كيري إلى الرياض السبت للوساطة… وموسكو: سيأتي غيرهم إذا قاطعوا جعجع يتهرّب من مسؤولية إقناع حلفائه بترشيح عون… وبكركي للإجماع
كتب المحرر السياسي
اقتربت الكأس المرّة من الشفاه السعودية ومعها شفاه الجالسين وراء موائدها، فجنيف التي كان مقرّراً أن تستضيف الاثنين لقاء الحوار المرتقب بين الحكومة السورية ووفد المعارضة، للمرة الأولى بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي حسم الأمر الرئيسي في العملية السياسية السورية، وهو شكل المرحلة الفاصلة بين التفاهم بين الحكومة والمعارضة وبين أول انتخابات وفقاً لدستور جديد، بحصرها بمشاركة المعارضة بحكومة وحدة وطنية في ظلّ الدستور الحالي، والرئيس الحالي، وضمن حدود الصلاحيات التي يمنحها الدستور لكلّ من الرئيس والحكومة، وصار على الذين بنوا أوهامهم وأحلامهم على رحيل الرئيس السوري الاختيار بين البقاء خارج العملية السياسية، أو تجرّع هذه الكأس المرة.
الارتباك الذي يصيب السعودية ومن اختارها مرجعاً له من المعارضين، لم تنفع معه المواقف الفرنسية المؤيدة، وفرنسا ارتضت من يوم إقالة وزير خارجيتها الاستقلالي دومينيك دو فيلبان بسبب معارضته للغزو الأميركي للعراق، أن تكون كصوت مذياع في سيارة فاخرة هرمة تحطمت في الوادي ولا زال صوت المذياع مرتفعاً.
الدلع السعودي على الأميركيين، انطلاقاً من حالة الإنكار التي تعيشها السعودية، ردّت عليه مصادر ديبلوماسية روسية بالقول، إنْ قاطَعَ الائتلاف وجماعة مؤتمر الرياض جنيف، فسيجلس سواهم على مقاعد المعارضة، وجاء الموقف الروسي بعد نهارين من المشاورات الروسية الأميركية المكثفة والمتواصلة، لإنجاز الترتيبات النهائية للقاء جنيف، بعدما ضمّ وفد جماعة الرياض ممثلاً لـ«جيش الإسلام»، وأصرّت الجماعة على مقاطعة اللقاء إذا منع من سمّته كبير المفاوضين محمد علوش من المشاركة، أو إذا تمّت إضافة أيّ أعضاء للوفد، بعدما قالت موسكو علناً إنّ جماعة الرياض لا تستطيع اختصار المعارضة، وأصرّت على مشاركة مكونات المعارضة المستبعَدَة أو التي تتشكّل من خارج جماعة الرياض، خصوصاً لجان الحماية الكردية وقوات سورية الديمقراطية وهيئة التنسيق المعارضة.
انتهى سجال اليومين غير المباشر بين موسكو والرياض، باتفاق أميركي روسي على تأجيل الموعد لأيام قليلة من جهة، واستضافة وفدين منفصلين من المعارضة، ولم تتضح كيفية حلّ معضلة وجود «جيش الإسلام» في الوفد المفاوض، فيما أوردت مصادر قريبة من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أنّ الحلّ قد يكون بعد إجراء مفاوضات مباشرة بين الحكومة السورية والوفود المعارضة، وتوزيع معاوني دي ميستورا بين الوفود في غرف منفصلة، لجولات تفاوض حول محاور وآليات تطبيق القرار الأممي.
يحمل وزير الخارجية الأميركي هذه الأفكار إلى الرياض ومعها دعوة لبدء حوار مباشر بين طهران والرياض، وفقاً لما قالته مصادر إعلامية روسية، مشيرة إلى أنّ هذا الأمر كان موضع تشاور روسي أميركي.
لبنانياً، الهدوء ما بعد العاصفة، حيث انصرفت الأطراف السياسية إلى التشاور والتقييم وتجنّب التسرّع في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، بعد التطورات الناجمة عن الترشيح المزدوج لكلّ من الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للعماد ميشال عون، والتشاور والتقييم ليس موضوعهما الاختيار بين الترشيحين، كما تفيد نتائج استشكاف مواقف الأطراف الرئيسية، بل البحث عن صيغة لتحقيق إجماع على آلية إنتاج الرئاسة سواء بمرشح واحد أو بمرشحَيْن، وما إذا كان طرح المرشحين سيتمّ بالتزامن أم بالتتابع، وكان أبرز مَن تحدّث عن الحاجة إلى الإجماع البطريرك الماروني بشارة الراعي، بينما تساءلت الأوساط المتابعة عن سرّ تهرّب جعجع من بذل أيّ مسعى أو جهد لتسويق التفاهم الذي أعلنه مع العماد عون على اعتماد ترشيحه، وسجلت بذلك مؤشراً لعدم الجدية فيما كان للتشاور والتقييم بُعْدٌ ثانٍ لدى الأطراف الرئيسية يطال كيفية التعامل مع جلسة الثامن شباط التي ستحلّ من دون أن تكون الطبخة الرئاسية قد نضجت، حيث لن يكون سهلاً تفادي أزمة الحضور والمقاطعة، بغير التأجيل الذي يحتاج مبرّراً وغطاء توافقياً أيضاً.
حزب الله يلتزم الصمت
يبدو أن حزب الله قرر أن يلتزم الصمت مجدداً حيال الملف الرئاسي، فأوساطه ترفض الإدلاء والتعليق على لقاء معراب ومصير جلسة الثامن من شباط، مكتفية بالقول «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، وكتلة الوفاء للمقاومة لم تجتمع كما كان مقرراً لإعلان موقف من خطوة معراب من دون توضيح الأسباب.
بري: أتحلّى بالصبر
ويبدو أيضاً أن هذه العدوى انتقلت أيضاً إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يؤكد بحسب ما ينقل عنه زواره لـ«البناء» أنه يتحلى بالصبر. وكذلك كتلة المستقبل التي قررت تجنب التصريحات، واعتبار أن قلة الكلام مفيدة أكثر على حد قول الوزير نهاد المشنوق من عين التينة.
وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن زيارة الوزير المشنوق ومستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري إلى الرئيس بري تأتي في سياق الطلب منه تأجيل موعد جلسة 8 شباط». ولفتت المصادر إلى اتصالات مكثفة يجريها الرئيس الحريري لضمان حصول الوزير فرنجية على 65 صوتاً».
وتؤكد مصادر مطلعة في فريق 8 آذار «أن حزب الله مغتبط من حصول رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون على تأييد جديد، ويرى في تراكم التأييد له تسريعاً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي والخروج من حالة الفراغ»، مشيرة إلى «أنه يثق بعون وبمواقفه وبالتالي لا يخشى من صفقات يكون الجنرال طرفاً فيها». ولفتت المصادر إلى «أن عدم اتخاذ حزب الله الموقف العلني مردّه إلى ترك الأمور تنضج بهدوء وببطء وعلى نار هادئة، لكي لا يكون موقفه الذي سيعلنه في توقيته عائقاً أمام نضوج التسوية، ولكي لا يكون هناك ردات فعل»، مشددة على «أن ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في السابق من تأييد للجنرال ساري المفعول طالما لا يوجد إعلان ينقضه». ولفتت المصادر تعليقاً على التنافس الحاصل بين العماد عون والوزير فرنجية والذي تحوّل إلى تباين واختلاف «أن حزب الله معني برغم الخنادق بين حلفائه بمنع النار أن يشعلها هذا أو ذاك»، مشيرة إلى «أن كل حديث عن التزام حزب الله الصمت على خلفية الإرباك الذي أحدثه ترشيح القطبين في 8 آذار عون وفرنجية لرئاسة الجمهورية تأويل وإشاعة وكلام خارج الموضوع لا يمت إلى الحقيقة بصلة». وشددت المصادر على «أن حزب الله يلتزم الصمت في الأوقات الحساسة برغم انه يجري اتصالات في السر بين المعنيين»، مشددة على «أن عون وفرنجية حليفان له ولن يخسرهما». وجزمت المصادر «أن حزب الله لا يستعمل القوة مع حلفائه ولا أحد يزايد عليه بتحالفه مع الجنرال عون، لا سيما أن جعجع يعلم أن حزب الله وحلفاءه يستطيعون أن يصلوا إلى تأمين 65 صوتاً مؤيداً للجنرال مع القوات، لكن مسألة تأمين النصاب ليست بيد حزب الله. فإن الرئيس سعد الحريري الذي أعلن جهاراً أنه يعارض انتخاب الجنرال يلامس مع نواب كتلة لبنان أولاً 44 نائباً، فالنصاب ليس بيد حزب الله إنما على حضور تيار المستقبل الجلسة، وهذا يتوقف على عاتق القوات اللبنانية التي تعهّدت القيام بخطوات مع حلفائها».
فرنجية والخطة «ب»
وتشدّد أوساط سياسية لـ«البناء» أن «رئيس تيار المردة يريد أن يكون هناك خطة «ب»، وأن يتعهّد الجنرال عون بانتخابه»، مشيرة إلى «أنّ العماد عون يرفض ذلك من منطلق أن موافقته ستكون ذريعة لتيار المستقبل وبعض المكوّنات السياسية لإلغاء الخطة «أ». وإذ تبدي هذه الأوساط ارتياحاً لإعادة العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار المردة إلى ما كانت عليه»، تلفت إلى أنّ «الأزمة الفعلية اليوم هي عند تيار المستقبل الذي تشهد علاقته بحزب القوات توتراً شديداً وباتت نحو باتجاه السلبية».
الجميّل يترشح في طرابلس؟
وفيما يعقد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الساعة 6:00 من مساء اليوم مؤتمراً صحافياً في مقرّه في بكفيا، يعلن فيه موقف «الكتائب» من تطورات الاستحقاق الرئاسي، غمزت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» من خانة الانتخابات النيابية بالقول «إنّ الجميّل سيصوّت في النهاية لمصلحة الجنرال عون وسينضمّ إلى التفاهم المسيحي وإلا عليه أن يترشح في طرابلس بدلاً من النائب سامر سعادة».
جنبلاط يتريّث!
ورحّب «اللقاء الديمقراطي» في بيان إثر اجتماعه برئاسة النائب وليد جنبلاط بـ«التقارب الحاصل بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، معتبراً «انّ المصالحة المسيحية – المسيحية خطوة هامة على مستوى تعزيز مناخات التفاهم الوطني، وهي تستكمل المصالحة التاريخية التي حصلت في الجبل سنة 2001 وطوت صفحة أليمة من صفحات الحرب الأهلية». وإذ أكد اللقاء «استمرار ترشيح عضو اللقاء النائب هنري حلو الذي يمثل خط الاعتدال ونهج الحوار»، ثمن «خطوة ترشيح رئيس «تيار المردة» باعتبارها تشكل مخرجاً من الأزمة»، واعتبر «أن الترشيح الحاصل من قبل العماد عون يلتقي مع المواصفات التي تم الاتفاق عليها في الحوار الوطني. واستدعى هذا الموقف اتصالين من الجنرال عون ورئيس القوات بالنائب جنبلاط لشكره على موقف اللقاء من لقاء معراب. وإذ أكدت مصادر في الحزب الاشتراكي لـ«البناء» «أن النائب جنبلاط منفتح على كل الخيارات وان الأمور تحتاج إلى المزيد من الوقت لتتبلور المواقف». رأت مصادر في 14 آذار لـ«البناء» أن «بيان اللقاء الديمقراطي غير مشجّع لفرنجية»، مرجحة «أن يغير جنبلاط موقفه إذا حصل على تطمينات انتخابية، لا سيما انه لا يريد أن يسجل على نفسه انه وقف في وجه التفاهم المسيحي».
باسيل يلتقي فرنجية بعد عودته من دافوس
هذا ومن المفترض ان يستأنف التيار الوطني الحر جولته على القيادات السياسية فور عودة وزيري الخارجية جبران باسيل والتربية الياس بو صعب من دافوس لوضعها في ضوء ما تمّ التوصل إليه في لقاء معراب، ومن المتوقع أن يستهل باسيل وبو صعب جولتهما بلقاء بفرنجية بعدما اتصل وزير الخارجية برئيس تيار المردة، معتذراً عن عدم إمكانية زيارته بنشعي، نظراً لاضطراره إلى السفر مع رئيس الحكومة تمام سلام إلى دافوس.
واكد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي «نريد رئيساً من صنع لبنان بمعنى أن تتحمل الكتل السياسية والنيابية مسؤولياتها وتنطلق من قراءة الأوضاع الإقليمية والدولية وتأتي برئيس مقبول إقليمياً ودولياً». قال: «دعمنا الكتل السياسية والنيابية للتشاور واختيار الشخص وأتت مبادرة جميلة بترشيح جعجع لعون التي هلل لها اللبنانيون». وكانت لافتة زيارات بطريرك السريان الكاثوكيك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان والارثوذكس مار اغناطيوس افرام الثاني رئيس تكتل التغيير والإصلاح ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس حزب الكتائب وتأكيدهم من الرابية أن «العماد عون شخص مناسب لرئاسة الجمهورية».