«جنيف 3»… خلافات المرجعية والهوية

سعدالله الخليل

أكدت الوقائع قبل القرارات تأجيل انعقاد الملتقى الدولي حول سورية «جنيف 3»، فمن الصعوبة التكهّن بإمكانية خروج الملتقى الدولي الذي طال انتظاره بانفراجات تغيّر في المشهد السياسي السوري، وتدفع باتجاه إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية، لاعتبارات عدة انطلاقاً من المواقف الدولية والإقليمية الدافعة باتجاه العودة إلى المربع الأول من الأزمة السورية بالإصرار على تبني وثيقة «جنيف 1» كقاعدة لعقد «جنيف 3» عبر التمسك بهيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، والتي تجاوزتها مقرّرات فيينا التي وثقها القرار الأممي 2254 مستندة إلى بناء القرار على وثيقة «جنيف1»، وهو ما صدر علناً عن مؤتمر الرياض لأطياف المعارضة المحسوبين على المملكة السعودية، والعودة إلى معزوفة طلب تنحي الرئيس بشار الأسد ونقل الصلاحيات لهيئة الحكم الانتقاليذ، في حين تتمسك موسكو ودمشق وباقي مكوّنات المعارضة السورية بوثيقة فيينا التي منحها القرار الأممي الشرعية الدولية بما يسقط مقرّرات «جنيف 1» بالتقادم، وبالتالي فإنّ التباين في المرجعية هو أول نقاط اللبس في الملتقى الدولي، إضافة إلى العجز عن إتمام موجبات انعقاد المؤتمر، والتي حدّدها القرار الدولي بتشكيل وفد المعارضة للمفاوضات وإعداد اللوائح البيضاء والسوداء للقوى المعارضة والإرهابية، ففي حين ترى المملكة بأنّ الهيئة التفاوضية الصادرة عن مؤتمر الرياض تمتلك الأحقية بالتمثيل المعارض، فإنّ تهميشها لباقي الفصائل الوازنة على الساحة لم يرضِ حلفاءها قبل خصومها، وجعل من الصعوبة على واشنطن الدفاع عن قائمة المملكة التي ضمّت الإسلاميين المتشدّدين مطعّمة ببعض الشخصيات التي لطالما كانت جزءاً من الدولة السورية، وشغلت مناصب فيها، في حين تتأرجح البدائل وفق المخرج الروسي بين تطعيم الوفد بشخصيات من القائمة الروسية أو الذهاب بوفدين للمعارضة السورية مقابل وفد الحكومة، وهو ما يدخل كلّ الأطراف في خانة حسابات الربح والخسارة، فالوفد الموحد يضعف الموقف السعودي كون الأسماء التي ستنضمّ إليه خارج العباءة السعودية، ولا تقبل بأن تشارك في وفد قبلته الرياض، في حين سيقوّي تشكيل الوفدين من القوى العلمانية والكردية ويظهرها بمستوى مفاوض أقوى من وفد الرياض ويسمح لها بقول كلمتها بشأن مستقبل سورية السياسي العلماني المتعدّد الأطياف، بما يعكس الصورة الحقيقية للشعب السوري المتعدّد، وهي رؤية تلقى رواجاً لدى الرأي العام الغربي، وتنسجم مع قرارات الأمم المتحدة وبيان فيينا وشرعة حقوق الإنسان، فيسقط وفد الرياض ذو اللون والتوجه الواحد خاصة أنّ التجربة أثبتت أنّ الائتلاف لا يملك أيّ ثقل على الأرض، كما يعزّز هذا التوجه وجهة نظر الحكومة بأنّ الائتلاف والسعودية وتركيا سلبت إرادة الشعب السوري خلال سنوات الأزمة بفرض هذه القوى كممثل وحيد له، وفي هذه النقطة تبدو الخسارة السعودية في حسم نقاط تشكيل وفد المعارضة لصالحها خاصة أنها تصرّ على ضمّ مكونات ثبت صعوبة القبول بها كمكوّنات معارضة سياسية على اعتبارها تتبنّى فكراً قاعدياً إرهابياً كـ»أحرار الشام» و«جيش الإسلام»، وبانتظار الأردن التي تأخر إصدارها ما طرح جملة تأويلات ومواقف في ظلّ الإصرار السوري على أنه لن يذهب ليفاوض أشباحاً ما يعني أنّ الوقت يضيق على الأردن لإتمام التزاماتها أمام المجتمع الدولي، وإلا فإنّ دمشق في حلّ من المشاركة في ملتقى غير واضح المعالم ويلتبس فيه العدو والخصم، فالخصومة السياسية تحلّ على الطاولة بين القوى السياسية، أما العداوة بمفهومها الإرهابي فلا مكان لها في المفاوضات بموجب القرار الأممي الذي يفرض محاربتها، وبانتظار إنهاء الحكومة الأردنية قوائمها البيضاء والسوداء فإنّ دمشق وحلفاءها ماضون في ضرب معاقل التنظيمات الإرهابية من «داعش» و«النصرة» وأخواتهما وحلفائهما من «أحرار الشام» و«جيش الإسلام»، «فرسان» المملكة وأنقرة، وبالتالي فإنّ الضربة الاستباقية الروسية السورية تمزّق الورقة السعودية قبل البتّ بها في قوائم عمّان بإنهائها على الأرض، وهو ما يفسّر التقدّم القوي على جبهات أرياف اللاذقية وحلب ودمشق ودرعا حيث تتواجد تنظيمات «النصرة» و«داعش» المحسوبة على أنقرة والرياض.

تعقيدات المشهد وغياب الرغبة الأميركية في السعي باتجاه الحلّ السياسي للأزمة السورية تجعل التأجيل الخيار الأمثل في ظلّ خلافات المرجعية والهوية.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى