قطر والسعودية… خلاف على الرئاسة اللبنانية أو على عناوين مرحلة؟

روزانا رمّال

منذ بضعة أشهر قام وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان بزيارة فجائية إلى روسيا التقى فيها الرئيس فلاديمير بوتين، وكان معه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في محاولة للقيام بتفاهم جديد مع موسكو حول شروط التسوية السياسية في سورية، وذلك بعد مشاركة محمد بن سلمان في أعمال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي في شهر حزيران الماضي، أيّ بعد زيارة أولى لموسكو، فكانت رسالة واضحة إلى استعداد الرياض حليفة واشنطن للتعاون مع روسيا، وقد أملت حينها بالتماس موقف جديد من تغيير موقف موسكو تجاه سورية وبعض الملفات المرتبطة، مع وعود روسية بشراكة استراتيجية ومشروعات بمليارات الدولارات. وتقول مصادر صحافية متابعة للشأن الروسي في هذا الإطار إنّ هذه الوعود كانت رسالة إيجابية بذلك التوقيت من موسكو التي سبق وتبادل مسؤولوها زيارات متتالية مع الرياض منذ عام 2007 ولم تنجح في تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه من هذه الوعود لروسيا حتى اليوم.

محاولات التقارب الروسي السعودي في الأشهر الماضية كانت أوضح، أو ربما الرهان السعودي على فتح ثغرة في الموقف الروسي تجاه سورية كان أكبر، واليوم تجد السعودية نفسها أمام حائط كبير سدّ هذا الأفق بدخول روسيا الحرب العسكرية في سورية، لا بل دخولها المباشر والقوي في ما يسمّى تصنيف المعارضة السورية المفترض أنها ستجلس على طاولة المفاوضات السياسية لتتعقد العلاقة أكثر…

في المقابل تلوح في الأفق بوادر علاقة روسية قطرية مثيرة منوطة بأدوار جمعت مؤشراتها سلفاً، فقد زار أمير قطر روسيا منذ أيام قليلة، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تحدّث عن نية موسكو التعاون مع الدوحة في البحث عن الحلول الممكنة لمشاكل المنطقة، باعتبار قطر دولة مؤثرة على التطورات في الشرق الأوسط، بحسب بوتين مع اهتمام بتنسيق مواقف البلدين في قطاع الطاقة، والغاز تحديداً.

الزحف الخليجي نحو روسيا مطلوب في مرحلة فرضتها بتواجدها القوي عسكرياً الذي أكد أنها وحلفاءها في المنطقة يرسمون مرحلة جديدة لا يمكن الانطلاق في عناوينها بتجاهل مصالحهم أولاً، أو البقاء على ما كانت عليه المنطقة قبل دخول روسيا إليها، وهنا فإنّ من يعتبر أنّ بإمكانه خلق ثغرة في الموقف الروسي تجاه سورية فهو مخطئ بقراءته للحماسة الروسية في تبني الأزمة السورية من ألفها إلى يائها، بما يعتبر ضرورة لأمنها القومي، حتى أنه مخطئ في تحليله للأثمان التي تدفعها روسيا في هذه الأزمة من بينها الاقتصادية والسياسية والأمنية.

وبالرغم من أنّ الملك السعودي بعث برسالة إلى أمير قطر قبل ساعات من زيارته موسكو يؤكد فيها عمق العلاقات وضرورة تعزيزها بين البلدين، إلا أنّ هذا لا يخفي التباين الحاصل والذي يفرضه الوجود الروسي في المنطقة، والذي على ما يبدو سيفرض لعبة شروطه بالنفوذ السياسي على طاولة المفاوضات وشكل المرحلة والأدوار الموزعة فيها. ويدخل ضمن هذا الإطار الخلاف السعودي – الإيراني الحادّ عقب إعدام الشيخ نمر باقر النمر. وعلى هذا الأساس تبدأ مؤشرات الأدوار من ساحات متباينة ومواقف تحسب نقاطاً لأصحابها، حسب بورصة الظروف فتكون الغلبة للأقوى، وإحدى هذه الساحات لبنان الذي يشهد حراكاً رئاسياً غير مسبوق وربما مثير لما حمله من مفاجآت بعدما أقدم رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع على ترشيح خصمه اللدود مسيحياً العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، والأخير واجه «فيتو» سعودياً منعه من استكمال مباحثات الرئاسة في وقت سابق مع الحريري، حتى صرف فريق 14 آذار النظر عن الأمر ليعود عبر جعجع.

وهنا كان السؤال الذي فرض نفسه: كيف يمكن لجعجع أن يتخطى الفيتو السعودي؟ ومَن هي الجهة الراعية دولياً أو إقليمياً؟ وفي هذا الإطار إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر جعجع حليفاً رئيساً لها في لبنان، فإنّ هناك تغطية عربية احتاجها جعجع لهذه الخطوة، وتبدو قطر وراءها بمؤشرات مقبوليتها بالداخل اللبناني، وهنا يفيد التذكير بدور للدوحة لاحت مؤشراته في صفقة تبادل العسكريين اللبنانيين الذين اختطفتهم «جبهة النصرة» لأكثر من سنة، والإشادة التي حظي بها أمير قطر من مسؤولين لبنانيين حينها، واللفتة التي تحدّث عنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حين لبّى أمير قطر مباشرة رغبته، عندما تدخل السيد نصرالله لحلّ هذا الملف، وهذا كله نقيض العلاقة السيئة جداً بين حزب الله والسعودية، فمواقف الحزب شديدة اللهجة ضدّ الرياض منذ الحرب على اليمن حتى تصنيفها له إرهابياً.

القبول بالدور القطري عند حزب الله مرجَّح، وقد سبق ونجح في اختبار صفقة العسكريين، وهو مؤشر واضح يُعلي من فرضية نجاح تعاون بين الطرفين يصبّ في مصلحة إضعاف الدور السعودي في لبنان، لكن حزب الله هنا سيمثل تموضعاً واصطفافاً لحلف اتخذ موقفاً نهائياً من السعودية، وهو الحلف الروسي الإيراني السوري، فهل سيبادر إلى حسم دعم عون المرشح المرفوض سعودياً؟ أم أنه سينتظر الكلمة الفصل الأخيرة باعتبار أنّ مساعي حلّ الخلاف السعودي – الإيراني تتوالى فرنسياً وصينياً وباكستانياً، وبالتالي فإنّ حلّ الأزمة الرئاسية اللبنانية ولكبر دلالاتها، إذا تمّ حله على هذا الأساس، فسيؤجل حتى يتوضح المشهد أكثر وتتوضّح معه أدوار المرحلة المقبلة وعناوينها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى