هل يؤدّي الواقع اللبناني المأزوم إلى نسف الطائف؟

هتاف دهام

أثار رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في مبادرته الرئاسية والنيابية القائمة على انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب على مرحلتين، الأولى مسيحية والثانية وطنية عامة، وإقرار قانون انتخاب يحقق المناصفة الحقيقية، والذي لا يمكن التوصل إليه إلا من خلال انتخاب كلّ طائفة لنوابها، زوبعة من الردود التي بيّنت أنّ أصحابها أرادوا إظهار المبادرة وكأنها سعي الى نسف اتفاق الطائف وتغيير النظام، فجدّدوا معارضتهم انتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح رئيساً للجمهورية، وللتصويت على القانون الأرثوذكسي ولتعديل اتفاق الطائف.

لم يأتِ عون على ذكر تعديل الطائف، فهو دعا إلى تنفيذ هذا الاتفاق بما فيه الشراكة والمناصفة والميثاقية والإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية وسواها، ووجه الدعوة لذلك بعد التعطيل المقنّع الذي مارسه تيار المستقبل لانتخابات رئاسة الجمهورية، بجعل سمير جعجع رئيس حزب القوات يستمرّ بترشحه للانتخابات الرئاسية، وجعل التيار الوطني الحر ينتظر تأييداً من شريكه في الوطن تيار المستقبل.

لن يقبل التيار الأزرق بنسف اتفاق الطائف، لأنّ من شأن ذلك إضعاف ما يُسمّيه «موقع الطائفة السنّية» في الدولة والتوازنات الوطنية، ولذلك لن يتنازل عن المكتسبات التي منحه إياها هذا الاتفاق، خصوصاً أنّ عدم تطبيقه كاملاً وضع تيار المستقبل فوق الريح، وجعل رئيس الحكومة يمارس عن غير وجه حق بعض الصلاحيات التي سُحبت من رئيس الجمهورية وأنيطت بمجلس الوزراء مجتمعاً.

ولما كان اتفاق الطائف قد أعاد النظر بالنظام الذي كرّسه تأسيس دولة لبنان الكبير من نفوذ للمسيحيين على حساب المسلمين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم مهمّشين، فإنّ الطائف انتزع من المسيحيين الكثير من امتيازاتهم ومكاسبهم، كنوع من المقايضة في مقابل توفير الطمأنينة للمسيحيين، لكن الممارسة الفعلية لم تؤمّن المناصفة العادلة كما نص عليها الاتفاق.

في قلب الطائف بذور تفجيره، فعندما نص على ضرورة أن تُجرى الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمّن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، زرع لغماً للمسيحيين الذين لا يتواجدون كأكثرية في جميع المحافظات باستثناء محافظة جبل لبنان.

لم تكن مساوئ اتفاق الطائف ظاهرة الى العلن قبل عام 2005، الا أنها سطعت مع ترؤس الرئيس فؤاد السنيورة للحكومة في 30 حزيران 2005 واستغلاله هذا المنصب لتحقيق مكاسب لا تمت إلى مصالح لبنان بصلة، ليفضح بذلك اتفاق الطائف، ويجعله غير قابل للاستمرار والحياة.

لا موازنة في لبنان منذ عام 2005، ولما كان العمل الأساسي للمجلس النيابي إصدار قانون الموازنة العامة كلّ عام، إلا أنّ اللبنانيين لم يروا أي موازنة حتى اليوم بفعل سياسة السنيورة التي كشفت المستور في الطائف. سمح هذا الاتفاق بتعطيل المؤسسات الدستورية وشلّها وفي طليعتها السلطة التشريعية لمجرّد استقالة رئيس الحكومة أو اعتكافه.

وأمام ذلك تقرّ القوى السياسية في 8 آذار ضمنياً بأنّ زمن الطائف قد ولى، وحان الوقت إما لتعديله أو تطويره. يترافق ذلك مع دعوات غربية لتعديل النظام، فالولايات المتحدة أعطت هامش المناورة في التحرك لفرنسا التي طرحت منذ ثلاث سنوات على الإيرانيين تغيير النظام اللبناني الذي لم يعد يتلاءم مع الوضع الحالي، إلا انّ الإيرانيين سحبوا يدهم من الطرح لأنّ الاوضاع لا تسمح بأن يطرح الأمر من قبل حزب الله، فيما رفض السعوديون رفضاً قاطعاً ضرب الطائف وجدّدوا تمسكهم بتطبيق ما يمكن تطبيقه منه، في حين انّ السوريين المنشغلين بالأزمة السورية يرفضون الصيغة الحالية وفقاً لتطبيق تيار المستقبل.

وفي ظلّ هذه المعمعة السياسية، تكثر الدعوات إلى ضرورة عقد مؤتمر تأسيسي لإعادة بناء الدولة، إلا أنّ أي مؤتمر تأسيسي أو عقد اجتماعي لا يحصل إلا استناداً إلى معطيات دولية واقليمية، فأيّ اتفاق جديد على غرار الطائف والدوحة لا يمكن أن يبصر النور من دون غطاء عربي واقليمي. فالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عاد وسحب طرح العقد التأسيسي الجديد وأداً للفتنة، بعدما قامت الدنيا ولم تقعد، وترويج ادعاءات لا أساس لها والقول إنه يبغي الوصول إلى المثالثة من وراء المؤتمر التأسيسي.

كذلك البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي لم يعد يطالب بالعقد الاجتماعي الجديد الذي دعا اليه وربطه بشعاره «شركة ومحبة».

وعلى ضوء التطورات الحاصلة في المنطقة، من المؤكد أنّ أيّ مؤتمر تأسيسي – إنْ حصل – لن يبصر النور قبل العام المقبل، بانتظار ان يتضح المشهد الاقليمي، فالتطورات الأمنية لم تعد محصورة بسورية، بل امتدّت مع زحف «داعش» لتصل الى العراق، وصولاً لما يجري في غزة، واليمن من تطوّرات.

يختلف المؤتمر التأسيسي اختلافاً جذرياً عن اتفاق الدوحة، فموازين القوى الإقليمية التي سيُبنى على أساسها هذا العقد التأسيسي، تختلف عن موازين عام 2008 التي لم تكن تسمح بأن يخرج فريق 8 آذار بأكثر من ثلث معطل، الذي رغم كلّ شيء استطاع تصويب بعض الأداء في تطبيق الطائف، وقيّد رئيس الحكومة في مجلس الوزراء.

ولما كان لبنان يشهد تعطيلاً للمجلس النيابي ومجلس الوزراء بفعل سياسة فريق 14 آذار والشغور في سدة الرئاسة، فإنّ فريق 8 آذار والتيار الوطني الحر لن يضحيا بست سنوات جديدة للإتيان برئيس أنصاف الحلول في ظلّ الزلازل التي تحيط بنا في المنطقة والعناوين الأمنية التي ليست بعيدة عن لبنان.

يريد التيار الوطني الحر رئيس جمهورية قوياً يحاكي رئيس مجلس نواب قوياً ورئيس حكومة قوياً. لا ينادي هذا التيار بتغيير اتفاق الطائف ولا بتعديل الصلاحيات كما أكد الوزير السابق سليم جريصاتي، خصوصاً إذا تمّ التوافق على هذه المعادلة مع الشركاء في الوطن، إلا انه في الوقت عينه يحذر من «تداعيات انتهاك حقوق المسيحيين التي من شأنها أن تغلق باب الطائف، لتفتح باب المؤتمر التأسيسي على مصراعيه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى