أطفال فلسطين: صرخة غضب
أطلق أطفال فلسطينيون في لبنان صرخة غضب ضدّ ما يتعرّض له أطفال فلسطين والشعب الفلسطيني من عدوان مستمرّ وقتل من قبل جنود الاحتلال «الإسرائيلي» ومستوطنيه.
فبدعوة من «المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان ـ شاهد» و«جمعية الإسراء للتنمية ـ كشافة الإسراء»، ومشاركة «بيت أطفال الصمود»، اعتصم قبل ظهر أمس أكثر من 50 طفلاً، وعدد من أبناء المخيمات في حديقة جبران، أمام بيت الامم المتحدة «الإسكوا» في وسط بيروت، حاملين لافتات كتب عليها: «هو وطّوا الصوت السيد كي مون غارق في سبات عميق»، «يا عرب يا مسلمين دم الطفل محمد أبو خضير شهيد الانتفاضة الثالثة في أعناقكم»، «الاحتلال يقتل الأطفال ويحرقهم والمستوطنون هم أداة الاحتلال القذرة»، «من يوقف حقد المستوطنين؟»، «صمت المجتمع الدولي عن جرائم المستوطنين تهديد لمنظومة حقوق الإنسان».
كما رفع الأطفال العلم الفلسطيني الضخم وصور الشهيد أبو خضير.
بداية، ألقى منسق العلاقات العامة للاعلام في «شاهد» محمد الشولي كلمة، حيّا فيها المشاركين، موجّهاً تحية إجلال وإكبار لفلسطينيي الداخل المنتفضين في وجه الاحتلال الغاصب، داعياً إلى وقفات تضامنية تنصر الفلسطينيين في قضيتهم المحقة وتدين الاحتلال «الإسرائيلي» على جرائمه التي لا تعرف إنسانية ولا قانون.
ثم تلا الطالب محمود مرعي قصيدة للشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي تحت عنوان: «نحن في غزّة بخير طمنونا عنكم».
وتلا مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد» محمود حنفي مذكرة موجهة إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، هذا نصّها:
«تتعرّض الأراضي الفلسطينية المحتلة لعدوان مستمر نتيجة ممارسة جنود الاحتلال ومستوطنيه. وقد اشتد العدوان قبل أيام عدة حيث سقط حتى هذا التاريخ حوالى مئة شهيد معظمهم من الأطفال والنساء. وكأن سلطات الاحتلال قد فرضت حصاراً اقتصادياً محكماً قيدت بموجبه إدخال المساعدات الإنسانية، ما تسبب بنتائج كارثية على السكان المدنيين هناك، لا سيما الأطفال والذين يتأثرون أكثر من غيرهم بالعدوان وهذا انتهاك صارخ لكل مواد اتفاقية الطفل التي وقعت عليها إسرائيل. فقد استشهد مئات المدنيين لعدم تلقيهم العلاج الطبي من بينهم الأطفال والنساء، كما تعرّضت مسيرة التعليم لانتكاسات حقيقية، في حين توقفت عجلة الاقتصاد، ما تسبب بارتفاع نسبة البطالة.
وقد شكل استشهاد الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير، حيث حرق وهو حيّ صدمة للجميع، كما أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزّة والذي تصاعد قبل أربعة أيام، حصد عشرات الأرواح من المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء.
تعلمون أنّ قطاع غزّة لا يزال وفق القانون الدولي الإنساني تحت الاحتلال، صحيح أن جيش الاحتلال أعاد الانتشار من مناطق فلسطينية من معظم قطاع غزّة، لكن صفة الاحتلال ما زالت قائمة. إنّ قطاع غزّة محتل لتوافر الركن المادي والمعنوي، إذ تنصّ المادة 42 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 المتعلقة بقوانين الحرب وأعرافها، على أنّ المنطقة تعتبر محتلة عندما تكون من الناحية الفعلية خاضعة لسلطة جيش معاد. والمؤشرات الفعلية عدّة حيال ذلك: معبر رفح الدولي مغلق، المعابر البرية معطلة، مطار رفح الدولي معطل، ميناء غزّة معطل، المياه الاقليمية لقطاع غزّة تضيق جداً، إذ تطلق النار على الصيادين الفلسطينيين عندما يتجاوزون 8 كيلومترات، وأثناء العمليات الإسرائيلية تصبح هذه المسافة صفرا. ما زال جيش الاحتلال يمارس نشاطه العسكري من دون توقف، ويستهدف سكان قطاع غزّة، ليلاً ونهاراً، كل هذا يعني أن دولة الاحتلال الإسرائيلي يترتب عليها مسؤوليات والتزامات بموجب القانون الدولي والإنساني، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب لعام 1949.
إن ادّعاءات قادة الاحتلال بأنّ قطاع غزّة الآن هو تحت سيطرة جماعات مسلحة، وأنّ إسرائيل قد أعادت الانتشار من قطاع غزّة، هو تهرّب واضح من المسؤولية القانونية إزاء سكان قطاع غزّة. كما أنّ اعتبار قطاع غزّة كياناً معادياً وكأنه دولة مستقلة كاملة السيادة، هو مبرّر واهٍ للعدوان على قطاع غزّة وهو ما يجري فعلاً على أرض الواقع، مع أنّ إسرائيل لا تحتاج إلى مبرّرات وذرائع للتنكيل بالسكان المدنيين في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
إن هذه الحقائق القانونية والميدانية يجب أن تدفع المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته، خصوصاً إذا تخلّفت دولة ما عن تطبيق القانون الدولي الإنساني، ولا بدّ للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بالتزاماتها الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية، والتي تتعهد بموجبها بأن تحترم الاتفاقية وأن تكفل احترامها في جميع الاحوال، كذلك التزاماتها الواردة في المادة 146 من الاتفاقية بملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة للاتفاقية، علماً أن هذه الانتهاكات تعدّ جرائم حرب وفقاً للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين، وبموجب البروتوكول الإضافي الأول للاتفاقية في ضمان حق الحماية للمدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
إنّ تخلّف المجتمع الدولي عن القيام بواجباته القانونية والأخلاقية، كما إن سياسة الكيل بمكيالين، يفقدان الثقة بالقوانين الدولية وبمنظومة حقوق الإنسان.
إنّ أطفال فلسطين يستصرخون ضمائركم، فقد بُحّت أصواتهم وهم يتعرّضون لموت سريع وبطيء، هم يحتاجون إلى مساعدتكم. حقهم في الحياة مهدّد، حقهم في الطبابة والاستشفاء مهدّد، حقهم في التعليم مهدّد، حقهم في اللعب مهدّد، حقهم في الأمن والأمان مثل باقي أطفال العالم مهدّد، وأنتم ضمير هذا العالم، وأنتم بلسم جروحه إن نزفت. متى يُسمع صوتهم وتُحقق مطالبهم المتواضعة؟ متى يُعاقب مجرمو الحرب المتورطون بدماء أطفال غزّة والضفة الغربية ولبنان والعراق وأفغانستان؟ متى يعلو صوت العدالة؟ إنّ تردّدكم في مساعدة الأطفال والمدنيين هناك، يشجّع الاحتلال على المزيد. أطفال يصرخون: بأيّ ذنب يُقتل أطفال غزّة؟
لطالما اعتصمنا هنا وللغاية نفسها، لكننا لم نجد آذاناً صاغية لمطالبنا. إنّنا نرفع مطالب هؤلاء الأطفال عبركم إلى العالم كلّه عبر وقفة الاحتجاج هذه، علّها تساهم ولو قليلاً في التخفيف عن السكان المدنيين في قطاع غزّة. إننا نستغرب يا سيادة الأمين العام موقفكم وموقف الكثير من دول العالم المتحضر حين تهمل عن قصد مشاهد أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، وتركّز على ردّ فعل شعبنا الفلسطيني فقط. إنّنا في هذه الوقفة نؤكّد على ما يلي:
1 ـ إنّ الجرائم المروّعة التي يرتكبها الاحتلال بحق السكان المدنيين تستوجب تدخّلكم بشكل سريع لسوق المجرمين إلى العدالة الدولية.
2 ـ إنّ قطاع غزّة لا يزال محتلاً من الناحية القانونية، وهو ما يترتب عليه مسؤوليات جمّة على دولة الاحتلال وهي إسرائيل. وليس هناك أيّ مسوّغ قانونيّ ولا عرفيّ لفرض حصار على سكان قطاع غزّة.
3 ـ ندعوكم إلى بذل مزيد من الضغط على السلطات المصرية من أجل أن يكون معبر رفح مفتوحاً بشكل دائم لإدخال المساعدات الإنسانية والطبّية.
4 ـ إنّ الحصار الاقتصادي على قطاع غزّة بمختلف أشكاله يمثّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وهو يرقى إلى مستوى جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي ذات الصلة.
5 ـ ندعو الأمم المتحدة إلى اعتبار قطاع غزّة منطقة منكوبة تحتاج إلى المساعدة العاجلة، وإلى الضغط الفعّال والقويّ على إسرائيل من أجل رفع الحصار.
6 ـ ندعو وسائل الإعلام إلى التركيز على الظروف الإنسانية القاسية التي يتركها الحصار على سكان قطاع غزّة».