعض، أقله لناحية حضور الجلسات الذي هو مبدأ ثابت لدى تيار «المستقبل»، ما يتيح إجراء الانتخابات والخلاص من الفراغ».
..و«المستقبل»: الكلمة الفصل تبقى للمجلس النيابي
في المقابل، جاء بيان كتلة المستقبل النيابية إثر اجتماعها أمس، غامضاً لجهة الموقف من ترشيح جعجع لعون واكتفى بالإشارة إلى «أننا توقفنا عند ترشيح جعجع لعون وعند عزم فرنجية الإبقاء على ترشحه، ونؤكد الالتزام بتوجهات الرئيس الحريري في موضوع الرئاسة انطلاقاً من أن كلمة الفصل تبقى للمجلس النيابي».
لقاء قريب بين الحريري وفرنجية
وأوضح مصدر قيادي في تيار المستقبل لـ«البناء» أنه «في حال تبلور مرشحين واضحين واتجهت الكتل لتأمين النصاب لأحدهما في المجلس النيابي سنتوجه كتيار مستقبل إلى مواجهة بالشكل الديمقراطي»، وأشار المصدر إلى «أنه حتى الآن مبادرة ترشيح فرنجية قائمة، لكن الكلمة الفصل تبقى للرئيس الحريري الذي لم يعلن بأنه سيصوّت لفرنجية في أي جلسة وحتى لم يعلنه مرشحاً رسمياً رغم الحراك القائم بين الطرفين».
ورفض المصدر اعتبار خطوة جعجع ترشيح عون «ردة فعل على ترشيح الحريري لفرنجية، ونفى أن يخطو الحريري خطوة باتجاه إعلان ترشيح فرنجية رسمياً كردة فعل على خطوة جعجع، لأن الأمر ليس كيدية سياسية». ولم ينف المصدر «الاختلاف مع «القوات» بوجهات النظر في الملف الرئاسي، لكن الرؤيا ذاتها ولديهما قناعة مشتركة بملء سدة الرئاسة بالطريقة المناسبة»، وتوقع المصدر أن يهدد إعلان الوثيقة بين التيار والقوات في معراب العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله.
وإذ رجّح المصدر حصول لقاء بين الحريري وفرنجية قريباً، كشف أن التواصل مستمر بينهما للتشاور، رغم كل ما حصل.
حزب الله لن يقبل بالجلسة الخدعة
وقالت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» إن «مرشح حزب الله هو العماد عون حتى يثبت عون العكس وموقفه واضح وغير محرَج، كما يحاول البعض تصويره، وما أقدم عليه جعجع أكد صوابية موقف حزب الله وخياره بترشيح عون»، وأوضحت أن «مصلحة حزب الله تعزيز الموقف المسيحي العام على مرشح يعتبره الحزب الأعلى تمثيلاً لدى المسيحيين»، وأشارت إلى أن «حزب الله معني بالذهاب إلى جلسة تنتخب رئيساً وليس الذهاب إلى جلسة للتنافس بين مرشحين واختيار أحدهما، كما أن الحزب ليس مضطراً أن يدلو بدلوه بعد خطوة معراب، لأنه أعلن رسمياً مرشحه وهو عون، بل على الآخرين أن يوضحوا موقفهم الملتبس ويعلنوا موقفاً رسمياً من ترشيح ما يقولون عنه أنه مرشحهم».
وإذ لفتت إلى أن «حزب الله سيحدد أي موقف جديد من الملف الرئاسي بناء على موقف الأطراف الأخرى، جزمت المصادر بأن الحزب لن يقبل بأي جلسة للاختيار بين مرشحَيْن التي قد تكون بمثابة خدعة».
وفسّرت المصادر أسباب إقدام جعجع على تأييد ترشيح عون، بأن «الوضع الإقليمي هو الأساس في تظهير لحظة اختيار الرئيس التي لا يبدو أنها نضجت بعد، لكن جعجع قرأ موازين القوى لا سيما الاتفاق النووي الإيراني ورفع العقوبات عن طهران، وقرأ أزمة السعودية والتحول في الميدان السوري لمصلحة الجيش السوري والمقاومة»، أما الاعتبار الأقوى بحسب المصادر فهو «طعنة حليفه الحريري الذي رشح خصمه التاريخي للرئاسة والذي إن وصل إلى بعبدا فسيشطبه من المعادلة».
الكتائب عند حزب الله
على صعيد آخر، استقبل نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم وفدًا من حزب «الكتائب» برئاسة الأمين العام للحزب المحامي رفيق غانم، بحضور النائب علي فياض والنائب السابق نزيه منصور.
وجرى التداول في الأوضاع العامة، وأكد قاسم أن «الاختلاف السياسي لا يفسد في الودّ قضية، والتعبير عن الاختلاف بموضوعية حق مشروع، بعيداً عن الإساءة لمن نختلف معه، ولا يمكن لأحدٍ أن يستفرد بلبنان، ولا أن ينجح بتسخيره لصالحه».
من جهته، قال غانم قائلاً: «هذه الاجتماعات نعتبرها ضرورية جدًا للحوار بالعمق حول القضايا الوطنية، وطرحنا فيه أموراً دقيقة، وكنا متفاهمين بقضايا كثيرة، ونتمنى التواصل بهذه الحوارات للمصلحة العامة ولمصلحة لبنان».