صراع لأجل الخيانة!
جمال العفلق
في عالم أصبحت فيه الخيانة مجرّد وجهة نظر، تتوارد الأخبار من اسطنبول عما يسمّى «ائتلاف الدوحة»، الذي أصبح معروفاً دوره وحجمه لكلّ متابع، حتى الذين بنوا هذا «الائتلاف» بجهد استخباريّ إقليمي ودولي اعترفوا أخيراً بأنه «ائتلاف» لا يمكن المراهنة أو الاعتماد عليه في إتمام حربهم على سورية.
مع التغيّرات الميدانية وتبدّل قواعد اللعبة وانكشاف ضعف الولاء لدى الفصائل المسلحة التي كان يتحدث «الائتلاف» باسمها، يقدم هذا «الائتلاف» نفسه بكونه يعيش لعبة «الديمقراطية» في اختيار «من سوف تسميه الاستخبارات الأميركية» رئيساً جديداً لا دور له في المرحلة القادمة.
في ظلّ هذه المعطيات، يتنافس المجتمعون في اسطنبول اليوم على من سيأخذ هذا الدور الوضيع، غير آبهين بآلام الشعب السوري عامة، ولا مراعين في حدّ أدنى مشاعر الذين صدقوهم ومشوا خلفهم واثقين بخطابهم الذي لطالما تحدث عن «حرية» و»ديمقراطية»، فمن يمرّ على عناوين تقارير أممية مستقلة يكتشف مدى غياب دور هذا «الائتلاف» عن مخيمات اللجوء في الأردن وتركيا ولبنان، وإذا حضر ممثلون لهذا «الائتلاف» فإنهم يحضرون بصورة تجار في تلك المخيمات أو متسوّلين على أبواب دول يقولون إنها دول صديقة للشعب السوري!
ما فعلته «داعش» التي خطفت الأضواء، وأصبحت الممثل الوحيد تقريباً للقوى المخرّبة في المنطقة، بما تملكه من مال ودعم وظهور منظم، دليل على مدى اقتناع الدوائر الإقليمية العاملة على تنفيذ مشروع التقسيم في المنطقة بأن «الائتلاف» بمن يضمّ فشل ولم يبق له دور يذكر، فخطابه الأجوف مستند في معظم نقاطه إلى صور كاذبة وفبركة إعلامية كانت تصنع غالباً في مركز إعلامي واحد يعمل فيه خبراء يعتقدون أنهم متخصّصون بالحرب النفسية.
المنافسة شديدة اليوم بين البغدادي والذين يعملون تحت قيادة السعودية وتركيا في العراق وما يُسمّى «ائتلاف الدوحة» لإرضاء أميركا و»إسرائيل». وقرابينهم دماء سورية وعراقية، ذنبها الوحيد أنها ترفض وجودهم ومتمسكة بوطنها. وانتقلت حمى هذا الصراع على تقديم فروض الولاء الأعمى لأميركا ومشروع «إسرائيل»، الى دول إقليمية تدّعي أنها تريد الخير لشعوب المنطقة «خطابياً فحسب» وهي في حقيقة الأمر عجزت عن اتخاذ موقف إنساني حقيقي أمام حرق فتى فلسطيني حيّ على يد قطعان المستوطنين. وحتى الساعة لم تشغل هذه القوى التي تتزعّمها كلّ من السعودية وتركيا رغم خلافهما المعلن الغارات «الإسرائيلية» على الشعب الفلسطيني وتلويح نتنياهو بالحرب الشاملة. فالذين جمعوا المال في المساجد ودفعوا بـ»المجاهدين» إلى القتال ضدّ الشعب السوري، فقدوا اليوم القدرة على النطق في إعادة صوغ خطابهم وجمع «المجاهدين» للدفاع عن الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض اليوم لتهديدات واضحة بالإبادة الجماعية.
اللافت أنّ المعارضة السورية الساعية إلى إثبات وجودها السياسي على المستوى الدولي سارعت إلى الحديث عن العراق وما حدث في الموصل، ولم تتردّد في إعادة الخطاب السعودي والقطري بتسمية ما حدث في الموصل على أنه ثورة شعبية، ولم تلتفت الى حرب «إسرائيل» ضد الشعب الأعزل في فلسطين. ولم تذكر هذه المعارضة التي لطالما حدثتنا عن «الإنسانية» و»الحرية» وحق الشعب الفلسطيني في التحرّر والدفاع عن نفسه.
اليوم بات خطأ اعتبار هؤلاء خصوماً سياسيين، بل يجب إخراجهم من أيّ تفاوض مستقبلاً وأيّ حوار مستقبليّ يجب أن يكون مع مشغّليهم لا معهم.